قرأت فى الأهرام فى صفحة بريد الجمعة .... رسالة قد تكون لها علاقة بالموضوع ... فقلت أنقلها هنا:
بـريــد الأهــرام
44216السنة 132-العدد2007ديسمبر2819 من ذى الحجة 1428 هـالجمعة
المتدينـون الجـدد
{ أكتب إليك بعد أن أوجعت قلبي رسالة حدث في المترو للشاب المصري الذي شاهد تلك المشاجرة المؤسفة والمخزية بين اثنين من المتدينين الجدد في هذه الأيام.
نعم ياسيدي هذا هو الدين الجديد, علو الصوت بالقرآن, وتراتيل الإنجيل, والموسيقي المنبعثة من الهواتف المحمولة في المواصلات, وإكراه الناس علي الاستماع مع فقد القدرة علي حسن التلاوة أو الترتيل أو الذوق, وعدم توقير العجائز ذوي الحاجات أو النساء من المسلمين أو المسيحيين. أفراد هذا الدين لا يعرفون شيئا عن دياناتهم الأصلية, لكنهم يجيدون التظاهر بأنهم أئمة وقسيسون, ودعني أكمل لك رواية هذا الشاب بما أوجع قلبي أنا الآخر في المترو نفسه.
أنا ياسيدي شاب علي مشارف الثلاثين من العمر, أعمل في مجال تقني محترم, أبي كان من رجال الأزهر الشريف ومن حملة القرآن الكريم, تربيت وتعلمت وتخرجت في الأزهر الشريف. نشأت في وسط لا يعرف التفرقة بين المسلم والمسيحي, وكان ولايزال لي أصدقاء معارف وجيران من المسيحيين, مازلت أذكر جارنا الأستاذ ميلاد صاحب المطعم الملاصق لمنزل جدي بمصر الجديدة, الذي صدمت عندما علمت بنبأ وفاته, وما كانت تحكيه جدتي لي عن شهامة هذا الرجل كان عمال مطعم الأستاذ ميلاد كلهم من المسلمين.
مازلت أذكر بعض التجار والموردين ممن شاءت لي الأقدار التعامل معهم, وكيف كان يرد مبالغ زائدة كانت تصل إليه عن طريق الخطأ من شركتنا, وأذكر فيه قوله الله تعالي: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك.
ثم شاءت الأقدار أن ألتحق بالعمل بإحدي الشركات وكان مقر الشركة علي بعد خطوات من إحدي محطات المترو, لذلك قررت أن يكون المترو هو وسيلة المواصلات اليومية من وإلي العمل, مما أتاح لي الفرصة وللأسف الشديد لمشاهدة بل والمشاركة في العديد من المواقف التي أصابتني بالقلق, بل والخوف علي و طني, وإليك بعض مما رأيت بعيني في عربات المترو وبعض باصات النقل العام التي كنت ومازلت أعتقد أنها تصلح نموذجا قياسيا لأي باحث يريد مراقبة التغير السلبي في سلوك المصريين تجاه الدين والعقيدة, الذي أصبح في اعتقادي مجرد قشرة خارجية أو صدفة يتقوقعون داخلها تحت ضغوط الحياة المتزايدة وفشل حكوماتهم المتتالية في توفير حياة كريمة تليق بهم وكذلك تجاه تعامل الأفراد مع بعضهم بعضا وأخلاقياتهم وضياع قيم جميلة سادت مجتمعنا من قبل:
ـ سيدة مسيحية تصعد إلي المترو وتجلس بجوار شاب صغير كان يمسك مصحفا يتلو منه القرآن بصوت خفيض. وفجأة بعد جلوسها بجواره ارتفع صوته بالتلاوة بالآيات73 من سورة المائدة لقد كفر الذين قالوا وما بعدها, لقد ألجم الموقف لساني وأنا أرمق السيدة التي أطرقت برأسها إلي الأرض, وأخذت أنظر إلي ذلك الشاب عديم الفهم الذي ظن فجأة أن الله ابتعثه لينذر ويبشر في وسيلة مواصلات عامة.
ـ شيخ كبير ومعمم يصعد إلي المترو المزدحم عن آخره ولا يقف أحد من الشباب الذين يحتلون معظم مقاعد المترو ـ وكثير منهم ملتحون ـ ليجلسه مكانه. كنت أنا منشغلا بالقراءة, ولولا أنني رفعت نظري وشاهدته يجاهد للوقوف بين الزحام ما أجلسه أحد.
ـ شاب يقف أمام كرسي في المترو يتلو القرآن بصوت فج مرتفع وتلاوته مليئة بأخطاء قاتلة جعلتني اضغط علي أسناني كلما اصطدم خطأ منها بأذني.
لم أذكر لك سيدي هذه الأمثلة لافتخر بعملي فهو بيني وبين ربي, ولكن لأنني أصبحت في هذه الأيام أحس بأنني أنا وأمثالي هم الشواذ عن القاعدة, أحس بأن كل عمل من مثل هذه الأعمال يقابل إما بنظرات ريبة ممن أقدمه لهم أو بنظرات استهجان من المحيطين, ولكي يعلم الشاب المسيحي أن هناك من المسلمين من يحترم كونه مصريا بغض النظر عن ديانته ويفترض فيه حسن النية بدلا من التربص, من يشعر مثله بأن هذا الوطن ليس حكرا علي المسلمين, ويبغض دعوات الفرقة الطائفية بيننا وحرمان غير المسلمين من أبسط حقوقهم التي كفلها لهم الإسلام نفسه. من ينأي بنفسه أن يعرض علي الله عز وجل يوم القيامة, وقد ظلم أحدا من أهل الكتاب فقط لأنه علي غير دينه. من يعاني مثله, مما يري طرأ علي سلوكياتنا وترابطنا من تغير سلبي يصيبني.. وأقسم بالله علي هذا.. بالرعب علي مستقبل بلادي وأهلي إذا ما استمررنا في الانحدار. من يعلم أن هناك من المسيحيين في هذا الوطن من هو مثله يخاف علي الوطن من ان تدب الفرقة بين ابنائه وتأكلهم نيران الحروب الطائفية. من لا يريد لمصر أن تكون لبنان الجديدة.
