-
أحلق شنبي بأمر شلبي!!
قلت لك من قبل إن الإنسان عندما يفسد في جيناته وكرات دمه ووجدانه وعندما يظلم قلبه وعقله فإنك تشهد العجب العجاب.. ستري هذا الإنسان يزداد فسادا بالوسائل التي ينبغي أن يصبح بها صالحا.. ويزداد اعوجاجا بالأدوات التي يراد تقويمه بها.. بل إنك إذا أردت تقويمه كسرته مثل الضلع الأعوج الذي خلقت منه المرأة.. يعني إيه؟.
يعني أن هذا الإنسان يظلم بوسائل العدل.. ويمارس القبح بوسائل الجمال.. ويعطي الحقوق للمرأة بظلم الرجل.. يعني أن الحكم الذي يشاع عنه أنه أهلاوي أو زملكاوي يظلم الأهلي أو الزمالك ليقال إنه حكم نزيه وعادل.. فالعدل عند الإنسان الفاسد هو أن يظلم طرفا لحساب آخر.. يظلم من يحبه لصالح من يكرهه لأنه يود أن يقال إنه نزيه وعادل.. يتحامل علي القوي لصالح الضعيف ليقال إنه عادل.. يمسح بالغني الأرض من أجل الفقير ليمدح الناس عدله ونزاهته.. والإنسان الفاسد لا يخاف في الباطل لومة لائم حتي أنه لا يتورع عن أن يفسد باسم الله وباسم الدين وباستخدام نصوص القرآن والإنجيل.. يفسد بالقانون وبالتشريعات التي تصدر لإقامة العدل فإذا بها تتحول إلي سيوف للظلم في أيدي الفسدة.
عندما "يبوظ" الإنسان في أعماقه ويحل الخراب بوجدانه وتتحول شرايينه وأوردته إلي مواسير للمجاري فقل علي الدنيا السلام.. سيصبح الحديث عن الإصلاح والاستقامة عبثا ورفثا وفسوقا وعصيانا وستصبح كل المعاني والنظريات الجميلة والراقية زبالة في مقلب اسمه الإنسان.. كل شيء يبدو قبيحا يتحول إلي أمر جميل لدي الإنسان الصالح.. فهو عادل إذا حكم.. ونبيل إذا حزن.. وراق إذا غضب.. وكل شيء جميل يتحول إلي أمر قبيح لدي الإنسان الفاسد.. فهو هاتك للأعراض إذا أحب.. وهو مهلك للحرث والنسل إذا حكم وتولي أمرا.. وهو كاذب إذا كتب أو قال.. وهو بلطجي إذا مارس الرياضة.. وهو ظالم إذا طبق القانون.. وهو مخادع ومنافق إذا صلي وصام وزكي وحج.. وهو حرامي بالحلال.. وهؤلاء هم الذين قال عنهم ربنا - عز وجل - في كتابه العزيز: "ألم تر إلي الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار".. صدق الله العظيم.. فإذا فسد المرء في أعماقه تحولت النعمة في يديه إلي كفر ونقمة.. تتحول القوة عنده إلي بلطجة.. وتتحول السلطة والولاية إلي كارثة ويتحول المال إلي مأساة.. ويتحول العلم إلي خطايا ومصائب.. ويتحول القانون إلي إهلاك وظلم ويتحول الدين إلي وسيلة للغش والخداع والضحك علي الذقون.. وهذا الذي يفسد بوسائل الإصلاح لا يحل نفسه فقط دار البوار وإنما يحل قومه ووطنه دار البوار ويوردهم المهالك.. وهؤلاء الفسدة هم المترفون الذين كثرهم الله في القرية ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرها الله تدميرا.
وهؤلاء المترفون هم الذين فسدت أعماقهم وعندما سكتنا لهم دخلوا بحمارهم.. فأصبح علمنا عندهم ومالنا في حوزتهم وديننا في أيديهم وأقلامهم وأفواههم وقضايانا المصيرية في قراراتهم وقوانينهم.. غضب الله علينا فجعلهم سادة ونخبة ومسموعي الكلمة.. جعلهم الله قضاة وإعلاميين وساسة ووزراء وموالاة ومعارضة ونوابا ومديرين فنيين ومنسقين لكرة القدم ومحللين رياضيين ودعاة ومفتين ووعاظا وأطباء ومثقفين ومبدعين وصحفيين وأبطالا رياضيين وفنانين.
