البنية الوراثية: Genotype
شبکة الحياة

تتشارك في الهندسة الوراثية (Genetic Engineering) علوم ثلاثة أساسية هي علم الوراثة والخلية والأجنة. وهي فعلاً تكنولوجيا تطويع الجينات وتقوم على فكرة التحكم في الجهاز الوراثي للإنسان وبذلك بدأ العلماء سامحهم الله التحكم في أهم خصوصيات الإنسان وهو لوحه المحفوظ أو شفرته الوراثية.
وقد كانت البداية الحقيقية للهندسة الوراثية في عام 1953م، حيث تم اكتشاف يعد من أعظم الإنجازات البيولوجية والطبية في القرن العشرين، وقد قام بهذا الاكتشاف العالمان الأمريكيان جيمس واطسون وفرانسيس كربك، ونالا عليه جائزة نوبل للطب والفسيولوجيا عام 1962م والكشف هو الحمض الريبي النووي منقوص الأوكسجين (DNA) ثم كشف أنزيمات التحديد أو التقييد اللازمة لقص ذلك الحمض في مواقع محدودة وهكذا بدأ مصطلح الهندسة الوراثية لتشكل هذه الهندسة ثورة من أخطر الثورات العلمية وهي ثورة صناعية حقيقية لا تعتمد على الحديد والصلب وإنما ترتكز على مادة الحياة وهي الجينات. وتتالت الاكتشافات العلمية في هذا المجال ـ مجال الهندسة الوراثية ـ الواحدة بعد الأخرى حتى جاءت الطامة الكبرى ويقصد بها قنبلة العصر حادثة الاستنساخ. فما هو الاستنساخ وكيف يتم؟
الاستنساخ

يقصد به الحصول على نسخة أو أكثر طبق الأصل من الأصل نفسه وهذا يتم بمعالجة خلية جسمية من كائن معين كي تنقسم وتتطور إلى نسخة مماثلة لنفس الكائن الحي الذي أخذت منه.
ولنأخذ النعجة (دوللي) كمثال.. فقد تم استنساخها وفقاً للخطوات التالية:ـ
ـ أخذت خلية جسمية حية من ضرع (ثدي) الحيوان المراد استنساخه (النعجة الأولى) وتم فصل نواة هذه الخلية.
تم تقريب نواة الخلية المأخوذة من النعجة الأولى من البويضة المفرغة من نواتها المأخوذة من النعجة الثانية، وتم إدخال نواة الخلية في البويضة لتكون نواة جديدة لهذه الخلية تأتمر بأمرها بدلاً من نواتها التي فصلت عنها سابقاً فتصبح هذه بويضة مخصبة.
يتم تسليط ذبذبات كهربائية على البويضة المخصبة لتبدأ فيها عمليات كيميائية حيوية تخرجها من بياتها وتوقظها من سباتها لتبدأ انقساماً متوالياً إلى خليتين ثم إلى أربع ثم إلى ثمان وهكذا يتكون ما يعرف بالعلقة.
يتم شتل العلقة هذه في رحم حيوان حاضن أو حامل (نعجة) وبعد إتمام فترة الحمل تلد النعجة نسخة طبق الأصل من الحيوان المراد استنساخه وهو الذي أخذت منه الخلية، وهذا هو الاستنساخ.
وللعلم عزيزي القاريء فإن فكرة الاستنساخ هذه ليست جديدة فهناك حيوانات أولية كثيرة تستنسخ نفسها بأمر الله مثل البكتريا والخميرة وكلاهما يتكاثر لا جنسياً أو تزواجياً وهكذا تتكاثر الأميبا والإسفنج الأولى بالانشطار والثانية بالتبرعم.

والنبات كذلك يستنسخ نفسه بأمر الله، فبعض النباتات الورقية تتكاثر لا جنسياً أو لا تزواجياً مكونة نباتات جديدة عن طريق نمو بعض أجزاء النباتات من الجذور أو الساق أو الأوراق. فمن علم كل هؤلاء هذا وفطرهم عليه؟ قال تعالى: >> سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق << (فصلت آية 53).
الهندسة الوراثية

