لماذا يكرهوننا ؟؟
هذا السؤال الذي سألته أمريكا لنفسها ولازالت تسأله وتحاول بشتى الطرق أن تفهم لماذا يكرهها العالم .. الآن أسأله لنفسي ويجب على مصر أن تسأله لنفسها ..

وإذا كان من المفهوم أن تكون مباعث كره العالم لأمريكا واضحة وجلية ، فهي أغنى وأقوى بلاد العالم وأم الحضارة في القرن العشرين والحادي والعشرين ..
فلماذا نحن مكروهون .. ونحن لسنا كذلك ؟؟

وإذا كان من الواضح أن أمريكا تحتل البلاد وتقوم بغزوات وتقتل أبرياء في كل مكان وتساند حكومات ديكتاتورية وتتدخل لتزن الأمور بميزانين في كل الأمور ..
فلماذا نحن مكروهون ونحن لسنا كذلك ؟؟

وإذا كان من الطبيعي أن تساند أمريكا مصالحها فقط وتضع نفسها فوق الجميع وهي تستحق ذلك ، وتشتري بسطوة نفوذها وجبروتها ومالها واقتصادها مواقف العالم كله ..
فلماذا نحن مكروهون ونحن لسنا كذلك ؟؟


الحق أنني في غمرة هذا الشعور المقيت بالهوان والعار الذي أبت نفسي أن تتحمله من هذا التحول الذي رأيناه جميعنا مفاجئاً في مواقف الأخوة الأشقاء المزعومون تجاهنا .. حاولت من جديد أن أعمل عقلي لأفهم فعلاً لماذا يكرهوننا ..

واسترعت انتباهي عدة أمور أود أن أشارككم إياها ..
أننا نعيش أزمة تخبط وانعدام الرؤية المستقبلية في جميع تصرفاتنا ..
دائماً لا توجد خطة .. وتمشي الأمور بالبركة .. وهذا نتاج واضح لتولية أهل الثقة والولاء مكان أهل الخبرة والأكفاء ..
الواضح أننا لا نجيد قراءة المستقبل ولا حتى قراءة الواقع ولا حتى نستطيع قراءة التاريخ وتوابعه المعاصرة ونحن دولة التاريخ الأولى في العالم ..

لا توجد لدينا استراتيجية ولا تكتيك .. ولا نستطيع تقييم الأمور ..
الآن أستطيع أن أقر بخطئي حين اقتنعت با، مصر دولة قوية ومؤثرة .. فالقوة ليست بالقوات العسكرية الهائلة ، ولا بالاقتصاد القوي ، ولا بكثرة عدد الشعب ولا كثرة كفاءاته ..
القوة في إدارة ما لديك من قوة ..

ونحن بكل ما نملكه من قوة لم نستطع إدارتها ليلعب بنا الصغار ويهزأوا بنا دون أن نستطيع ولو لمرة واحدة أن نمارس أدنى قدر من قوتنا عليهم ..

الواقع أن مباراة مصر والجزائر تثبت على نحو مباشر أننا نفقد ولا نفتقد فقط عناصر إدارة القوة بكل المقاييس ..

كنت أتصور أن تختار مصر دولة غير السودان .. دولة تعلم مصر عنها شدة قوتها الأمنية وكفاءتها في إدارة هذه المباراة .. ظللنا نعيش في أوهام التاريخ والأخوة ، وتناسينا مدى ما يكنه الأخوة السودانيين من مرارة تجاه مصر أمهم الأولى وأختهم الكبرى وملجأهم الوحيد ..

هذا شعب يرى عربه أن مصر تساند الانفصال ويرى أفارقته أن مصر تدعم نظام البشير الديكتاتوري .. وهذا أول أثمان الدبلواسية المصرية القائمة على الموائمات دون الحلول أو التدخل القسري ..

هذا شعب يرىأن مصر تحتل جزءاً من أراضيه في حلايب وشلاتين حتى أنه اعتبرها دوائر انتخابية ونحن لم نحرك ساكناً ..

هذا شعب يرى أن مصر في ظل حالة عدم الوفاق مع نظام الترابي استباحت السودان يوم العيد لتضرب التخوم الحدودية بالطائرات قرابة عام 95 ..

هذا شعب يرى أن مصر تؤوي المتمردين عليه من جهة .. ومن جهة أخرى تقسو على اللاجئين فيه ويعيشون فيه أسوأ فترات حياتهم وأقسى ظروفهم ..

هذا شعب يرى أن مصر لا تنظر إليهم إلا كخدم وبوابين .. عنصر أقل ..

بالله عليكم كيف يمكن أن يكون هذا الشعب معنا أو بجوارنا في يوم ما ..

مصر خسرت شعب السودان يوم خلعت يدها من قضايا السودان .. وقامت بدبلوماسيتها البلهاء في لعب دور غير نزيه يتناقض مع أبسط مصالحها القومية والوطنية ..

ولهذا فإن اختيار السودان للمبارة الفاصلة كان إما اختيار جاهل أو متجاهل ؟؟ فأين هذا الشخص وكيف يمكن أن نحاسبه ؟؟؟

كنت أتصور أن مصر بجبروتها وقوتها تدرك مع كل هذا الشحن الرهيب أن المباراة تعدت فكرة الرياضة إلى أفكار أخرى تتمحور حول الكرامة والوطنية ، وكانت تداعيات الأحداث في الجزائر إنذاراً يفهمه كل سفيه فما بالك بالساسة والخبراء ..