لقد تغيرت أخلاق المصريين إلي الأسوأ, نعم لقد تغيرت فينا اشياء كثيرة جميلة اصبحت معها أحس بالغربة كل يوم. التربية الصحيحة لأبناء هذا الوطن شبه مفقودة, والشباب تائه وعاطل, شباب تلقي مناهج تعليمية مبتورة مشوهة تكرس الفرقة وحرم من تعلم دينه كما ينبغي. شباب لا يجد متنفسا لرغبته وطاقاته إلا في الدين فيندفع إليه عله يجد فيه الملاذ فيتلقفه جهلاء الناس ممن يدعون العلم فيحولونه إلي مسخ مسلم أو مسخ مسيحي لا يجيد التفاهم إلا بالصوت العالي.
مازال منظر التسابق في بناء الكنائس والمساجد التي تشبه القلاع علي الطريق الدائري يصيبني بالغم وكأن المصريين فاضت أموالهم وانقضت مشكلاتهم فأصبحوا ينفقون ملايينهم علي دور العبادة من مساجد وكنائس تظل معظم الوقت خالية تشكو حالها إلي الله بينما تتوسط مناطق يقتلها الفقر ويقطن معظم سكانها في عشش خشبية.
مازلت أومن بأن مصر واحدة وأننا إما ان نعيش كما كنا في السابق إخوة في الوطن وجيران وأهل شارع وحي واحد, وإما الهلاك بعد أن تدب الفرقة بيننا ويتمكن منا عدونا.
مازلت أدعو الله أن يجعل هذا البلد آمنا وألا يمكن منا عدونا وأن تفيق حكومتنا من سباتها وتعمل علي تحسين حال مواطنيها الذين اصبحوا ينفسون عن أنفسهم بالتشاجر في الشوارع والمواصلات حتي المساجد والكنائس.
هذا ياسيدي بعض من كل ما يجيش في صدري.
****************************
و هذا كان رد المحرر ...... بصراحة عجبنى
.. ومصر للجميع
لأن الفتنة نار تخرج من أفواة الجاهلين وليس جهلا بدين ـ إسلامي أو مسيحي ـ وإنما جهل, بمعني ومغزي الوطن مصر.. مصر التي تشربت بدماء ودموع أبنائها ـ مسلمون ومسيحيون ـ ولم تفرق يوما أرضها وهي تنبت حبا وخيرا كثيرا بأي ديانة يدين المصري الذي روي أرضه بعرقه وحلمه.
رسالة الأسبوع الماضي حدث في المترو نكأت جرحا في قلب الكثير من المصريين, فجرت في داخلهم ثورة المحبة, والإحساس الحقيقي بالخطر, فالأخطاء الصغيرة التي يرتكبها صغار, تكاد تشعل دفء الوطن وتحيله إلي حرائق, لن يدفع ثمنها أحد غير أبناء الوطن الواحد.
ولأن الكلام في هذه القضية ـ قضية الوطن والمواطن, المواطن المسيحي والمسلم, و أبناء مصر ـ يشبه تماما من يتحدث وفي فمه أشواك, توقفت أمام العديد من الرسائل التي وصلتني, رسائل محبة تشيع أملا, تطرح أفكارا, رسائل تستعيد وتعيد من الذاكرة صورا جميلة للمحبة والتواصل.. رسائل ترصد وتتأسي لما آل إليه حالنا.. ورسائل نحيتها جانبا, فقد سئمنا وجهة النظر الضيقة, التي تتصدر أوقات المحن التي تتحدث عن حقوق ضائعة للمسيحيين, عن وظائف لم يحصلوا عليها وكنائس لم تبن.. وجهة نظر تريد أن تفرط في حقوق المسيحيين كمواطنين مصريين لهم كل الحقوق, فإذا ضاع بعضها لأسباب ـ قد تكون مرفوضة ـ فهذا يجب ألا يناقش إلا من زاوية المواطن ـ لا المسيحي ـ الذي يبحث عن حقه.. وعليه أن يترك هذه القضايا لأولي الأمر منهم, فهم أجدر بمناقشتها بعيدا عنا كمواطنين نعيش سواسية في مصر.
وتقابلها وجهة نظر متشددة ممن يعتقدون أنهم يحسنون إلي دينهم, فيما هم يسيئون إليه كل يوم بتصرفاتهم وسلوكياتهم التي لم يأمر بها قرآننا الكريم ولا رسولنا عليه الصلاة والسلام, هؤلاء الذين راحوا يعددون أوجه سيطرة المسيحيين علي رأس المال, وتعمدهم استبعاد المسلمين من أي وظيفة يمكنهم منحها لشاب مسيحي, وغيرها من الأقوال المرسلة التي لا تستند إلي معلومات ولا إلي منطق, وحدوثها من بعض ضعاف الوطنية, لا يعني ابدا التعامل علي أنها قاعدة.
دعونا مما يفرق وهو قليل, لنذهب إلي ما يجمعنا وهو كثير.. فمصر المحبة, الآمنة, المحفوظة, تتسع للجميع.
المحــــــــرر
المفضلات