يمكنك بكل بساطة أن تقول "لا جدوي" عندما يفسد الإنسان من الداخل.. سنكتفي بأن تكون الصورة حلوة والمضمون "زي الزفت".. سنكتفي بأن تكون قشرة الثمرة لامعة براقة ولبابها فاسد "ومعفن".. وهذا بالضبط ما بلغته الأمة العربية.. كل شيء علي السطح يبدو براقا ونظيفا ولامعا.. لكن الأعماق والمضامين خربة والرائحة في الداخل كريهة.. تماما كما يحدث في القمم العربية.. تري وتسمع القادة يكادون يبكون وهم يخطبون ويتحدثون عن سفالة إسرائيل وعن العجز العربي وعن التحرك لإنقاذ القدس فإذا أطفئت الأنوار واسدل الستار وانتهت المسرحية رجع هؤلاء إلي ما هم فيه من سلطة وسخرية من الأمة وعلاقات زي العسل مع إسرائيل وأمريكا.
........
واعلم هداني وهداك الله- أن هناك قاعدة ذهبية إذا اتبعتها فسوف تدلك علي مذهبي في فساد الإنسان العربي من الداخل.. وهذه القاعدة هي أن جنازتنا تكون حارة عندما يكون ميتنا كلبا وأن جنازتنا تكون باردة عندما يكون ميتنا المسجد الأقصي أو المسجد الحرام أو كنيسة القيامة وأن ضياع ثلاث نقاط من الأهلي أو الزمالك أو الهلال أو الاتحاد السعوديين أو العين أو الوحدة الإماراتيين كارثة يموت العربي فيها بالسكتة الدماغية.. لكن ضياع الأقصي أو العراق أو تقسيم السودان أمر لا تنتطح من أجله عنزتان أو شاتان.. وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.. فأنا شعرة في ذيل الفأر العربي.
اعلم- هداني الله وإياك- أن القاعدة الذهبية التي تدلك علي فساد الإنسان العربي في جيناته وكرات دمه تقول إننا قوم يسهل حشدنا وتعبئتنا وسوقنا سوق الغنم إذا تعلق الحشد بأمور تافهة وحقيرة ولكنك تؤذن في مالطا وفي القطب الشمالي والقطب الجنوبي حتي تتمزق حنجرتك وتفرقع رئتاك دون أن تنجح في حشد عشرة من أجل قضايا كارثية مثل هدم الأقصي أو حتي هدم المسجد الحرام.. من السهل تحريض جماهير الأهلي والزمالك والإسماعيلي علي إشعال الحرائق من أجل مباراة يقال لها مباراة قمة.. لكن من المستحيل تحريض الجماهير علي مجرد الغضب من أجل ضياع وانهيار الأمة.. القاعدة الراسخة أن المرء عندما يفسد في أعماقه يكون الإجماع علي باطل ويكون الحشد علي السفاسف.. فأنا مستعد في حالة فسادي أن أحلق "شنبي" إذا أمرني بذلك "مدحت شلبي".. لكنني سأتحول إلي رمة وجثة بلا همة وكيان بلا ذمة إذا تعلق الأمر بمصير الأمة.
اعلم- هداني الله وإياك- أن الفساد بلغ الحلقوم وأنتم من هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون جامدون خامدون.. وأن أبناء هذه الأمة أصبحوا "دون الدون".. اعلم أن فساد الأعماق الذي نخر العظم وتجاوز البشرة واللحم صار سرطانا ليس لنا سبيل لإيقافه ومنع انتشاره وأن أماراته وعلاماته مثل علامات الساعة ومنها أن يصبح اللعب جدا وأن يصبح الجد لعبا.. فنحن مستعدون لدخول الحرب من أجل مباراة بين مصر والجزائر ويقودنا في الحرب مدحت شلبي ومصطفي عبده وخالد الغندور وإبراهيم حسن وعدلي القيعي وروراوة ونقول إنها حرب مقدسة من أجل كرامة الوطن لكننا "مالناش دعوة وعايزين ناكل عيش ونربي عيالنا" إذا أريد حشدنا لإنقاذ الأقصي.. نحن جادون في الهزل واللعب.. ولاعبون هازلون في الجد.
