تجهت أنظار اليابانيين الي أكيو تويودا رئيس مجلس إدارة شركة تويوتا للسيارات‏,‏ عندما كان يتوجه باعتذاره الي الشعب الأمريكي في‏24‏ فبراير الماضي‏,‏ علي خلفية قيام شركته باستدعاء ملايين من السيارات لاكتشاف عيوب فنية بها‏.



تركيز كل العيون اليابانية علي تويودا‏,‏ رئيس أكبر شركة للسيارات في العالم من حيث المبيعات‏,‏ لم يكن راجعا فقط الي الانتقادات العنيفة واللاذعة التي تعرض لها طوال الفترة الماضية من وسائل الإعلام الأمريكية بسبب سلسلة عمليات الاستدعاء‏,‏ التي لطخت اسم وسمعة شركته التي كانت حتي وقت قريب معروفة عالميا بالاهتمام بالجودة‏,‏ وانما أيضا بسبب ان انهيار سمعة ومصداقية عملاق السيارات الياباني من شأنه احداث هزة عنيفة للاقتصاد الياباني والشركات اليابانية الكبري التي اكتسبت شهرتها العالمية نتيجة مااشتهرت به من جودة واتقان تحت شعار صنع في اليابان‏.‏ سمعة تويوتا تلقت أيضا صدمة اضافية مؤخرا نتيجة افشاء مضمون أحد التقارير الداخلية للشركة الذي كشف عن أن بعض موظفيها نجحوا في توفير أكثر من‏100‏ مليون دولار نتيجة ممارستهم ضغوطا علي السلطات الأمريكية المعنية من أجل غض النظر عن استرجاع عدد كبير من سيارات كامري ولكزس كان بها عيوب فنية ينبغي اصلاحها‏.‏
تويودا‏,‏ حفيد مؤسس الشركة ومالك‏2‏ في المائة من أسهمها‏,‏ كان عليه أن يخوض معركة مصيرية من أجل استعادة سمعة شركته‏,‏ التي تبخرت في أشهر قليلة‏,‏ رغم أنها تكونت واشتد عودها عبر أكثر من سبعين عاما من العمل المتواصل والمباديء التي تقوم علي التطوير المستمر‏(‏كايزن‏)‏ واصلاح العيوب مهما تكن صغيرة‏.‏
وكان بداية هذه المعركة هو الاستجابة‏,‏ بعد طول تردد‏,‏ للمثول أمام الكونجرس الأمريكي لاستعادة ثقة المستهلك الأمريكي‏.‏ حيث اعترف تويودا أمام الرأي العام الأمريكي بأن شركته ربما كانت متسرعة في زيادة انتاجها الخارجي في السنوات الأخيرة‏,‏ خاصة في الولايات المتحدة والصين‏,‏ وهو ماأثر سلبيا علي سلامة وجودة منتجاتها كما عبر عن قناعته بأن شركته قد تأخرت في التعامل مع السيارات المعيبة وتجاهلت شكاوي المستهلكين‏.‏
وتعهد تويودا في معركته باسترجاع كل السيارات التي يظهر بها أي عيوب وتطبيق كل الاجراءات اللازمة لتحسين الجودة والسلامة‏,‏ عن طريق انشاء مركز أمريكي جديد للسلامة‏,‏ وفرض اجراء اختبارات لقيادة السيارات الجديدة‏,‏ وهو ماسيتكلف‏2‏ بليون دولار تقريبا‏.‏
فرص محدودة للنجاح
ويؤكد عدد من المراقبين أن معركة تويودا‏,‏ التي سيكون لها أثر جوهري في تحديد مصير الامبراطورية التي أسسها جده قبل‏70‏ عاما‏,‏ لن تنجح في استعادة الثقة في سيارات تويوتا اذا فشلت في توضيح السبب الرئيسي لحالات التسارع غير المقصود في بعض موديلاتها منذ عام‏2002,‏ والتي تسببت في وفاة أكثر من‏30‏ شخصا في الولايات المتحدة‏,‏ حيث توجد شكوك قوية حول السبب الحقيقي وراء هذه الحوادث‏,‏ وهو التدخل الكهرومغناطيسي لنظام التحكم الالكتروني في الصمامات المعروف اختصارا بالحروف‏(‏ آي تي سي‏)‏ وليس في دواسات البنزين أو الفرامل كما يدعي خبراء تويوتا‏.‏
