أسوأ شعور في العالم هو أن يكون لديك القدرة علي الطيران .. و لكن لا يوجد لديك مكان تطير إليه! أنظر حولي .. يوجد لدي الكثير .. لدي إضاءة صناعية عندما تغرب الشمس .. لدي تليفون يطلب أي مكان في العالم .. لدي جيتار ألعب عليه الموسيقي .. لدي أكثر من ألفين ألبوم أغاني أسمعهم .. لدي سيارة تذهب إلي كل مكان .. لدي شهادة جامعية بتقدير جيد جداَ .. لدي مستقبل مهني كبير ينتظرني .. لدي أكثر من 300 قناة تلفزيونية أختار من بينها .. لماذا أشعر هذا الشعور الغريب من الهلوسة الغير سعيدة و كأنني تحت تأثير البنج ..!

لماذا يوجد لدي كل ذلك و لكني عندما أقلب في قائمة أسماء تليفوني للبحث عن شخص أكلمه عندما أشعر بالحزن فلا أجد أحداَ أستطيع أن أطلبه! لا أعلم لماذا لا أجد أحد في كل مرة .. هل لأنهم بعيدون عني أم لأنني انا البعيد عنهم؟ هل انا لا أستحق مثلاَ أن يكون بجانبي شخص ما .. ربما هذا صحيح .. أسمع أغنية فيروز تقول "كان أشرح هالصالون .. كان أوسع هالبلكون .. و حتي إنت يا حبيبي مش كاين هيك تكون" .. أحياناَ نشعر أن الأشياء قد تغيرت .. و لكن الأشياء التي نظن أنها تغيرت من المستحيل أن تتغير .. فالصالون مش هيضيق لوحده يا فيروز .. البلكونة مش هنصحي نلاقيها وسعت في مرة .. بس انا فاهم إنتي قصدك إيه .. إحنا اللي بنتغير .. لم نعد بنفس البراءة التي كنا عليها .. في الماضي كانت الحدائق أكثر خضرة .. و نسمات الهواء أكثر إنعاشاَ .. و زقزقة العصافير أكثر تناغماَ .. و الحقيقة أن إخضرار الحدائق لم يتغير و لم تغير العصافير اللحن الذي تزقزق عليه كما أن بلكونة فيروز لم يحدث لها أي تغيير في المساحة كما تظن هي .. ما تغير هو كيف نري الأشياء .. و كيف نتذوقها ..

أتمني أن تري عيوني الأشياء بشكل أفضل و لكن .. لا أستطيع .. أحياناَ هناك أشياء غير قابلة لأن يحل محلها شئ أخر .. إذا كانت موجودة فمهما كان ما ينقصك لن تشعر بعدم وجوده .. و إذا كانت غير موجودة فمهما كان ما لديك فهو ليس كفاية! لماذا لدي هذا الشعور بأنه لم يعد هناك أي شئ ممتع علي الإطلاق ! في الماضي كنت أظل في السرير لا أستطيع النوم حتي يأتي الغد لأفعل الكثير من الأشياء .. اليوم أصحو و أغلق المنبه في قمة القرف و كأني مش عايز أصحي ثم أعود للنوم! ما الذي حدث .. هناك شئ ما مسروق مني .. أو هناك شئ ما لم أجده و لم يكن لدي يوم ما ..

مش عارف .. لماذا فقدت الأشياء بريقها و الأحلام رونقها و كأن لا شئ يهم ! العالم ليس بهذا السوء .. ما زلت أبحث في قائمة الأسماء لدي .. أكيد فيه حد .. مفيش! ربما إذا قدت السيارة لبعض الوقت أشعر ببعض التحسن .. الكيلو رقم 500 .. و ما زلت أشعر بهذا الثقل في صدري .. 6 ساعات من القيادة لم تسعفني .. ذهبت إلي محافظات أخري و مررت بأماكن أصغر من أن يكون لها أسماء و أوقفني كمين شرطة يتسلي عليا .. أمامي طريق طويل مظلم لأننا في منتصف الليل و انا وحدي تماماَ علي الطريق..

وصلت إلي البحر في قمة الظلام ..لا يوجد قمر و البحر يبدو كحفرة كبيرة لا يوجد لها نهاية في الأفق و لا يوجد بها شئ و لكني أسمع صوت الأمواج .. سأعود للطريق .. ظلام تام فأنا وحدي علي الطريق .. الظلام من كل الإتجاهات لدرجة الشعور بأنك ثابت في مكانك و الظلام هو الذي يتحرك .. و علي وشك إلتهامك! لتصبح جزء من .. اللاشئ .. الظلام .. بعض الناس قد ولدوا ليشعروا بذلك طوال حياتهم .. أظن أنني منهم .. سأعود للبيت و أنام .. أنظر للتليفون مرة أخري.. لم يتصل أحداَ .. الساعة 3 إلا ربع صباحاَ 25 ديسمبر .. إنهاردة عيد ميلادي .. !