الخلاصة لمن لا يريد القراءة الطويلة:
نغضب لرسولنا نعم .. نساهم في ترويج المحتوى ليراه مئات الملايين لا!

من وقت لآخر تحدث زوبعة بسبب قيام مجموعة من غير المسلمين بعمل فيلم أو كتاب أو مقالة تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم أو للإسلام فينتفض العالم الإسلامي ويتحمس ملايين المسلمين للتعبير عن عواطفهم الجياشة الرافضة لمثل هذه التصرفات. فيحدث ما يحلم به المؤلف أو المخرج لهذا العمل وهو حصوله على أفضل حملة تسويقية مجانية لأعماله التي ربما لم يكن ليشاهدها سوى بضعة مئات في حالة عدم حدوث هذه الحملات.

أتذكر أنه في الأسابيع الأولى لدخولي شبكة الإنترنت منذ أكثر من 14 عاما حدثت حملة شديدة لإغلاق أحد الصفحات المستضافة على موقع شركة Geocities.com والذي كان يسخر من القرآن الكريم ووقتها قلت أنني لو كنت صاحب هذه المدونة سأجد أن أفضل طريقة لتسويقها هو أن أدعي أنني مسلم غيور على ديني غاضب لهذه المهزلة وأنشر الصفحة بين المسلمين، فيقرؤها عشرون ينشرونها لمائتين فتذهب لألفين ثم عشرات الآلاف وينتهي الأمر بالملايين.

وهذا ما حدث بالفعل، فمديري الحملات التسويقية لهذا الموقع كانوا من المسلمين الغاضبين ولما استجابت شركة Geocities.com للضغط آنذاك وأغلقت الموقع كل ما فعله ذلك الشخص ببساطة هو أنه في دقائق قليلة أنشأ صفحة أخرى في نفس الشركة ونشره بنفس الأسلوب! ووقتها كتبت مقالا أسميته: "لا تشاركوا في حملات: تعالوا نشتم رسولنا!!" مقصده أن الجميع يساهم وبدون قصد في نشر هذا المحتوى محققا هدف صاحبه الأسمى.

ومن هذه الأمثلة مؤخرا هو ما حدث في الدانمارك منذ عدة سنوات، حيث قامت جريدة صغيرة ومغمورة توزيعها لا يتعدى عدة آلاف بعمل كاريكاتير مسيء للنبي صلى الله عليه وسلم وانتهى الأمر بسبب تصعيد المسلمين أنفسهم للقضية إلى أن الكاريكاتير الذي لم يكن ليعير انتباه أجد رآه مئات الملايين من مختلف دول العالم. وليس ذلك فحسب فردود الأفعال على القضية أدت أيضا إلى انتشار رغبة الآلاف في سب الرسول صلى الله عليه وسلم كنوع من أنواع التحدي والدفاع عن ما يرونه هم حقا لا يمكن منازعتهم فيه خاصة وهذا هو الأهم فلا وجود لقوانين في كثير من الدول تعاقب على ذلك فانتشرت بعض الكاريكاتيرات المثيلة في المزيد من المنشورات الغربية خاصة في أوروبا بل وأعادت بعض وسائل الإعلام الأكثر انتشارا نشر الكاريكاتير تضامنا مع ما يرونه حرية للتعبير عن الرأي بل وقامت مجموعات على الإنترنت بإنشاء صفحة نظمت يوما أسمته: "تعالوا نرسم محمّدا!".

الغضب محمود بالتأكيد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لنا كمسلمين هو القدوة الحسنة ورسول الله في أرضه، وإهانته لا يمكن أن يقبل بها مسلم مكتمل الإسلام خاصة حينما تكون في تلك الصورة الحقيرة والمقززة، ولكن وبمنطق الذي يفكر في جدوى وهدف ما يقوم به من ردود أفعال فإن كل هذا لا يتعارض مع حقيقة أن فكرة ملاحقة أصحاب هذه الأعمال وعمل حملات عليهم أكثر ضررا لأنها ببساطة تحقق هدفهم الأسمى وهو انتشار أعمالهم وهم في دول لا تعاقب أساسا على مثل هذا الفعل وحتى إن عاقبت لم يكن هذا إلا دفعا للمزيد من الأشخاص بالتعاطف معهم ونشر المزيد من هذه المواد، خاصة وأننا نعيش في عصر الإنترنت الذي كلما زادت رغبة الدول والمواطنين في محاربة أي محتوى ومنعه فلن يؤدي ذلك إلا لانتشاره كالفايروس عبر شبكات الإنترنت ليراه أضعاف أضعاف من كانوا قد يقرأونه من ذي قبل.

ما أنصح به في هذه القضايا هو:

١) التجاهل التام وعدم إعطاء الأمر أهمية لأن ذلك لا يساعد إلى على انتشار هذه المواد. وإن كانت هناك جمعيات حقوقية متخصصة في تلك الدول الأوروبية فلتبحث عن وسائل قانونية بحسب قوانين الدولة التي خرج منها هذا المحتوى.

٢) الاجتهاد في تصحيح صورة الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين بمحتوى يقدم الصورة على حقيقتها للمشاهد المنصف.

٣) الانشغال وهذا هو الأهم بما يحقق حضارة الأمة المصرية والعربية والإسلامية عبر تقديم نموذج متسامح ومتقدم وفريد وقادر على التقدم والنمو فهذا سيكون أبلغ رد على مثل تلك الحملات التي لن تجد وقتها من يستمع لها.

البيانات سهلة، والتصريحات المعارضة والمنددة محمودة، والتصعيد السياسي كما حدث في أزمة الدانمارك قد يُتفهّم، ولكن هل يحقق ذلك كله الغرض الذي نصبو إليه؟ هل يمنع انتشار تلك المواد؟ أم أن الأمر بحسن نية وبغيرة محمودة يجعل من الكثير من تلك التصرفات أداة تسويقية في يد الكثيرين ممن ينتجون ويخرجون ويكتبون هذه السخافات.

صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم......