منقول كتبهااحمد على ، في 27 أبريل 2010 الساعة: 11:55 ص
لو كان الجوع رجلا لقتلته
فى الفتره الاخيره مر على موقفين تعلمت منهما الكثير كان العامل المشترك بينهما ظهور صفات الانسات الحيوانيه التى يعمل على اخفائها طوال مدة حياته و لكنه لا يجد بدا من اظهارها عندما يكون بقائه على المحك . و كلما ارتفعت معايير البقاء لدى الانسان زادت فترات ظهور هذه الصفات الحيوانيه وفقد انسانيته اكثر فأكثر , بمعتى انه ذا كنت تعتقد مثلا فى انك لا تشتطيع مواصلة المعيشه دون مأكل و مسكن و مشرب فقط فلن تظهر غريزة البقاء الحيوانيه الا فى ظروف قلتهم او فقدانهم , اما اذا ارتفعت معاييرك نتيجة ضغوط مجتمع مثلا فأصبح نوع افضل من المأكل او المشرب أو الملبس أو حتى امتلاك هاتف نقال هو ما يضمن بقائك . فانك لن تستطيع السيطره على غريزة البقاء الحيوانيه. اذا فحيوان الانسان لا يشترط ظهوره الجوع و لكنه مفهوم الجوع .
اتطرق اولا الى الجوع الحقيقى الذى يحول البطن الى انسان مستقل بذاته له مطالبه يتحكم فى قراراتك و يؤثر فى انسانيتك . كنت فى طريقى لزيارة قلعة صلاح الدين , عندما ضللت طريقى فى شوارع مصر القديمه . هناك رأيت ما تدنى من مستويات المعيشه و رأيت الفقر و الجوع و قد برى فى الانسان المصرى محاولا افقاده طيبته و شهامته التى اراها مازالت صامده , كخط قلم رصاص لم تستطع ممحاه سيئة الصنع محيه كاملا حتى انك اذا امعنت النظر رأيته و ميزت كلماته .
فى هذه الشوارع الضيقه التى فشلت فى توفير اقل معدلات الحياه رأيت نوعين من بنى ادم . النوع الاول صمدت انسانيتهم امام قسوة الجوع مستعينة بالرضا و حب الحياه . فلم تستطع قسوة الالم قتل الطيبه المتأصله فيهم. فلم اجد بدا من البكاء , لا اعرف اهو بكاء الفرحه بانتصار الطيبه البشريه الفطريه ام هو بكاء على حال هؤلاء الذين يعاملون بما لا يليق بانسانيتهم.
وتضاعف باكائى عندما رأيت النوع الاخر من من ساكنى هذا الحى الفقير انه النوع الذى تغلب جوعهم على انسانيتهم فأصبحوا يتحيزون الفرص للذود بأى شىء يملأ البطون و ان تنافى ذلك مع تقاليدهم و اخلاقهم و ما تمليه عليهم ضمائرهم . فتجد اصحاب الحرف لا يتقنون اعمالهم ويطالبون بأضعاف السعر المستحق كلما وجدوا الفرصه وتجد من باع كل ما تبقى من من ضميره و مارس النصب او السرقه.
كان بكائى شديدا لاتى رأيت بقايا الطيبه ما زالت فى العيون و ماتزال تظهر فى الافعال على فترات ولكن لعنة الله على الجوع و على كل من كان له سببا .
كنت حزينا بلا شك و كنت مشفقا على هؤلاء الذين يسرقون و يتحايلون فقط لاشباع البطون ولكن هل تبرر الغايه ( اشباع الجوع ) الوسيله ( الخداع ) لا اعرف ولكن مررت بموقف اخر قد يثبت تبرير الغايه للوسيله .
كنت اتناول الفطير كطعاما للغداء فى مطعم من مطاعم الاسكندريه عندما جاء شاب فى منتصف العشرينات من العمر مد يده فى طعامى فأخذ منه ما يستطيع حمله و مضى يأكله فى نهم دون ادنى احساس بالذنب . تفحصت الشاب فلم اجد من ما يلبسه ادنى دليل على انه تعود على فعل ذلك ولكن رأيت من اتساخها ما يدل عى انه لم يبت فى منزل له سقف منذ فتره . اتخيل هذا الشاب و قد مضت عليه عدة ايام دون ان يذوق الطعام وقد بلغ به الم البطن منتهاه حتى تخلى عن كل ما عرفه من عادات و اخلاق و تقاليد و مضى مغشيا عليه مدفوعا بغريزة البقاء , تخيل نفسك فى مكانه لا تجد طريق تشبع به ما بك من جوع حتى نال منك الاعياء, و ترى فى اشد فترات احتياجك من يأكل فوق طاقته ويدفع فى القليل ما قد تستخدمه انت لشراء طعام اسبوع. الن تفكر فى ان كل ما تستطيع ان تطاله يداك هو حقك ؟ حقك الذى اعطاه لك عجزك عن اشباع جوعك و تبذير الاخرين !!.
بالطبع لا نستطيع مقارنة هذا الذى اخذ فقط ما يشبع جوعه دون ان يسبب من الضرر الكثير بذلك الذى سرق محطما احلام شخص او اسره اخرى . و لكن تستطيع بسهوله فهم سلوك سائق الميكروباص الذى يطير على الطريق دون مبالاه او سلوك من لا يلتزم بالطابور او يتخطى اشارة المرور الحمراء فكل هذه السلوكيات السيئه هى فقط نتيجه للجوع و الفقر و لم تكن ابدا سببا له .
اثق يشعب مصر و اثق بأخلاقه وعاداته وتقاليده و طيبته وشهامته و حسن طبيعته , لهذا فانى على قتاعه بأن حالة الانحدار الاخلاقى و غياب الضمير ليست سببا لتدهور مصر الاقتصادى و فقر شعبها و لكن نتيحه للجوع الذى اصاب الفقراء الذى كان بدوره نتيجه لما اصاب حكامه من نوع اخر من الجوع سببه انتقالهم المفاجىء الى طبقه عليا من المجتمع فسيطر عليهم رعبا من العوده مجددا الى الفقر فتخلوا هم ايضا عن اخلاقهم و ضمائرهم فأصبح تأثير الجوع عليهم مضاعفا فجمع بين انحطاط الاخلاق و ضرر الفقراء .