مقال عجبني ل عمرو الشوبكي
أوقف بركان أيسلندا حركة الملاحة الجوية بين البلدان الأوروبية المختلفة لمدة امتدت لـ. 6. أيام،. وفرض حصارا جويا علي عواصم. أوروبية تمتلك مواصلات أخري تشمل القطارات والطرق البرية،. وشاهدنا في الفضائيات وقرأنا في الصحف كيف تعطل نقل بعض الخلايا بالطائرات لاستخدامها. في زرع الأعضاء،. وسمعنا قصصاً. »إنسانية.« غير مؤثرة عن كيف أن حبيبين. اضطرا إلي الزواج في دبي نتيجة تأخر عودتهما إلي بلدانهم الأوروبية،. أواضطرار البعض لركوب القطارات واستخدام السيارات وتأخرهم عن مواعيد عملهم أو لقاء بأهل أو صديقة. وغيرها من الروايات المشابهة.. والمؤكد أن الحصار الجوي المفاجئ علي كثير من المدن الأوروبية أثر علي حركة التنقل من وإلي العواصم الأوروبية،. وصرخ من أجله العالم وغطته كل وسائل الإعلام العربية والعالمية،. رغم إنه حصار قدري ولم يكن بفعل فاعل كما حدث مع قطاع. غزة.. وربما تكون. "معاناة." البعض من هذا الحصار حقيقية،. ولكنه استمر لأيام وليس لسنوات،. كما إنه كان فقط. »حصاراً. جوياً.« وليس حصاراً. شاملاً. من البحر والجو والأرض.. والمؤكد أن بركان أيسلندا أثر علي بعض المسافرين الذين حصلوا لأول مرة منذ عقود علي لقب العالقين الذي كان حكرا علي منطقة الشرق الأوسط والشعب الفلسطيني،. ولكنه أيضا مثل رسالة قوية لكل دول العالم عن حجم معاناة المحاصرين في. غزة لسنوات طويلة.. لقد تعرض أكثر من مليون ونصف مليون شخص لحصار ظالم وغير مسبوق في تاريخ البشرية تتحمل إسرائيل كآخر دولة احتلال عنصري في العالم مسئوليته الأولي،. ثم بعد ذلك تأتي مسئولية السلطة الفلسطينية وحماس اللذين فشلا معا في بناء إدارة رشيدة للقطاع،. وانشغلا بمعاركهما الداخلية التي دفع ثمنها الشعب الفلسطيني،. ثم تأتي ثالثا مسئولية مصر وباقي الدول العربية بحيادها ووداعتها الشديدة في مواجهة السياسات الإسرائيلية،. وعدم تمييزها بين الدعم الإنساني الواجب لأهل. غزة،. والخلاف السياسي المفهوم مع حركة حماس.. والحقيقة أن التواطؤ مع الحصار تحمل مسئوليته العالم كله،. فلنا أن نتصور حجم المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها آلاف المرضي والطلاب ومن فقد أب أو أم أو قريب في. غزة ولم يستطع الدخول،. والعكس أيضا متكرر فكثير. من الآباء لم يستطيعوا المشاركة في جنازة أحباب وأخوة لهم ماتوا في الغربة،. وكم زهقت أرواح بسبب انقطاع الكهرباء عن مستشفيات. غزة وبقي العالم متفرجا علي حصار مليون ونصف مليون شخص وكأنهم ليسوا بشراً.. ومع صراخ الدنيا مع تداعيات بركان أيسلندا اتضح حجم. تواطؤ النظام الدولي،. وعجز النظم العربية في مواجهة. حصار. غزة،. وتبلدت مشاعر البعض الإنسانية وأصر الكثيرون علي وضع مشاكل مصر في مواجهة. غزة علي اعتبار أن الأخيرة مليئة بمشكلات اقتصادية وسياسية لا حصر لها علينا أن نواجهها. أولا قبل أن نهتم بدعم. غزة والقضية الفلسطينية،. عملا بالمثل الشعبي. "مايحتاجة البيت يحرم علي الجامع.". ورغم أن الدعم. المادي والإنساني الذي نقدمه إلي الفلسطينيين محدود،. مقارنة بالأوضاع الكارثية التي يعيشها هذا الشعب،. إلا أن هذا لم يحل دون استمرار تلك الحملة الدعائية التي تضع مشكلاتنا التي فشلنا في حلها في مواجهة مشكلات الشعب الفلسطيني.. وإذا كان من المفهوم أن يختلف الحكم في مصر مع حماس،. ومن المفهوم أيضا أن يتعاطف الإخوان المسلمون مع. »حكم.« حماس في. غزة،. ومنطقي أن يدعم الأول سلطة محمود عباس،. وتدعم الثانية حكومة إسماعيل هنية المقالة،. ولكن من. غير المفهوم ولا المقبول أن يقوم الحكم في مصر بفرض كل هذه القيود علي أي دعم يمكن أن يصل إلي المحاصرين في. غزة.. ولتبرير هذا الحصار شنت حملة مسعورة ومخيفة علي الشعب الفلسطيني،. أثرت ـ كما هي العادة ـ علي قطاعات يعتد بها من الشعب المصري،. والتأثير هنا لم يكن لصالح الدفاع عن السيادة والحدود،. ولا كان اعتراضاً. علي حماس وتوجهاتها السياسية،. إنما في مسها جانباً. من. المشاعر الإنسانية الطبيعية التي يفترض أن يشعر بها أي مواطن طبيعي تجاه الظلم الواقع علي. "أخيه الإنسان."،. وأن يبدي التعاطف السوي تجاه أهل. غزة،. ضحايا القهر والحصار،. بعيدا عن حسابات السياسة الضيقة. (مع أو ضد حماس.)،. تماما مثلما حاول بعض نشطاء وسياسيين. غربيين بالضغط علي إسرائيل،. حتي تخفف من حصارها علي قطاع. غزة بدوافع إنسانية لا علاقة لها بالموقف السياسي من حماس.. إن هذه الحرب الإعلامية علي الشعب الفلسطيني،. حملت كثيراً. من العدوانية،. أدت إلي خلق لغة شديدة الأنانية،. تفقد. »البني آدم.« الطبيعي جانباً. من مشاعره الإنسانية الطبيعية،. وتجعله يتعامل بطريقة مع أثرياء الخليج وبطريقة أخري مع فقراء فلسطين ومصر واليمن والسودان.. إن التعاطف الإنساني مع. غزة ومع فلسطين هو أمر خارج كل. ثنائيات الانقسام السياسي. والأيديولوجي في مصر والعالم العربي،. وخارج ثنائية الحرب والسلام،. والمقاومة والتوجه السلمي،. وهو أمر يدخل في صميم التكوين الإنساني الطبيعي لأي مواطن سوي في أي مكان في العالم.. لقد تركت ساحة التعاطف الإنساني الطبيعي،. الذي يبديه أي مواطن سوي تجاه الشعب الفلسطيني. (حتي لو كان يؤمن بالسلام والتسوية السلمية مع إسرائيل.) إلي الإخوان المسلمين،. الذين أصبحوا هم المدافعين عن. غزة لصالح أجندتهم السياسية وغاب الباقون أو. غيبوا بسبب سياسات الحكومة وتعنتها.. ربما يكون بركان أيسلندا صحوة ضمير للتعامل بشكل مختلف مع المحاصرين في قطاع. غزة،. فنميز بين البني آدم الذي كرمه الله في كل الشرائع والأديان وبين حكم حماس الذي نقل. غزة من فشل إلي مزيد من الفشل..
