لولا دا سيلفا : بين الزعامة الحقيقة و الزعامة ""التعبيرية""


تدور اليوم في البرازيل رحي معركة انتخابية في البرازيل لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد ان قضي الرئيس الحالي فترتين رئاسيتين فقط رافضا تعديل الدستور - مع قدرته علي ذلك لشعبيته الجارفة - مفسحا المجال امام جيل اخر و فكر جديد

خالي من اي حكمة رئاسية فيما يبدو ...


تري ما هي انجازات الرجل لبلاده منذ عام 2002 الي الان ..






لولا دا سيلفا: الحلم البرازيلي

لم يكمل تعليمه الأساسي بسبب الفقر وعمل ماسح أحذية وبائع خضار وقطع إصبعا في مصنع ليصبح أول رئيس برازيلي من الطبقة العمالية



فازت البرازيل بشرف استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016 وكان في منافستها دول مثل إسبانيا واليابان والولايات المتحدة الأميركية. كانت تلك اللحظة «تتويجا» لصعود البرازيل على المسرح الدولي كقوة اقتصادية وسياسية وثقافية. «الصعود البرازيلي» ليس وليد اللحظة، بل هو صعود بدأ منذ نحو عقدين من الزمان، حتى أصبحت البرازيل «نموذجا» في أميركا اللاتينية وقوة إقليمية تلعب دورا محوريا في قضايا القارة. والآن تنفتح البرازيل لتلعب دورا في قضايا العالم ليس أقلها عرض البرازيل التوسط في ملف سلام الشرق الأوسط أو الملف الإيراني. فمن وراء ذلك الصعود ومن يلعب دورا في تأسيس البرازيل كقوة محورية في أميركا اللاتينية والعالم؟. الإجابة تشمل الكثير من الأسماء من قادة سياسيين ورجال أعمال ومثقفين وحتى لاعبي كرة القدم. فكل هؤلاء شاركوا في «صنع صورة» البرازيل كما نعرفها اليوم. ومن هؤلاء الرئيس البرازيلي لويس إناسيو لولا دا سيلفا، الرجل ذو الميول اليسارية الذي دمج اقتصاد بلاده مع الاقتصادات العالمية والذي انتُخب رئيسا للبرازيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، كمرشح عن حزب العمال، ليصبح أول رئيس يساري ينتمي إلى الطبقة العاملة، آتيا من العمل كماسح للأحذية بضواحي ساوباولو، وصبيا بمحطة بنزين، وخراطا، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار. فمن هو ذلك الرجل الذي أسهم في جعل بلاده ضمن أقوى الاقتصادات والقوى الإقليمية المحورية في أميركا الجنوبية والذي يقول إنه فيما يتعلق بسياسته الخارجية، يتبنى سياسة خارجية براغماتية، ويرى نفسه مفاوضا وليس أيديولوجيا؟ لولا دا سلفيا متحدر من أسرة فقيرة من شمال شرقي البرازيل. ويعد لولا، والتي تعني بالبرتغالية الكالمار أو الحبّار وهو نوع من السمك (أطلق دا سيلفا هذا الاسم أثناء حملته الانتخابية عام 1982)، من أبرز الزعماء السياسيين الذين خرجوا من رحم الفقر والتهميش إلى قمة هرم السلطة في بلادهم. وُلد لولا في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1945، بمدينة كارانهونس الواقعة في ولاية برنامبوكو الفقيرة شمال شرقي البرازيل، حيث عاش الهنود الحمر آلاف السنين، قبل أن يأتي البرتغاليون، ليختلطون معهم، ويتزوجوا منهم. واليوم، تتكون أغلبية سكان الولاية من «ميستيزو» (الخليط الأسمر). لكن توجد أقليات بيضاء وسوداء وحمراء. ويشير «سيتيس»، اسم المدينة التي ولد فيها دا سيلفا، إلى قبيلة من قبائل الهنود الحمر. وهو الطفل السابع لعائلته المكونة من ثمانية أطفال.