كما أن فرص انتصار تويودا في هذه المعركة ستكون محدودة أيضا لأن التوسع الخارجي السريع في الانتاج في الدول الأخري ذات الثقافات المختلفة‏,‏ يضع ضغوطا علي قدرة أي شركة لضمان سلامة وجودة منتجاتها عن طريق نقل المعرفة الفنية والتكنولوجية دون اعداد الكوادر البشرية المؤهلة لاستخدامها والقادرة علي استيعاب الثقافة اليابانية‏.‏
ومن ناحية ثانية تأتي معركة تويودا لانقاذ سمعة شركته أيضا في وقت يفتقر فيه الي الغطاء السياسي اللازم لتحقيق الانتصار في هذه المعركة فمن جهة يوجد توتر سياسي شديد ومعلن بين الحكومة اليابانية الجديدة‏,‏ بزعامة يوكيو هاتوياما‏,‏ وادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول نقل قاعدة فوتنما العسكرية التابعة لقوات المارينز الأمريكية والموجودة في جزيرة أوكيناوا اليابانية‏,‏ حيث تعهد هاتوياما بنقل هذه القاعدة الي خارج الجزيرة لتخفيف العبء الناجم عن وجودها علي أهالي الجزيرة المأهولة بالسكان‏,‏ بينما تصر واشنطن علي ضرورة نقلها الي موقع آخر داخل الجزيرة لأهميتها الاستراتيجية القصوي في الدفاع عن تايوان اذا مادخلت في مواجهة عسكرية مع الصين‏.‏
ومن جهة أخري‏,‏ ورغم أن شركة تويوتا حافظت بذكاء علي علاقاتها الوطيدة مع كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري طوال السنوات الأخيرة عن طريق انتاج وتصنيع سيارات صديقة للبيئة في ولايات أمريكية ذات أغلبية جمهورية مما أدي الي توليد فرص عمل جديدة‏,‏ الا أن علاقة الشركة الطيبة مع الحزب الديمقراطي تدهورت بشدة مؤخرا نتيجة قيامها باغلاق أحد مصانعها في ولاية فيرمونت الأمريكية مما أدي الي فقدان‏5400‏ شخص لوفاتهم وتدهور أعمال أكثر من‏100‏ شركة أمريكية‏,‏ كانت تتعامل مع هذا المصنع‏,‏ الذي يقع علي الشاطيء المقابل لمنزل نانسي بيلوسي‏,‏ عضو الحزب الديمقراطي ورئيسة مجلس النواب الأمريكي‏,‏ في قاعدتها الانتخابية بسان فرانسيسكو‏.‏
هذا الي جانب استحالة وقوف اي سياسي في الولايات المتحدة‏,‏ سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين الي جانب شركة تويوتا للدفاع عنها بعد وفاة أربعة اشخاص في حادث طريق نتيجة عيب فني في سيارة تويوتا‏(‏ لكزس اي اس‏350)‏ مؤخرا‏,‏ خاصة أن البلاد مقبلة علي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في الخريف المقبل‏.‏
خلاصة القول أن شركة تويوتا يبدو أن أمامها وقت طويل لاستعادة ثقة المستهلكين الذين اصطدمت توقعاتهم الخاصة بسلامة وجود سياراتها بحائط ضخم‏,‏ وسوف تكشف الأيام المقبلة عما اذا كانت اعتذارات رئيسها ودموعه أمام الشعب الأمريكي سوف ينجحان في الانتصار في معركة تفتقر الي الغطاء السياسي اللازم للانتصار فيها‏.‏
وستؤثر نتيجة معركة تويودا ليس فقط علي مستقبل أكبر شركة سيارات في العالم والامبراطورية التي كونها جده قبل‏70‏ عاما‏,‏ وانما أيضا ستؤثر علي سمعة المنتجات اليابانية وثقة الناس فيها وبالتالي ستؤثر علي مستقبل الاقتصاد الياباني بشكل عام لاعتماده بدرجة كبيرة علي الصادرات الي الخارج‏.‏

نقلا عن جريدة الأهرام
رسالة طوكيو د‏.‏أحمد قنديل