ماذا قدمت للإنسانية؟

أولاً: في مجال الطب: أسهمت الهندسة الوراثية بإسهامات كثيرة لخدمة صحة الإنسان من أهمها:ـ
1 ـ محاولة استنساخ الأعضاء الحية لغرض استخدامها في عملية نقل وزراعة الأعضاء كالكبد والقلب والكلية وغيرها وهذا من أهم وأفضل ما يمكن تقديمه لخدمة صحة الإنسان والنتائج الأولية في هذا المجال جداً واعدة ومشجعة.
2 ـ إنتاج العديد من الأدوية والعقاقير ومن أشهر ما تم في هذا المجال ما يلي:ـ
تصنيع هرمون الأنسولين البشري نفسه بواسطة البكتيريا وهو يستخدم حالياً لعلاج المصابين بالسكري.
تصنيع الهرمون المحفز على تكوين البويضات في مبيض المرأة هرمون (FSH) واستخدام هذا الهرمون في تنشيط مبايض لزيادة فرص الحمل لديهن وهذه هي إحدى مساهمات الهندسة الوراثية لمعالجة حالات العقم لدى السيدات.
تصنيع إنزيم يورو كاينيز (Uro Kinase) الذي يستخدم لإذابة الجلطات التي تصيب الإنسان في شرايينه أو دماغه أو رئتيه ويتم هذا بعزل المورثة المسؤولة عن إنتاج الإنزيم في جسم الإنسان وحقنها في المادة الوراثية لجسم حيوان كالماعز أو الأبقار لتفرز هذا الإنزيم في ألبانها.
3 ـ إنتاج حليب يحتوي على بروتينات حليب الأم البشرية يستخدم لإرضاع الأطفال الخدج.
4 ـ منع الأمراض الوراثية من الظهور إما بمحاربة أسبابها أو التدخل في الوقت المناسب لعدم حدوثها، فقد اكتشف خبراء الهندسة الوراثية أكثر من خمسة آلاف مرض وراثي وتم تحديد أكثر من 1500 مورثة من المورثات المسئولة عن بعض هذه الأمراض وتم محاربة هذه الأمراض الوراثية باستئصال المورثات المسئولة عن هذه الأمراض من البنية الوراثية للجنين أثناء المراحل المبكرة لتشكيله أو بإدخال مورثة سليمة بدلاً من أخرى ممرضة.
5 ـ مكافحة الشيخوخة فقد تمكن علماء الهندسة الوراثية فعلاً من رفع متوسط عمر بعض الحشرات إلى ضعف عمرها الافتراضي عن طريق مقاومة تآكل الكروموسومات نتيجة التقدم في العمر للكائن الحي، مما يعني بعد مشيئة الله إمكانية رفع متوسط عمر الإنسان.
ثانياً: في مجال الصيدلة: أسهمت الهندسة الوراثية في تصنيع الكثير من اللقاحات والأمصال المضادة للأمراض الفيروسية، وتصنيع هرمون النمو البشري، وهرمون المخ البشري (السوماتوستاتين) الذي يستخدم في علاج مرض عملقة الأطراف، والأنترفـيرون الـذي يستخـدم لـوقف نمو الفيروسات كفيروسات الكبد الوبائية، والكثير من هذه الأدوية متوفر الآن في الصيدليات وفي متناول الجميع.
ثالثا: في مجال الزراعة: فقد تمكن علماء الهندسة الوراثية من تحسين السلالات النباتية كماً وكيفاً فقد استطاعوا إنتاج نباتات مقاومة للأمراض الفيروسية أو الفطرية أو الإصابة بالآفات الحشرية، وأخرى مقاومة للملوحة أو الجفاف أو الرطوبة العالية، وثانية تستطيع تثبيت النيتروجين الجوي مستغنية بذلك عن التسميد.
رابعاً:في مجال الصناعة: أنتج علماء الهندسة الوراثية منتجات لا حصر لها مثل البلاستيك والمطاط والمبيدات الحشرية والمذيبات العضوية ومنظمات النمو والمنظفات البيولوجية والأسمدة وغيرها.
سلبيات الهندسة الوراثية

1 ـ اختلاط الأنساب نتيجة الإخصاب الصناعي: فمثلاً أطفال الأنابيب والأم المستعارة وكذلك بنوك المنويات من أشخاص غير معروفين وتستخدم في تخصيب بويضات النساء وهذا يعد سفاحاً من الناحية الشرعية والأخلاقية، فالذرية لا يعرف الأب الحقيقي لها وهنا قد يتزوج الأخ بأخته أو الأب بابنته ودون أن يدري وهكذا تختلط الأنساب وتنتهك الحرمات وهذا فيه فساد عظيم من وجهة شرعية وبيولوجية كذلك.
2 ـ اختلاط الأجناس: يحاول العلماء باستخدام الهندسة الوراثية طبعاً خلط الأجناس بعضها ببعض الإنسان بالحيوان، والحيوان بالحيوان، والإنسان بالنبات وهذا شئ فظيع وضد الفطرة. ومن الأمثلة على هذا خلط البرنامج الوراثي للعنزة بالبرنامج الوراثي للخروف فنتج حيوان يجمع بين صفات الإثنين وهو (العنزوف) اسم مشتق من عنزة وخروف، ومن صور الخلط أيضاً محاولة خلط البرنامج الوراثي للإنسان بالبرنامج الوراثي للنبات لإنتاج "الإنسان الكلورفيلي" أو الإنسان الأخضر.
ماذا عن المستقبل