وحسب كتاب «لولا البرازيل»، الذي كتبه ريتشارد بورن، كانت طفولة «لولا»، كما في عنوان الجزء الأول من الكتاب: «قاسية وصعبة». اجتماعيا، لأنه ولد في منطقة فقيرة. وعائليا، لأنه ولد في عائلة غير مستقرة. كان واحدا من سبعة أولاد وبنات. وبعد أسبوعين من ولادته، سافر والده، مع بنت عمه، إلى ساوبولو (عاصمة البرازيل التجارية) بحثا عن عمل. وعندما طالت المدة، ولم يعد، ولم يرسل أخبارا، اعتقدت الوالدة أنه عثر على عمل، وانتقلت، مع الأولاد والبنات إلى ساوبولو. لكنها فوجئت بأن زوجها تزوج بنت عمه، وعرفت أنهما كانا يعيشان قصة حب سرية منذ سنوات.

واضطرت العائلة أن تسكن في غرفة واحدة في منطقة فقيرة في المدينة، غرفة خلف ناد ليلي، تنبعث منه موسيقى صاخبة، وشتائم سكارى. وقد أسهمت الأم أريستيديس بشكل كبير في تربية وتكوين شخصية دا سلفيا، ولذلك يعترف لولا قائلا «لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون». بدأ لولا دراسته في سن مبكرة، غير أنه توقف عن التحصيل الدراسي في مستوى الخامسة من التعليم الأساسي، بسبب المعاناة الشديدة والفقر الذي أحاط بأسرته، الأمر الذي اضطره إلى العمل كماسح للأحذية لفترة ليست بالقصيرة بضواحي ساوباولو، وبعدها صبيا بمحطة بنزين، ثم خراطا، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار، لينتهي به هذا الحال كمتخصص في التعدين، بعد التحاقه بمعمل «فيس ماترا» وحصوله على دورة لمدة ثلاث سنوات. وفي سن الـ 19، خسر لولا أصبعه الصغير في يده اليسرى في حادث أثناء العمل في مصنع قطع غيار للسيارات، الأمر الذي دفعه للمشاركة في اتحاد نقابات العمال ليدافع عن حقوقه وحقوق زملائه.

وقد تحقق ذلك في أوائل العشرينات من عمره عندما دخل لولا العمل النقابي وتفوق فيه بفضل أخيه فريرا دا سيلفا. واستطاع لولا أن يحتل منصب نائب رئيس نقابة عمال الحديد جنوب ساوباولو بدلا من أخيه الذي انسحب من منصبه عام 1967. وفي عام 1978 انتخب لولا رئيسا للنقابة والتي كانت تضم آنذاك 100 ألف عامل، من معظم مرافق صناعة السيارات في البرازيل مثل فورد، فولكس فاغن، تويوتا، مرسيدس بنز، وغيرها.

بدأت حياة لولا السياسية حينما دفعه حبه ونشاطه في العمل النقابي إلى تأسيس أول حزب عمالي في العاشر من فبراير (شباط) عام 1980 برفقة العديد من المثقفين والسياسيين، وهو حزب «دوس ترابالهادوريس» أو حزب العمال، وهو حزب يساري ينتمي للأفكار التقدمية التي تفجرت في خضم الديكتاتورية العسكرية في البرازيل، لكنه اعتقل في العام نفسه لمدة شهر بسبب الإضرابات التي قامت بها النقابة العمالية.

وفي عام 1984 انضم لولا للحملة التي تطالب بإجراء تصويت شعبي مباشر لانتخابات الرئاسة البرازيلية آنذاك، حيث كان الرئيس في ذلك الوقت ووفقا لدستور عام 1967، ينتخب عبر الكونغرس، وقد نجحت الحملة وتم إجراء أول انتخابات عام 1989 بالاقتراع الشعبي المباشر.

وحصل لولا على مقعد في الكونغرس في انتخابات عام 1986، ومنه دخل المنافسة على منصب رئيس للجمهورية في انتخابات عام 1989، غير أنه انهزم أمام منافسه «كولور».

هزيمة لولا عام 1989 دفعته للمنافسة مجددا لكنه فشل أيضا في الوصول لهذا المنصب الرفيع أعوام 1994 و1998. إلا أن عدم نجاحه في الانتخابات الرئاسية ثلاث مرات متتالية، لم يثنه عن التقدم للترشح مرة أخرى. إلى أن انتُخب رئيسا للجمهورية في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، بعد حصوله على أكثر من 51 مليون صوت (62%)، ليصبح أول رئيس يساري ينتخب منذ إنشاء جمهورية البرازيل في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1889.