عندما يفسد الإنسان حتي نخاعه يتحول النادي الأهلي أو نادي الزمالك إلي وطن بديل للوطن له نشيد وطني وله رموز يعتبر خائنا من يمسها أو ينتقدها.. ويتحول الإخوان والمسيحيون والسنة والشيعة إلي أوطان بديلة.. ويلطم الناس الخدود ويشقون الجيوب ويتخلقون بأخلاق الجاهلية في جنازة حارة من أجل كلب ميت.
عندما يفسد الإنسان في عظمه ونخاعه وكرات دمه تري وتسمع جعجعة ولا تجد أثرا لطحن فنحن نقول إن الدوري الكروي المصري والدوري الكروي السعودي هما الأقوي في المنطقة وفي آسيا وإفريقيا لكنها قوة الفضاء والإعلام والتحليل والتعليل والمعارك الكلامية والكلابية.. أما في الملاعب فضعف ومهازل وهوان ولا عبون عجزة ومباريات لا تساوي جناح بعوضة إذا قورنت بما يحدث في ملاعب العالم.. وعندما يفسد الناس كما حدث للعرب تصبح الغلبة والقوة للكلام لا للأفعال.. للأداء اللساني لا للأداء الفكري.. وتطغي نجومية شلبي وعبده وحسام والغندور علي نجومية أي لاعب في الملعب.. وتري حسام البدري لا يدري.. وتري إبراهيم وحسام قنابل من السخام.. وتراني أحلق شنبي بأمر وتوجيه من مدحت شلبي.. وأشيل الطين مع محمد حسام الدين وأعيش الدور مع الغندور.
........
عندما تخرب ونقعد علي تلها "ونجيب ضلفها" يفسد الناس بكل شيء.. يفسدون في الصلاة والصوم والقداس ويفسدون بكرة القدم وبالرياضة وبالسياسية والاقتصاد والقانون.. يتحول الجميع إلي بلطجية "وبتوع كارتة" في مواقف الميكروباص.. ويتاجر الناس في الشرف والأعراض والقيم ويتكلمون كالملائكة ويتصرفون كالشياطين.. ساعتها تنظر حولك وتبحث في دفاترك فلا تجد أي حل سوي أن تقع كارثة مروعة تؤدي إلي ما يسميه أهل الفن والسيناريو "قطع".. يعني فجأة وبكارثة مدوية يحدث فصل بين الأجيال.. وينشأ جيل "من الأول".. ليس له سلف يقتدي به أو يرث أخلاقه.. تماما كما حدث مع أقوام الأنبياء.. فقد قال الله تعالي لنوح: "إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن".. يعني "جابت آخرها" وآن أوان الكارثة ليحدث القطع والفصل.. وحدث هذا لقوم لوط عندما راح يؤذن في مالطا بلا جدوي ويقول: "أليس منكم رجل رشيد"؟.. فقد بلغ قوم لوط من الفساد نفس ما بلغه قومنا حتي إنهم راودوه عن ضيفه وعندما عرض عليهم بناته قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق.. يعني بنات لوط لسن من حقهم.. لكن إتيان الضيوف الرجال من حقهم.. يعني عمي كامل.. لذلك رأوا الحق باطلا والباطل حقا فجعل الله عالي قرية سدوم سافلها.
نفس السيناريو.. نفس مشاهد آخر الزمان.. آخر المطاف.. نفس الوضع يحدث الآن.. الناس في أمتي يهرعون ويزفون ويحتشدون ويتقاتلون وينقادون لأهل كرة الجزم من أجل ثلاث نقاط أو درع الدوري أو حاجات البطون والفروج وليس منهم رجل رشيد ولا امرأة رشيدة.. ويرون التفاهة والسفاسف حقا.. ويرون الحق تفاهة وكلاما فارغا.. نفس النداهة التي ندهت قوم لوط إلي مصيرهم الأسود بالصيحة.. هي التي "تنده" قومنا العرب إلي القارعة.. نفس طبيعة قوم لوط.. إجماع علي نجاسة وقذارة ودونية وباطل وكفر.. وانفضاض وتفرق من حول الحق والجدية والقيم.. نفس "الوش المكشوف" والعزة بالإثم وموت الحياء والزهو بالهوان والسفالة.. نفس البلطجة باسم الرياضة والسياسة والقانون والبيزنس.. لعمرك إنهم في غيبوبتهم يمرحون.. نفس تعريف قوم لوط لحقوق الإنسان والاستنارة والحرية والديمقراطية.. المثلية من حقوق الإنسان.. وجنس هبة قطب "والولية الأخري" المنتقبة التي لا أذكر اسمها من التنوير والدعوة إلي الدين.. وفوضي فضاء الرياضة وبلطجة إبراهيم حسن وسباب حسام البدري للاعبين علي الهواء من حرية التعبير والديمقراطية وأصول الإدارة الفنية.. نفس طبيعة قوم لوط.. تدعوهم إلي الضلالة فيحتشدون خلفك ويهتفون لك.. وتدعوهم إلي الإفاقة والهدي فينفضون من حولك ويبصقون عليك.
