تعرفنا فى الحلقتين الماضيتين على المجهودات العديدة التى قام بها مهندسوا اوروبا وامريكا منذ ان اخترع جيمس وات غلايته البخارية لانتاج مركبات يتم دفعها بمحرك وليس بالحيوانات
وعرفنا ان احد المراحل الحاسمة فى تاريخ السيارات هى الانجازين المتزامنين لكل من السيد جوتيليب دايملر والسيد كارل بنز، الذى عمل كل منهما بشكل منفصل وبعيدا عن الآخر لأنتاج مركبة متحركة تعمل بمحرك اوتتو ، كما تحدثنا عن نيكولاس اوتتو ابو المحرك رباعى الأشواط
نتحدث اليوم ببعض التفاصيل عن احد الإنجازين وعن حياه صاحبه، عن جوتيليب دايملر ، وطالما اننا سنتحدث عن جوتيليب دايملر فلابد ان نتحدث عن شريكه فى الإنجاز فيلهيلم مايباخ
ولد جوتليب فيلهيلم دايملر يوم 17 مارس عام 1834 فى مدينة صغيرة تسمى شورندورف تقع فى مملكة فورتيمبيرج التى صارت لاحقا جزءا من مقطاعة بادن فورتمبرج بجنوب المانيا حاليا لأب خباز اسمه يوهانس دايملر وام اسمها فريدريكا دايملر
بعد ان اتم ستة سنوات من التعليم الأساسى فى اللاتينشوله(المدرسة اللاتينية) اتجه لداراسة صناعة واصلاح البنادق حيث استطاع مع استاذه فى هذة المرسة صناعة بندقية ذات ماسورتين، غير انه فى سن الثامنة عشرةاصابه الملل من مهنة البنادق لأن اهتمامه الأساسى كان الهندسة الميكانيكية ولذلك فقد ترك مدينته للذهاب للدراسة العليا فى الهندسة الميكانيكية
بعد سنوات واثناء عمله كمدير لاحدى ورش التصميم الميكانيكى يتعرف دايملر على الشاب الصغير فيلهيلم مايباخ والذى يصغره باثنى عشرة عاما وياتى للورشة ليعمل كاحد مساعديه لكى ترتبط حياتيهما بعد ذلك وحتى النهاية
فيلهيلم مايباخ
نترك دايملر قليلا لكى نلقى نظرة سريعة على حياه فيلهيلم مايباخ، الذى ولد يوم 9 فبراير عام 1846 فى مدينةهيلبورن فى مقاطعة بادن فوتورتيمبورج وانتقل وهو فى سن الثامنة مع اسرته للعيش فى مدينة شتوتجارت حيث توفى والده ووالدتة وهو طفل، واثر اعلان ارسله اقاربه لاحدى الجرائد تم أرسال مايباخ الى احدى المؤسسات الخيرية لرعايته، وهناك ينتبه مدير المؤسسة السيد جوستاف فيرنر الى موهبة مايباخ العالية فى مجال الأعمال الميكانيكية فيعطيه فرصة تنمية مواهبه ويرسله الى الورشة الميكانيكة للموسسة، وفى سن 15 سنة يحصل مايباخ على منحة من المؤسسة لدراسة التصميم الميكانيكى بالمدرسة العليا بالمدينة
وفى سن ال19 يحصل مايباخ على عمل فى احدى الورش المكيانيكة كمصمم مكيانيكى حيث يلتقى لأول مرة بمدير الورشة المهندس جوتليب دايملر
وهكذا تصبح القصتان قصة واحدة ، نستكملها سويا حين نعرف ان كل من دايملر ومايباخ ينتقلان للعمل سويا فى شركة اسمها ":ماشينباو جيزيلشافت كارلسروى"(شركة بناء الآلات بمدينة كارلسروى)والتى يكون دايملر فيها احد اعضاء مجلس الإدارة ومع ذلك يمضى ليالى طويلة يناقش هو ومايباخ تمصميات جديدة لمحركات ومضخات وغيرها من الصناعات المعدينة
فى عام 1872 ينتقل دايملر الى العمل كمدير تنفيذى فى شركة دويتس جاس موتورين فابريك (مصنع دويتس للمحركات البترولية) والتى كانت اكبر شركة محركات انذاك وكما عرفنا فى الحلقة الأولى كان يملك نصفها السيد نيكولاس اوتتو ابو المحرك رباعى الأشواط، ولا تزال قائمة وناجحة حتى يومنا هذا، ويقوم دايملر باستدعاء مايباخ للعمل معه