أعيد انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2006 بعد أن فاز بـ 60% من أصوات الناخبين في الجولة الثانية، بعد أن أخفق في حسم الانتخابات من جولتها الأولى، وبالتالي أصبح رئيسا للجمهورية حتى 1 يناير (كانون الثاني) 2011.

ورغم نفيه المستمر، تنتشر بين الحين والآخر تكهنات حول احتمالية قيام دا سيلفا بتعديل الدستور كي يتمكن من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2010 للمرة الثالثة على التوالي.

ويتمتع لولا بشعبية كبيرة بين البرازيليين خاصة الفقراء منهم؛ ولذلك يطلقون عليه «نصير المحرومين» أو «بطل الفقراء»، حيث استطاع أن يقنع العديد من رجال الأعمال والطبقة المتوسطة بالالتفاف حول الفقراء، كما وضع برامج اجتماعية أسهمت إلى حد كبير في التحسينات الأخيرة التي تشهدها البرازيل. لكنه أيضا واجه انتقادات كبيرة بسبب فضائح الفساد المتكررة والتي تستفيد بها مجموعات خاصة في الدولة وشخصيات من حزبه.

دوليا، يعد لولا الرئيس الأكثر نشاطا لمحاربة الجوع عالميا، ويعتبره الكثير من التقارير خبيرا في مجال الاقتصاد برغم افتقاره للخلفية الأكاديمية، وقد اقترح لولا تمويل برنامج لمكافحة الفقر من خلال فرض ضريبة على مبيعات الأسلحة في العالم، كما ينتقد باستمرار الاتجاهات الحمائية في التجارة، ويحمل الدول الصناعية الكبرى سبب الأزمة المالية العالمية الحالية، وقد دعاها إلى أن تتحمل مساعدة الدول الفقيرة من أجل تجاوز تداعياتها.

أما فيما يتعلق بسياسة لولا الخارجية، فهو يتبنى سياسة خارجية براغماتية، ويرى نفسه مفاوضا وليس أيديولوجيا، ونتيجة لذلك، فقد جمعته علاقة صداقة بالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وحاليا يتمتع بعلاقات جيدة مع الرئيس باراك أوباما والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. ويعد حصول البرازيل على مقعد كعضو دائم في مجلس الأمن هدف لولا الرئيسي في السياسة الخارجية. كما يعد الالتفات نحو منطقة الشرق الأوسط، وتوطيد علاقاته مع العالم العربي، توجها رئيسيا لدى الرئيس لولا، ولذلك فهو يعتبر «مهندس قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية» التي انطلقت في برازيليا عام 2005، وله العديد من المواقف الجيدة في دعم القضية الفلسطينية، وتنديده بالعدوان الإسرائيلي المستمر، وسعيه الدائم لأن يكون له دور أكبر في المساهمة في إحلال السلام في الشرق الأوسط.

حياة لولا الأسرية لا تختلف كثيرا عن معاناته السابقة فقد تزوج عام 1969 من ماريا دي، التي توفيت بسبب التهاب الكبد الوبائي عام 1970، ثم تزوج المرأة الثانية «ماريزا ليتسيا لولا دا سيلفا» عام 1974 والتي أصبحت السيدة الأولى في البرازيل، وأنجب منها خمسة أبناء هم على الترتيب: ماركوس كلاوديو، لوريان، فبيلة لويز، سانترو لويس، لويس كلاوديو.

نال لولا العديد الجوائز والأوسمة، أبرزها وسام الاستحقاق البرازيلي، ووسام الصليب الجنوبي، جائزة أمير أستورياس للتعاون الدولي عام 2003، الشخص الوحيد في أميركا اللاتينية الذي ورد اسمه في قائمة الـ 50 الأكثر نفوذا من زعماء العالم، كما حاز من اليونيسكو على جائزة «فيليكس هوفويه ـ بوانيي للسلام» لعام 2008، بفضل أعماله في السعي من أجل السلام والحوار والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، وكذلك لمساهمته القيمة في القضاء على الفقر وحماية حقوق الأقليات.

