ويْ دبيْ!!
قال الحقُّ سبحانه في محكم التنزيل:
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
]سورة القصص: 82].
تتحدث التقارير الاقتصادية عن انهيار جديد أشبه بالخسف في اقتصاد دبي بسبب فقاعة عقارية ضخمة، وأنَّ الأسواق العالمية دخلت في دوامة أخطار جديدة بسبب هذا الانهيار في إمارة دبي.
وقـد كانت هذه الإمارة العربية الصغيرة تسبح في بحـر من أحلام الثــراء الأسطوري، وتتفاخر بأنها بين يدي رفاه اقتصادي غير مسبوق عالميا،
وكانت تتباهى بأنَّ انفتاحها على النظام الرأسمالي الربوي بلا ضوابط، وسماحها بالخمور، والدعارة ـ حتى صارت مضرب المثل على لسان العرب في كثرة ما فيها من العهــر، حتى قال الساخـرون: "إنَّ إقتصادها قائم على قدم وفخـذ"!! ـ وأنَّ إلغاءها كـلّ ما يعكـّر مزاج الباغين معصية ربهّـم، وقبولها بغير قيود لكــلّ دواعي التحلل من شريعة الله هو السرُّ الذي جلب إليها المستثمرون،
ومن شـدَّة الخـوف على أحلامها الاقتصادية المقطوعة الصلة بينها وبين السماء أنَّ يشـوِّش عليها أيُّ هاجس، تشدَّدت في محاربة التوجهات الإسلامية، وبالغت في قطع كلِّ صلة بالدعوة الإسلامية، حتى أُبعـد المدرسون المتديّنـون من التدريس في المدارس، ومنعـت اللحية في بعض الجهـات، وشدِّد على النقاب، وطورد الخطاب الإسلامي، ولوحق الدعاة، ووضعت قائمة طويلة بأسماء الدعاة الممنوعين من دخول البلاد من الوعـّاظ الاجتماعيين، الذين يهربون أصلا ممن له علاقة بمعارضة سياسية في بلادهم، فضلا عن التيار الجهادي!!
وذلك كلـُّه حتى تبقى بعيدة عن كـلِّ (شبهة) قد تزعـج مستثمراً، وخوفاً من أن ينتشر التديـن يومـا مـا، ولو بعد عقـود!!، فيزيح ما يجلب الفجار وأموالهم الحرام من خمور، وعهر.. إلخ.
وكان الذين أوتــوا العلم، والإيمان، يقولون لهـا {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } سورة القصص: 82، فلا يُلتفـت إليهم!!
وقد ضرب الله تعالى مثلا لكـلِّ ذي لب، بما آل إليه أمر الاقتصاد الرأسمالي في عقر داره، وهـم في أوج نشوتهم بثقتهم بعلومهم وعقولهم، أخذه الله تعالى من بينهم باليمين، فقطع منه الوتين، فتهاوى أكثر من 100 بنك في عام واحد، على رأسها أكثر البنوك عراقة في أمريكا، وتزلزت الأرض من تحت آلاف الشركات، وعشرات المؤسسات الاقتصادية الضخمة، ودفع بالملايين من الموظفين، العمال إلى البطالة، والجوع، والفقر،
إنها يد الله تعالى المتصرفة في كلِّ شيء، التي تخفي آياته أحيانا لحكمة الابتلاء،
وقد قال الحق سبحانه{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ } سورة الحج: 48]، وقد قال قبلها: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [سورة الحج: 47].
وبعـد:
ها هي دبي تتهاوي في أزمة لايُدرى أين سيكون منتهاها، وتتوقف مشاريعها الضخمة الحالمة، وتتحول أحلامها إلى كابوس، ولسان حال الذين كانوا معجبين بها يقول{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}
سورة القصص: 82]...
أيتها الدول العربية دعوا عنكـم غرور الشيطان وارجعوا إلى شريعة ربكم، واعملوا بنظام الاقتصاد الإسلامي الذي يعتمد على آية وحديث، وثلاثة أسس:
} وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا] {سورة الطلاق: 2-3]
وقال صلى الله عليه وسلم»: إنَّ روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله] « صححه الألباني[.
الأساس الأول: إغلاق أبواب الربا، وكـلِّ الكسب المحرم إغـلاقا تاما، وأنَّ المباح اليسير خير من الحرام الكثيـر.
الأساس الثاني: ربط الاقتصاد بالإيمان، ومن ذلك وجـوب إخراج الزكاة التي من بركاتها أنها هي التي تستـدر المطـر من السمـاء، وأيضا تشجيع سائر الصدقات، وأنَّ بها يُبارك بالمال فيعود نفعه أعظم أضعافا مضاعفة.
الأساس الثالث: خير الاقتصاد ما كثر المنتفعون به في المجتـمع، واتسعت دائرة العاملين فيه وفوائده على الناس، وخفِّفـت فيه القيود عليهم، ومنع فيه الاحتكار، وطُرد عنه المستغلـُّون وأهل الجشـع.
وإنَّ فيما جرى لدبيِّ لعبرة لمـن يعتبـر، وآية لكل متدبـّر.
والله المستعان وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فلتوكل المتوكـلون.منقول بتصرف...