كان ينبغي وقتها علينا أن نضع خطة للطوارئ .. خطة يكون فيها المشجعون من القوات الخاصة المصرية .. خطة لتأمين المصالح الحيوية المصرية في السودان .. خطة عسكرية لإجلاء المنتخب ورعايانا إذا ما فزنا .. خطة لإفساد المبارة وعدم استكمالها إذا خرجت عن سيناريوهات اللعب الرياضي النظيف .. خطة على الأقل لتسجيل الانتهاكات التي تعرضنا لها .. خطة لدس عناصر مخابراتية ضمن الصفوف الجزائرية والسودانية .. خطة لاستخدام عناصر تنتمي لنا ونحن نجندها فعلاً في صفوف الجزائرين والسودانيين .. أو على الأقل خطة لتلميع الرئيس القادم جمال مبارك وإظهاره في صورة الخائف على المصريين المحتضن لهم هناك ..

إلا أن كل هذا لم يحدث البتة .. وهكذا تدفع مصر للمرة الثانية ثمن جهلها أوتجاهلها لتغير حقائق الأمور ومعطياتها وتمشي الأمور كالعادة بالبركة .. البركة التي صارت هي الخطة الوحيدة التي يعرفها المسئولون المصريون ..

كنت أتصور أن مصر بما لديها من سطوة إعلامية في المنطقة وبحظوة ثقافية عارمة أن تستغل كل ما لديها لإدارة معركة إعلامية تقوم على الدعاية والحرب النفسية ..

مصر التي نجحت في شن أعتى حملات الدعاية في التاريخ بعد دعاية الحرب العالمية الثانية بشهادة العلماء الكبار في العالم في حقبة الستينات .. فشلت في إدارة معركة إعلامية تافهة .. وصرنا كمن نتكلم في عبنا زي ما بيقولوا .. انكفأنا على أنفسنا وصرنا نكلم بعضنا البعض .. وصارت دعاية الآخر الذي سبق بالهجوم هي الأساس وصرنا في موقف الأضعف الذي يدافع ويهادن .. وفشلنا أن نجند توابعنا في الإعلام العربي والعالمي لشن حملة مضادة وتعاملنا بتسامح ليس من شيم الكبار ولكنه من شيم الجهلاء والمتجاهلون ..

كنت أتصور أن اتحاد الكرة المصري والمجلس القومي للرياضة أن يسجل واقعة تسمم اللاعبين والجهاز الفني المصري في الجزائر ولا تصير الأمر دعابة تسمى بواقعة الكسكسي .. كنت أتصور أن ننهض لنستبق الأمر لدى الفيفا لضمان سلامة المصريين في الجزائر في المباراة الأولى ونطالب بإعادتها بعد هذا الكم الرهيب من الشماريخ والاعتداءات ..
كنت أتصور أن نستقطب الفيفا وزعمائها الذين كانوا عندنا منذ أسبوعين فحسب في كاس العالم للشباب وأشادوا بنا لنسجل سبقاً على الجزائريين .. كنت أتصور أن مواقعنا التي نسعى لها بضراوة في المكتب التنفيذي للفيفا والاتحاد الأفريقي أن تشفع لنا في سعينا لأخذ حقنا .. ولكن هذه المناصب ظهر أنها للسبوبة والتباهي وحسب .. وليس لمصلحة مصر .. هذا فعل الجهلاء والمتجاهلون لا فعل الشرفاء وأصحاب الحق ..

كنت أتصور أن عوامل الضغط والقسر السياسي كما تعلمناها تكمن في القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية .. والتي نتفوق فيها ببراعة على الجزائريين ..
وإذا كان الموقف بعيداً عن القوة العسكرية المباشرة فإن قدراً من القوات الخاصة لم يكن ليعيبنا ..

وإذا كان الأمر مرتبط بالاستثمارات والاقتصاد فأكبر دولة في شمال إفريقيا لديها استثمارات مصرية هي الجزائر .. ولم نلوح بسحب استثماراتنا ، ولم نضع خطة على الأقل لتأمينها مع السلطات العليا في الجزائر ، ولم نستفد من السطوة السياسية المصرية في الجزائر التي تمثلت في إرسال عناصر مصرية لمكافحة الإرهاب في الجزائر لضمان عدم وصول الإسلاميين للحكم في الوقت الذي أوصل فيه الشعب الجزائري هؤلاء الناس بأسلوب ديمقراطي .. وتناسينا وقتها أن الشعوب غير الحكام وأن رضا الحكام والنظام لا يعني بالضرورة رضا الشعب والمحكومين ..

ونعود لنسأل أنفسنا لماذا يكرهوننا ؟؟؟؟

أسباب الكراهية يا سادة ليست التمييز ولا العنصرية ولا الجنون ..
أسباب الكراهية أننا نسينا الشعوب من حولنا ورضينا بالنظم ورضاها الذي لا يعبر إلا عن شخوصها فقط ..
أسباب الكراهية أننا لم يعد لدينا رؤة ولم نعد نستطيع أن نستغل قوتنا ومصادرها وأدواتها ..
اسباب الكراهية أننا صرنا جاهلون أو متجاهلون لكل من حولنا ..

واقتبس مقولة محمود المليجي في فيلم الناصر صلاح الدين عند محاكمة نادية لطفي ..

وهكذا سقطت لويز ..
نعم هكذا سقطنا من حسابات إخوتنا .. هكذا سقطنا أمام أنفسنا .. هكذا ساد الهوان والامتهان .. هنا على أنفسنا فهنا على العالم وأولهم إخوتنا ..

وكان في نفسي كلام لم أقله بعد ..
تقبلوا خالص احترامي وعذراً على الإطالة