ويوم الثلاثاء الماضي نشرت مجلة «برازيل» التي تصدر في ريو دي جانيرو، أن لولا يصر على عدم إلغاء زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، التي حدد لها يوم الأحد، رغم الحملة الإعلامية المكثفة، والمظاهرات في عدد من المدن، واعتراض عدد كبير من أعضاء الكونغرس البرازيلي. وقالت المجلة إن للزيارة هدفين: أولا: وساطة دا سيلفا بين نجاد والرئيس الأميركي باراك أوباما، وذلك بحكم العلاقة القوية التي نمت أخيرا بين أوباما ودا سيلفا. ثانيا: معرفة مصير استثمارات شركة «بتروبراز» النفطية البرازيلية في إيران، بعد أن تعرضت الشركة إلى ضغوط أميركية بوضعها في قائمة الإرهاب إذا لم توقف نشاطاتها هناك.

هل يقدر دا سيلفا على التوسط؟ هل سيستفيد من مزحة كان قالها في واشنطن عندما جاء ليهنئ أوباما بعد تنصيبه رئيسا: إن الرجلين «ميستيزو»، وهي كلمة برازيلية تعني خليطا من بيض وسود، إشارة إلى أن أغلبية سكان البرازيل، مثل أوباما، خليط من بيض وسود.

نجحت الوساطة أو لم تنجح، صار واضحا أن بين الرجلين علاقة من «نوع خاص». وأنها ستساعد دا سيلفا على النهوض بالبرازيل، التي، رغم أنها من دول العالم الثالث، وتعاني ما تعاني، تتقدم سريعا نحو العالم الأول. وفي الشهر الماضي، خرج البرازيليون من منازلهم وأماكن أعمالهم إلى الشوارع، يحتفلون باختيار ريو دي جانيرو لدورة الألعاب الأولمبية سنة 2016 (فازوا على الأميركيين، رغم أن أوباما نفسه ذهب إلى الدنمارك للدعاية لشيكاغو، مدينته). لكن، بعد ذلك بشهر، بقي البرازيليون في منازلهم وأماكن أعمالهم لأن التيار الكهربائي انقطع لست ساعات عن ريو دي جانيرو، وعن أكثر من خمسين مليون شخص، هم ربع السكان. وسألت جريدة برازيلية على صدر صفحتها الأولى: «ماذا لو كانت الألعاب الأولمبية بدأت أمس؟» ورد وزير الكهرباء: «لن يخذلنا اتيبو». هذه إشارة إلى سد «أتيبو»، أكبر سد لتوليد الطاقة الكهربائية في العالم، على نهر بارانا، بين البرازيل وأوروغواي. وقال الوزير «تقدر البرازيل التي بنت أكبر سد كهربائي في العالم، على استضافة أكبر منافسة رياضية في العالم».

وهكذا، في جانب، تتطور البرازيل وتتقدم نحو دول العالم الأول، وفي الجانب الآخر، لا تزال مع دول العالم الثالث.

«بيم فندو أو برازيل» (مرحبا بكم في البرازيل، باللغة البرتغالية، لغة البلاد الرسمية) هكذا تتم تحية من يدخلون تلك البلد القارة، فالبرازيل هي الأولى في أميركا الجنوبية حجما وهي تتربع في قلب القارة، وتجاور أغلبية دول القارة. وهي الأولى في القارة سكانا (200 مليون شخص). وهي الأولى في القارة اقتصادا (والعاشرة في العالم). وهي الأولى في القارة إنتاجا وإطلاقا للصواريخ (تتعاون مع ناسا، وكالة الفضاء الأميركية).

وهي الأولى في القارة استضافة للألعاب الأولمبية، سنة 2016. وهي الأولى في كأس العالم لكرة القدم (قبل ثلاث سنوات). وكانت الأولى خمس مرات خلال خمسين سنة. وربما ستكون الأولى سنة 2014، عندما تستضيف هي نفسها منافسات كأس العالم لكرة القدم. وهي وطن بيليه ورونالدو.