من المؤكد أن استنساخ النعاج أو القردة ليس نهاية المطاف ولا مبلغ العلم، فالعلماء يعكفون على إنتاج حيوان يحمل مورثات آدمية يطلق عليه اسم (Manimal) وهي كلمة مشتقة من اسم إنسان وحيوان بالإنجليزية Man Animal Manimal ويمكن تسميتة بالعربية (انسوان) انسان + حيوان = انسوان، هذا بالنسبة للمستقبل القريب، أما المستقبل البعيد فقد يأتي معه بكل غريب وعجيب فهناك البطاقة الوراثية التي من المحتمل أن تحل في نهاية القرن الحادي والعشرين محل البطاقة الشخصية. وهي بطاقة مسجل عليها اللوح المحفوظ للإنسان الذي يحمل شفرته أو طاقمه الوراثي فما هي يا ترى تبعاتها والأشياء المترتبة على وجود هذه البطاقة؟ إليك بعض الأمثلة.
إذا تقدمت لوظيفة يا سيدي العزيز مثلاً فسوف يطلب منك إحضار البطاقة الوراثية. وإذا تبين أنك تحمل جيناً قد يقعدك عن العمل مبكراً فلن تحصل على الوظيفة إياها لأنك غير لائق طبياً "والفضل" هنا طبعاً للهندسة الوراثية.
وإذا كنت لا تزال أعزباً أو أنك متزوج لكن تحب الخير وتقدمت لخطبة أي فتاة فإن والدها لن يسألك عن عملك أو راتبك ولا حتى عن أصلك وفصلك أو عن حسبك ونسبك بقدر ما يســألك: أين بطاقتك الوراثية؟ وعندما يطالعها الأب قد يرى فيها جيناً يسبب العقم أو أمراض وراثية معينة تصيب أحفاده المنتظرين بالأمراض أو العاهات عندها يرفض الأب تمـاماً أن يعطيك ابنته مهما قدمت له من المغريات وهذا بعض ما سوف يترتب على البطاقة الوراثية لا عزبة ولا عروسة وما خفي أعظم.
خـاتمـة:

بعد النجاح المذهل الذي حققه العلماء في مجال الهندسة الوراثية وهو استنساخ حيوان بالغ ـ بلا جنين ـ فإن السؤال الذي يشغل بال العالم الآن هو هل بالإمكان استنساخ الإنسان؟
بعض المراجع تتوقع أن يتم هذا بحلول عام 2004م وإن كانت بعض المجلات العلمية قد نشرت خبراً عن عملية استنساخ بشري أجراها عالم إيطالي في سرية تامة وتكتم شديد في مختبره الخاص لسيدة إنجليزية قبل ثلاث سنوات تقريباً.
كما نشرت إحدى الصحف البريطانية عن عالمة بلجيكية قولها أنها استنسخت طفلاً من 4 سنوات من غير قصد.
وتقول عالمة في علم الخلية: إن حدث ونجح زملائي العلماء في استنساخ الإنسان فإنه لن يكون هناك حاجة لوجود الرجل وحقيقة يجب أن يعلم الجميع أنه بالإمكان استنساخ الإنسان من غير أن يدري ـ من مجرد نقطة دم تؤخذ من دمه خلسة أو خلية من جسمه عند زيارته لمستشفى للعلاج أو إجراء فحوصات طبية مثلاً. والاستنساخ في حالة تطبيقه على الإنسان يحمل في طياته خطراً كبيراً على البشرية كاحتمالات تفشي الأمراض كأمراض القلب والسكري والأمراض النفسية كفصام الشخصية وغيرها إذا كان الأشخاص المستنسخون ممن هم مصابون بهذه الأمراض.
لهذا أجمع الخبراء من علماء ومشرعين ورجال دين على ضرورة سن قوانين تحرم تطبيق تقنية الاستنساخ على البشر لأن هذا عمل لا أخلاقي وغير إنساني. أما في مجال استنساخ الحيوان فهذا محبذ لما له من فوائد طبية وغذائية كبيرة ولكن بضوابط أيضاً.

وختاماً عزيزي القارئ من المؤكد أن استنساخ البشر لا محالة قادم وهكذا ففي غضون السنوات القليلة القادمة يصبح بالإمكان إنتاج نسخاً للعباقرة والمبدعين الأحياء، أما الأموات فربما يمكن استنساخهم بعد مشيئة الله من العظام النخرة في مقابرهم، حيث يرقدون وإذا كان هذا ممكناً للعلماء البشر فهل بعد هذا يستكثر على الله سبحانه بعث من في القبور وهو الذي أوجد الخلق بداية قال تعالى: ( وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .
والاستنساخ عزيزي القاريء هو تخليق (Synthetic) لا خلق (Creation) والفـرق بينهما عظيم، فالخلق إيجاد من عدم وهذا لا يقدر عليه إلا الله، بينـما التخليق مجرد توليف من موجود وهذا هو ما يتم في عملية الاستنساخ.

المصدر: مجلة الدفاع السعودية