هو شاب ياباني يُدعى أوساهيرو، هذا الشاب جعل حياته وفترة شبابه مسخرة لخدمة قيمة غالية بالنسبة له وهي اليابان، فبذل واجتهد وضحى من أجلها، يحكي هو عن نفسه فيقول: (كانت حكومتي قد أرسلتني لأدرس أصول الميكانيكا العلمية، كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية أو ما يسمى الموديل، فإذا تعلمت كيف يُصنع؛ وضعتُ يدي على سر هذه الصناعة كلها.
وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع، ووجدت في المعرض محركًا قوة حصانين ثمنه يعادل مرتبي كله، فأخذت الراتب ودفعته وحملت المحرك، وذهبت إلى حجرتي ووضعته على المنضدة، وجعلت أنظر إليه وكأنني أنظر إلى تاج من الجوهر، وقلت لنفسي: هذا هو سر قوة أوروبا، لو استطعت أن أصنع محركًا كهذا لغيَّرت تاريخ اليابان.
رسمت المحرك بعد أن رفعت الغطاء عنه، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة رسمتها على الورق بغاية الدقة وأعطيتها رقمًا، وشيئًا فشيئًا فككته كله، ثم أعدت تركيبه وشغلته فاشتغل؛ فكاد قلبي يقف من الفرح.
استغرقت العملية ثلاثة أيام، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل.
فأتى لي رئيس البعثة بمحرك أصابه العطب وطلب مني أن أصلحه؛ فكلفتني هذه العملية عشرة أيام عرفت أثناءها موضع الخلل، فقد كانت ثلاث قطع من قطع المحرك بالية متآكلة صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد.
ولكي أستطيع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد وصهر النحاس والألومنيوم، بدلًا من أن أُعد رسالة الدكتوراة كما أراد مني أستاذي الألماني، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغرًا إلى جانب عامل صهر المعادن، مع أنني كنت من أسرة ساموراي، قضيت في هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر إلى خمس عشرة ساعة يوميًّا، وبعد انتهاء العمل كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة، ولكنني كنت أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء)[مجلة المجتمع، العدد (998)، نقلًا عن صناعة الهدف، هشام مصطفى عبد العزيز وصويان الهجري وآخرون، ص(202-205)].
تأمل(في هذا الشاب البوذي، الذي يبذل كل ذلك في سبيل اليابان، تأمل قوله: (ولكنني كنت أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء)، وتأمل في مقابل ذلك حال كثير من شباب الإسلام، الذي لا يعبأ بدينه ولا يهتم لأمته؛ تعرف سر تقدم أمم الباطل، وسر ما نحن فيه المسلمين) [لو أن له رجالًا، فريد مناع، ص(104)].
__________________