حُـبُّ السَّلامـةِ يَثنـي هـمَّ صاحـبِـه
عنِ المعالي ويُغـري المـرءَ بالكَسَـلِ
فـإنْ جَنَحـتَ إليـهِ فاتَّـخـذْ نَفَـقـاً
في الأرضِ أو سُلَّماً في الجـوِّ فاعتـزلِ
ودَعْ غِمـارَ العُلـى للمُقدِميـنَ عـلـى
رُكوبِهـا واقتَـنـعْ منـهـنَّ بالبَـلَـلِ
يَرضى الذَّليلُ بخفضِ العيـشِ يَخفضُـهُ
والعِـزُّ عنـدَ رَسيـمِ الأينُـقِ الـذُّلُـلِ
فادرأْ بهـا فـي نُحـورِ البيـدِ جافلـةً
مُعارضـاتٍ مثانـي اللُّـجـمِ بِالـجُـدُلِ
إنَّ العُلـى حدَّثتنْـي وهـيَ صـادقـةٌ
فيمـا تُحـدِّثُ أنَّ إلعِـزَّ فـي النُّـقَـلِ
لو أنَّ في شرفِ المـأوى بُلـوغَ مُنـىً
لم تبرحِ الشَّمـسُ يومـاً دارةَ الحَمَـلِ
أهبـتُ بالحـظِّ لـو ناديـتُ مُستمعـاً
والحـظُّ عنّـيَ بالجُهَّـالِ فـي شُـغـلِ
لعلَّـهُ إنْ بــدا فضـلـي ونقصُـهُـمُ
لِعينـهِ نـامَ عنهـمْ أو تنـبَّـهَ لــي
أُعلِّـلُ النَّـفـسَ بـالآمـالِ أرقُبُـهـا
ما أضيقَ العيشَ لـولا فَسحـةُ الأمـلِ
لـم أرضَ بالعيـشِ والأيـامُ مقبـلـةٌ
فكيفَ أرضى وقد ولَّـتْ علـى عَجَـلِ
غالـىَ بنفسـيَ عِرفـانـي بقيمتِـهـا
فصُنْتُها عـن رخيـصِ القَـدرِ مُبتـذَلِ
وعـادةُ النَّصْـلِ أن يَزهـو بجوهـرِهِ
وليـسَ يعمـلُ إلا فـي يَـديْ بَـطَـلِ
ما كنـتُ أوثِـرُ أنْ يمتـدَّ بـي زَمنـي
حتَّـى أرى دولـةَ الأوغـادِ والسِّفـلِ
تَقَدَّمَتْنـي أنــاسٌ كــانَ شَوطُـهُـمُ
وراءَ خطـويَ إذْ أمشـي علـى مَهَـلِ
هـذا جـزاءُ امـريءٍ أقرانُـهُ دَرَجـوا
مـن قبلـهِ فتمنَّـى فُسـحـةَ الأجــلِ
وإنْ علانيَ مَـنْ دونـي فـلا عجـبٌ
لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمسِ عـن زُحـلِ
فاصبرْ لهـا غيـرَ محتـالٍ ولا ضَجـرٍ
في حادثِ الدَّهرِ ما يُغنـي عـن الحيَـلِ
أعدَى عَدوِّكَ أدنـى مـنْ وثَقـتَ بـهِ
فحاذِرِ الناسَ واصحبهـمْ علـى دَخَـلِ
فإنَّـمـا رجــلُ الدُّنـيـا وواحـدُهـا
مَنْ لا يُعوِّلُ فـي الدُّنيـا علـى رَجُـلِ
وحُسـنُ ظـنِّـكَ بـالأيـامِ مَعْـجِـزةٌ
فظُنَّ شـرّاً وكُـنْ منهـا علـى وَجَـلِ
غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغـدرُ وانفرجـتْ
مسافةُ الخُلْـفِ بيـنَ القَـولِ والعمـلِ
وشـانَ صِدْقَـكَ بيـنَ النـاسِ كذبُهُـمُ
وهــلْ يُطـابَـقُ مُـعـوَجٌّ بمُعـتـدلِ
إنْ كـانَ ينجـمُ شـيءٌ فـي ثَباتـهـمِ
على العُهـودِ فسَبـقُ السَّيـفِ للعَـذَلِ
يـا وارِداً سُـؤرَ عيـشٍ كلُّـهُ كّــدّرٌ
أنفقـتَ صَفـوَكَ فـي أيـامِـكَ الأولِ
فيـمَ اقتحامُـكَ لُـجَّ البحـرِ تركـبُـهُ
وأنـتَ تكفيـكَ منـهُ مُصَّـةُ الـوَشَـلِ
مُلـكُ القناعـةِ لا يُخشـى علـيـه ولا
يحتـاجُ فيـه إلـى الأنصـارِ والخَـوَلِ
ترجـو البقـاءَ بـدارٍ لا ثبـاتَ لـهـا
فهـلْ سمعـتَ بظـلٍّ غيـرِ مُنتـقـلِ
ويـا خبيـراً علـى الأسـرارِ مُطَّلعـاً
أُصمتْ ففي الصَّمتِ منجاةٌ مـن الزَّلّـلِ
قـد رشَّحـوكَ لأمـرٍ إنْ فطِنـتَ لــهُ
فاربأْ بنفسِـكَ أنْ تَرعـى مـعَ الهَمَـلِ
هذه المقتطفات من قصيدة تعد من درر الأدب العربي وهي للطغرائي من كبار شعراء العصر الأموي
تقبلوا خالص مودتي
المفضلات