........
والفتنة لن تصيب الذين ظلموا خاصة "ستأخذنا في رجليها".. ستصيب المظلومين أولا لأنهم صنعوا ظالميهم بالغفلة والهوان.. ولأنهم صنعوا فاسديهم بالتصفيق لهم ولأنهم جعلوا صراصير المجاري نجوما وقدوات.. المظلومون هم أدوات الظالمين.. وهم المعاول التي يستخدمها الخونة والفسقة والفسدة والصهاينة العرب في هدم الأقصي وقريبا في هدم المسجد الحرام.. وسيتم هدم هذه الأمة طوبة طوبة وأهلها مشغولون بمتابعة مباراة القمة بين الأهلي والزمالك أو بين مصر والجزائر.. ومنهمكون في عد النقاط والاستعداد للاحتفال بدرع الدوري.. وبمتابعة برنامج مدحت شلبي أو مصطفي عبده أو خالد الغندور أو محمد الليثي.. وبالمؤتمر الصحفي لإبراهيم حسن في موقف عربيات حلوان.. وبقميص حسام البدري المترهل والواسع عليه وبمحاولة صناعة تاريخ لنفسه بالنفخة الكاذبة واللسان الطويل وهو أساسا بلا تاريخ ولا جغرافيا.. وكل شيء سيئ في هذه الأمة يمضي في طريقه دون أن يستطيع أحد فرملته.. وكل امرئ يحاول أن يوقف قطار الفساد سيدهسه وسيجد نفسه مضطرا لركوبه بدلا من الوقوف في وجهه.. وأنا أيضا سيدهسني القطار أو أركبه وأمضي معه في طريقه مستسلما وأنفذ تعليمات سائقه الفاسد.. وأحلق شنبي بأمر شلبي!!.
نظرة
شهادة ميلاد أي قمة عربية تعني شهادة وفاة جديدة للأمة العربية.. والأمة ولادة.. وكل عام في مارس تلد طفلة مبتسرة ومعوقة اسمها القمة.. والأم أو الأمة مشغولة جدا بالبحث عن اسم "شيك" للقمة.. فمرة تسميها الوفاق والاتفاق.. ومرة تسميها المصارحة قبل المصالحة.. ومرة تسميها "القدس".. وعنقود الأمة ليس له آخر في القمم المعوقة والمبتسرة.. رغم أن الأمة بلغت سن اليأس وانقطع لديها الطمث.. لذلك تلجأ إلي استئجار رحم إسرائيل أو رحم أمريكا لاحتضان قمتها.. وعندما تولد أي قمة عربية يقام الاحتفال بميلادها في سرت أو في أي مدينة عربية.. وهات يا خطب.. "وحلقاتك.. برجالاتك".. وقد ولدت قمة سرت في السابع والعشرين من مارس.. وهذا يعني أن الاحتفال "بالسبوع" سيكون في الثالث من أبريل.. وهكذا تعقد القمة العربية آخر مارس من كل عام لنكتشف بعد أيام أنها كذبة أبريل!!!.
مقال رائع كالعادة للكاتب محمد أبو كريشة .. ولا تعليق .. ولنا الله .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .. وحسبنا الله ونعم الوكيل
-
الله يفتح عليك يا دكتور احمد ويفتح على كاتب المقال بجد
والله جاب من الآخر فعلا
اللهم ما اهدنا للحق يارب العالمين
-
-
للأسف يبدو أحيانا أن الحل الوحيد هو القطع
شكراً لك يا دكتور أحمد ولكاتب المقال
Content Relevant URLs by
vBSEO 3.6.0 PL2