وفى عام 1876 وبعد قيام اوتتو بتصميم وتصنيع المحرك رباعى الأشواط ، يسافر مايباخ الى الولايات المتحدة لعرض محرك اوتتو ، واثر عودته عام 1877 يبدأ التركيز فى تطوير محرك اوتتو لكى يمكنه العمل على المركبات المتحركة
فى عام 1878 تتوطد العلاقات الإجتماعية اكثر بين مايباخ ودايملر اثر زواج مايباخ من بيرتا فيلهيلمين هابرماس صديقة زوجة دايملر السيدة إيما كونتس
وفى عام 1880 تنشأ خلافات شخصية بين دايملر و واتتو، كان مبعثها الأساسى غيرة أوتتو من خلفية دايملر الأكاديمية، مما ادى فى النهاية الى طرد دايملر من موسسة دويتس ، وحصوله على 112000 مارك ذهبى من اسهم دويتس كتعويض، ويترك مايباخ شركة دويتس بعدها بفترة قصيرة
يشترى دايملر منزلا فى مدينة شتوتجارت فى جنوب ألمانيا بمبلغ 75ألف مارك من حصته فى دوتيس ويقوم بتعديلات عليه لتحويله الى ورشة عمل، وينضم له مايباخ ليبدءا تجاربهما على المحرك رباعى الأشواط، ومن الطريف ان الأصوات الصادرة عن تجاربهما اقلقت الجيران بشدة حتى انهم ظنوا ان دايملر ومايباخ يقومان بتزوير العملة فى هذا المنزل، وانتهزوا فرصه غيابهما وقاموا بإبلاغ الشرطة التى اقتحمت المنزل لتجد محركات فقط ولا شئ غيرها
فى عام 1885 ينجح دايملر ومايباخ فى انتاج اول محرك رباعى يصلح للتركيب على مركبة، وكانت مواصفات هذا المحرك كالتالى
سلندر واحد افقى
تبريد هواء
حدافة ضخمة مصنعة من الحديد الزهر
صمام العادم يتم التحكم فيه من خلال عمود كامة مما يسمح بسرعة عالية
الإشعال بواسطة انبوبة مسخنة
سعة المحرك 100 سى سى
سرعة المحرك 600 RPM (كل المحركات انذاك كانت فى حدود 120 الى 180 RPM)
القدرة القصوى للمحرك 1 حصان على سرعة 600 RPM
المحرك مزود بكاربراتير لخلط الوقود بالهواء
وبعد فترة قصيرة انتجا نفس المحرك ولكن بسلندر رأسى واطلقا عليه اسم "ساعة جدِِى" نظرا لتشابه المحرك مع ساعات الحائط القديمة ذات البندول
وينجح دايملر فى نهاية نفس العام فى تركيب المحرك على دارجة خشبيه لكى يصنع اول دراجة نارية ، قادها مايباخ لمسافة 3 كيلومتر بسرعة 12 كيلومتر فى الساعة فى أول تجربة
http://www.wired.com/images/article/...cycle_580x.jpg
دراجة دايملر ومايباخ النارية
وفى مارس عام 1886 يقوم دايملر بإدخال عربة خيل (تشبه الحنطور الى حد ما) الى منزل التجارب، مدعيا امام الجيران انها هدية عيد ميلاد للسيدة دايملر، إلا ان الواقع هو انه اشرف سرا على تركيب الجيل الثانى من محرك "ساعة جدى" بقدرة 1.5 حصان على الحنطور وربطه بالعجلات من خلال جنزير ليحقق الحنطور الميكانيكى 15 كيلومتر فى الساعة ولتولد اول نسخة تجريبية لسيارة تعمل بالمحرك رباعى الأشواط،
تم تجربة المحرك ايضا على الكثير من التطبيقات منها قارب طولة 4.5 متر وسل لسرعة 11 كيلومتر فى الساعة
ينجح القارب المميكن فى تحقيق مبيعات لا بأس بها مما يدفع دايملر لشراء قطعة أرض كبيرة خالرج المدينة لتحويلها لمصنع، ويتم افتتاح شركة دايملر التى يتولى جوتليب دايملر فيها المسئولية الإداريه فى حين يتولى مايباخ التصميم والإدارة الفنية
وفى عام 1889 تنتج الشركة اول سيارة تم تصميمها بالكامل داخل الشركة وليست حنطورا تم اضافة محرك له