وربما أهم من ذلك كله، هي الأولى في العالم في التنوع السكاني (ولهذا، في الانفتاح الثقافي). هي قبل الولايات المتحدة، حيث تظل هناك تقسيمات عرقية، وحيث يمتلئ التاريخ بمشكلات عرقية. والسبب الرئيسي هو أن الأوروبيين المسيحيين البروتستانت (خاصة من بريطانيا)، الذين أسسوا الولايات المتحدة، فرقوا بينهم وبين الأفارقة السود والهنود الحمر، بينما الأوروبيون المسيحيون الكاثوليك (خاصة من البرتغال)، الذين أسسوا البرازيل، تزوجوا من الأفارقة السود والهنود الحمر. لهذا، اليوم، رغم أن نصف السكان تقريبا يقولون إنهم بيض، تتبع الأغلبية لخليط أسود وأبيض (مولاتو)، أو أبيض وأحمر (كابوكلوس)، أو أسود وأحمر (كافوزو). ويسمون كلهم «ميستيزو» (خليط). إلى هؤلاء ينتمي دا سيلفا.

وبعد فوز أوباما، كان أول رئيس من أميركا الجنوبية يزوره. وفي واشنطن، تندر بأن الأميركيين يقولون إن أوباما أول رئيس أسود، لكنه، في الحقيقة، نصف أبيض ونصف أسود. وأن أوباما «براون» (أسمر)، أو «ميستيزو» (خليط، مثل أغلبية البرازيليين).

ولأن لولا أصيب بسبب إهمال صاحب المصنع الذي كان يعمل فيه، ولأنه عانى حتى وجد علاجا، انضم إلى نقابة عمالية بهدف تحسين أوضاع العمال. ولأن البرازيل، في ذلك الوقت، في الستينات، كانت تحكمها سلسلة من العسكريين الديكتاتوريين، بالتحالف مع مجموعة من الرأسماليين، تحول دا سيلفا نحو اليسار. لم يكن شيوعيا، لكنه كان اشتراكيا، آمن بتدخل الدولة في النظام الاقتصادي لحماية الأطفال وكبار السن والمحتاجين وصار بسبب أجندته هذه أول رئيس برازيلي من حزب العمال.

ومثل كثيرين من السياسيين المتطرفين يمينا أو يسارا، اعتدل دا سيلفا في برامجه السياسية بعد أن صار رئيسا للجمهورية. لكن، سبب ذلك غضب الجناح اليساري في حزب العمال، وانقسم الحزب، وكون اليساريون حزبين: حزب العمال الاشتراكي، وحزب الاشتراكية والحرية.

وفي سنة 2006، في الانتخابات الرئاسية، لم يحصل على أغلبية في دورة التصويت الأولى، لكنه فاز في الدورة الثانية. والآن، من قبل الانتخابات الرئاسية في السنة القادمة، قال إنه لا يمكن أن يعدل الدستور ليتمكن من أن يترشح للمرة الثالثة. وفي السنة الماضية قال لمجلة «برازيل» «قبل عشرين سنة، ناضلت، ودخلت السجن لمنع الرؤساء من أن يبقوا في الحكم أطول من المدة القانونية. كيف أسمح لنفسي أن افعل ذلك الآن؟» رغم اتهامات الفساد، واستقالة وزراء ومسؤولين كبار، وزيادة الجريمة في الأحياء الفقيرة للمدن الكبيرة، استطاع دا سيلفا أن يرفع مستوى البرازيل في المجالين الاقتصادي والسياسي.

في السنة الماضية، وضعته مجلة «نيوزويك» الأميركية في قائمة «غلوبال إيليت» (الصفوة العالمية). وقالت «عندما فاز النقابي العمالي دا سيلفا أول مرة، ارتجف رأسماليون وغضب يمينيون. لكنهم، بعد فترة غير طويلة، تنفسوا الصعداء». وأضافت «كانت البرازيل على شفا الهاوية، وهي الآن تتمتع بفائض يزيد على مائتي مليار دولار، وأقل نسبة غلاء في العالم الثالث. شكرا لسياسة لولا الاقتصادية».

وجاء في كتاب «لولا البرازيل» أن قصة الرجل صارت حلم ملايين الفقراء والعمال والبؤساء، ليس فقط في البرازيل، ولكن في كل العالم. وأن «هذا السياسي التقدمي، الذي كان عاملا في مصنع حديد، صار رئيسا لأكبر وأقوى دولة في أميركا الجنوبية والوسطى».

وفي الأسبوع الماضي، كتب مؤلف الكتاب رأيا عنوانه «ما هي حدود انتشار نجم لولا؟»، إشارة إلى أنه بعث الأمل في قلوب البائسين. وقال «يقف لولا في جانب الحرية والفقراء. رغم أننا دخلنا القرن الحادي والعشرين، تظل هذا مبادئ تستحق التقدير».

