تجربتي مع المرض .... والحياة
بسم الله الرحمن الرحيم ..
للمرة الأولى في حياتي البالغة 33 عاماً .. أجد نفسي حبيس الفراش لمدة متصلة بلغت 12 يوماً ، ولا زالت مستمرة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .. ولكني بحمد الله في تحسن .
قد لا تبدو هذه مدة طويلة بنظر الكثيرين ، ولكن تميزها بالنسبة لي كان راجعاً لكون مصدر الألم في العمود الفقري ، مما يجعل الفرد مقعداً عن الحركة ، واي حركة تكون مؤلمة للغاية في أي مكان من الجسم .
فجأة ...
وبدون أي سابق إنذار ... وجدت نفسي وأنا لا زلت شاباً ، أتحرك وأسير وأنطلق ، واذهب هنا وهناك ، وأتابع نشاطاتي اليومية الكثيرة ...
فجأة ...
مقعد .. كسيح .. شبه مشلول الحركة
ودفعتني هذه الحالة للتأمل العميق في حياتي ، وفي أمور مطلقة توصلت فيها إلى عدة قناعات إيمانية وفكرية أريد أن أشارككم إياها .
لقد وجدت الإنسان أي إنسان ضعيفاً هشاً يسير على شفا جرف هار ، ففي لحظة واحدة قد ينهار العالم من حولك ، فتجد نفسك وحيداً وقد تركتك الدنيا بزخرفها وزينتها .
ومهما كنت غالياً لدى من أحبك ، فأنت في النهاية لست إلا إنساناً يتقلص الاهتمام بك يوماً بعد يوم ، ولا يستطيع أي شخص أن يتحمل عنك اي عبء ، والحياة تسير وتمضي ، وأنت لا زلت على قيدها ، ومع مرور الأيام يتأقلم من حولك على وضعك ، وتعود وحيداً متألماً ...وحدك .
لقد وجدت أن متاع الدنيا وقدرك فيها مهدد بالانهيار ، فرب أموال تكبدت في عناء جمعها سنيناً وأياماً ، ورب مكان قبادي سعيت شهوراً للوصول إليه ، ورب أعمال تطلعت للقيام بها ، ورب مقتنيات عانيت في جمعها ، كلها قد تضيع في لحظة مرض أو ألم أو عجز أو مصيبة .
والمعنى أن كل شيء ذي قيمة في حياتك قد يضيع جراء لحظة مرض أو كارثة تصيبك .
لقد وجدت أن الإنسان هيناً ، وأن قوة أي فرد ومكانته لا تتأتى لأي فرد مهما كانت درجة عبقريته وألمعيته وذكاؤه أو حتى خلقه إلا بتسخير الله عز وجل للناس له ، ولو فكر أي إنسان ملياً لوجد أنه لو هان على هؤلاء الناس المسخرين لخدمته لما بقي منه شيء ، بل سيصير ظلاً لكيان لا يغني ولا يسمن من جوع .
لقد وجدت أنني وحيد .. رغم كل من حولي .. وحيد ... رغم كل المكالمات التليفونية والزيارات المنزلية .. وحيد ... رغم أسرتي وأولادي وأبي وأمي وإخوتي وأصدقائي .... وحيد
الكل ينظر إليك وفي عينيه الألم وربما الشفقة وربما الحسرة ... ولكن أحداً منهم لا يدرك كنه آلامك ولا عذاباتك ، ولا يستطيع حتى إن أراد أن يرفع عنك من آلامك أي قدر يسير .
وعندما وسعت نظرتي قليلاً وجدت أن كل شيء نسبي .. المحسوسات والمدركات والمشاعر .. سألت نفسي سؤالاً فلسفياً .. هل ما أراه بعيني هو نفسه ما يراه غيري ، وهل معاني مثل الحب والكره والعذاب والألم لها ذات الدلالة والشعور لدى كل منا ..
وجدت أن الجواب يقتضي أن أدخل داخل شخص آخر أرى بعينيه .. وأسمع بأذنيه .. وأدرك بعقله .. وأشعر بقلبه . وهذا مستحيل ...
وكما أن هذا المستحيل مؤكد فإنه من المستحيل كذلك أن يدخل شخص آخر إلى داخلي ليشاركني أحزاني وآلامي وأفراحي وأتراحي ومشاعري ..
وجدت نفسي وحيداً في عالم الكل فيه أصبح ديكوراً .. متاعاً ... لا يشعر أي منهم بك ولا تشعر أنت بهم .
وجدت أن الله عز وجل هو الوحيد الذي يعلم حالي .. سروري وحزني .. مشاعري وآلامي وعذاباتي .
وحين أمعنت النظر وجدت أن الله عز وجل هو الذي بيده وحده رفع الآلام .. ودرء الأحزان .. وزيادة السرور .. ومنح النعم .. هو الذي بيده الغفران والرحمة .. الفضل والمنة ...
وحده لا إله إلا هو ...
آآآآآآه يا إلهي ...
لكم قرأت قرآنك وحفظته ، ولكم ناجيتك ودعوتك ، ولكم آمنت بما قلت في كتابك وعلى لسان نبيك صلوات الله وسلامه عليه ...
ولكني في النهاية كنت جاهلاً ظلوماً جهولاً كفار ...
كنت أومن بما تقول ولكني لم أشعر بهذا الوجود الغامر لله .
وجدت نفسي في هذا الكون وحدي .... أنا وربي ... فقط .
فجلست ونمت واستيقظت أتأمل ملكوته ... أمضيت وقتاً طويلاً في الحديث مع الله ..
آآآآآه يا ربي .
أنت الحنان المنان واهب النعم وموجد الوجود .
كيف آآسف على ما ضاع مني وأنت الواهب
وكيف أفرح بما أتيتني وأسعد بالمخلوق ولا أفرح بالخالق ..
أدركت معنى قوله تعالى : " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون "
فالفرح يتأتى بفضل الله على منه ونعمته وليس بالشيء الذي منحك إياه .. فماذا يمثل هذا الشيء مهما بلغ إلى جانب قيمة أن الله عز وجل تفضل عليك أنت ...
أدركت معنى قول الله تعالى : " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم "
أدركت معنى قوله تعالى : "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو "
هو كاشف الغمم والمحن ، مسبب الأسباب .
أدركت معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله .. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك .. وإذا اجتمعت على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك .. رفعت الأقلام وجفت الصحف "
صدقت يا سيدي يا رسول الله ..
وجدت أن من وقف بجواري في محنتي .. ليس من تربطني بهم الروابط المنفعية والمصالح ، بل وجدت كل من وقف بجواري من نشأت صداقتي وعلاقتي معه في الله ولله .. دون أن يبتغي مني أو أبتغي منه نفعاً ولا طمعاً ولا ضراً ..
آآآآآآه إلهي .
عرفتك حقاً .. فهل تقبلني .
اللهم آمين
وكان في نفسي كلام لم أقله بعد ...
تقبلوا جميعاً خالص مودتي ومحبتي