وتم عرضها للجمهور فى باريس لأاول مرة فى باريس عام 1889
وكانت الدعاية التى روجت للسيارة تقول انها تتميز ب:
1- محرك سريع ذو 2 سلندر بشكل حرف V
2-مبخر للوقود(كاربراتير)
3-صبابات بشكل عش الغراب
4-تبريد بالماء
5-ناقل سرعة ذو اربعة سرعات بنظام التروس
6-نظام توجيه محور ارتكاز
سيارة دايملر الثانية ، 1889، اول سيارة لدايملر يتم تصميمها من الألف للياء
وتنجح سيارة دايملر فى عمل بعض الترويج لمحركات دايملر، التى باع حق انتاجها لبعض الشركات نذكر منها عام 1890 شركة بيجو و شركة برنارد و ليفاسور(لا تزال قائمة حتى يومنا هذا وان كانت اتجهت لتصنيع المركبات العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية)
غير ان العائد لم يكن كافيا مما دفع بدايملر لاستقدام شركاء آخرين للتمويل منهم ماكس فون دوتينهوفر ، و وليام لورينتس
تنجح مبيعات المحركات بشدة فى ظل الإدارة الجديدة إلا ان مبيعات السيارات لم تكن على ما ينبغى، وهنا تتجة سياسة الإدارة الجديدة الى دمج شركة دايملر مع شركة دويتس ، برغم الخلافات العميقة بين دايملر و أوتتو ، ويحاول اوتتو ومايباخ المقاومة والتركيز على بيع السيارات اكثر من المحركات
وهكذا يترك مايباخ شركة دايملر فى يوم 11 فبراير 1891 بعد ان تم رفضه كعضو لمجلس الإدارة، ويبدأ دايملر ومايباخ و بول ابن دايملر فى تصميم الجيل الثالث من محرك دايملر فى ورشة منزلية، وهكذا ينتجون المحرك الذى تميز لأو مرة ببلوك واحد يجمع كل السلندرات، الى جانب الكاربراتير المعتمد على البخاخ والذى سجلت براءة اختراعه باسم مايباخ،
الجيل الثالث من محركات دايملر ومايباخ
سيارة دايملر الثالثة ، 1894
فى تلك الأثناء يرغم دايملر على ترك منصبه كمدير فنى فى الشركة التى تحمل إسمه مما يدفعه على الإستقالة فى عام 1893، مما يطيح بسمعة الشركة ويسبب لها الخسائر، غير انه فى عام 1895 يعرض المستثمر الإنجليزى شراء حق انتاج محرك دايملر بمبلغ طائل بشرط عودة كل من دايملر و مايباخ الى الشركة
سيارة دايملر موديل 1899
يبقى دايملر فى الشركة حتى وفاته يوم 6 مارس عام 1900، واستمر مايباخ فى العمل حتى عام 1907 ، وكانت احد ابداعاته بعد وفاه دايملر هى السيارة مرسيدس موديل 1902، والتى حملت هذا الأسم نسبة الى الفتاه مرسيدس جلينيك ابنه السيد إميل جلينيك ، واحد من اشهر موزعى سيارات دايملر ، وقائد سيارات دايملر فى سباقات الريفييرا الفرنسية، وجاءت هذة السيارة طفرة بمحرك 35 حصان ذو 4 سلندرات ويعمل بسرعة 1000RPM والسيارة نفسها تصل لسرعة 75 كيلومتر فى الساعة،
توفى مايباخ عن عمر يناهز 83 عام قبل نهاية العقد الثالث من القرن العشرين بثلاثة ايام ، يوم 29 ديسمبر عام 1929
السيارة مرسيدس موديل 1902
صورة الفتاه مرسيدس جلينيك التى تحمل احدى افضل ماركات سيارات العالم اسمها
فى عام 1918 تعرض شركة كارل بنز على شركة دايملر الإندماج وترفض دايلمر العرض، غير ان اعادة المحاولة عام 1924 تسفر عن اندماج الشركتين بشكل تدريجى ليعرف العالم واحدة من اعظم الشركات المصنعة للسيارات ، شركة دايملر بنز التى لا تزال قأئمة حتى اليوم بنفس الإسم فى مدينة شتوتجارت وتنتج سيارات المرسيدس الفاخرة