وقال إنه، عندما تقابل دا سيلفا وأوباما في قمة الأميركيتين في أبريل (نيسان) الماضي، لاحظنا أن هناك «علاقة خاصة» تربط بينهما، وأن أوباما تندر قائلا «لولا أكثر شعبية منى. إنه أكثر شعبية في كل الكرة الأرضية».

لكن، أشار ريتشارد بورن إلى أن «النظام البرازيلي ليس جنة». وقال إن هناك مشكلات كثيرة، خاصة الجريمة في الأحياء الفقيرة في المدن. هذا بالإضافة إلى فضيحة قرار أعضاء الكونغرس البرازيلي بمضاعفة رواتبهم. وأن دا سيلفا لم يعارض ذلك كثيرا، حتى واجه ضغطا شعبيا في الإعلام والشوارع.

وعن سنوات حكم حزب العمال، قال «في اختبار حكم العمال للدول، لم ينجح الحزب كثيرا، لكنه نجح قليلا. في جانب، واجه اتهامات الفساد، وفي الجانب الآخر، صار واقعيا، وقلل من تطرفه، وتحالف مع غير العماليين». وأضاف «ليست البرازيل جنة. تظل المناورات والتحالفات، ويظل التعاون المريب بين السياسيين ورجال الأعمال. في هذه الناحية، لم تتغير البرازيل كثيرا». بسبب إنجازات دا سيلفا في المجال الاقتصادي. تعتبر البرازيل أكبر دولة اقتصادية في أميركا الجنوبية، والعاشرة في العالم. ويعود ذلك إلى:

أولا: حجم كبير (الأكبر في أميركا الجنوبية). ثانيا: ثروات طبيعية كثيرة (خاصة في حوض نهر الأمازون، ثاني أكبر أنهار العالم، بعد نهر النيل. لكنه يضخ ماء يساوي ماء النيل خمسين مرة).

ثالثا: عمالة رخيصة (يوجد فرق كبير بين الأغنياء والفقراء). في الوقت نفسه، بسبب كثرة السكان (200 مليون، الأكبر في أميركا الجنوبية) تعتبر البرازيل، حسب تقرير لصندوق النقد العالمي (في واشنطن) قوة شرائية كبيرة. لهذا، بقدر ما يعتمد الاقتصاد على الإنتاج والتصدير، أيضا، يعتمد على الاستهلاك المحلي.

تصدر البرازيل ربما كل شيء؛ من طائرات عسكرية ومدنية إلى قهوة وعصير برتقال. في سنة 1999، كاد الاقتصاد البرازيلي ينهار (مع انهيار اقتصادات دول أخرى في شرق آسيا)، واضطرت البرازيل لاقتراض ثلاثين مليار دولار من صندوق النقد العالمي (حتى ذلك الوقت، كان أكبر قرض في تاريخ الصندوق). لكن، عاد الاقتصاد البرازيلي قويا، واستطاع البنك المركزي أن يدفع كل القرض قبل موعده. لهذا، صارت البرازيل هدفا لكثير من المستثمرين، بنوكا ومؤسسات مصرفية. وفي السنة الماضية أعلن دا سيلفا أنه الاقتصاد البرازيلي مائتا مليار دولار في السنة (لكن، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، يتوقع أن ينخفض خلال هذه السنة).

وأوضح تقرير صندوق النقد العالمي أن المستثمرين الأجانب معجبون بتنوع اقتصاد البرازيل، خاصة في منطقة نهر الأمازون، حيث الأخشاب والصلب والبترول. ومعجبون بتوفر النفط (أخيرا، اكتشفت حقول جديدة، ربما تجعل البرازيل قادرة على الانضمام إلى الدول المصدرة للنفط، أوبك). ومعجبون أيضا بالطاقة البديلة، خاصة المائية و«اثانول» (من السكر). وتعتبر البرازيل الثانية بعد الولايات المتحدة، إنتاجا له، والأولى تصديرا له.

في أغسطس (آب) الماضي، ذهب دا سيلفا إلى محطة وقود في مدينة ساوبولو، تابعة لشركة «بتروبراس»، ذات اللون الأخضر (إشارة إلى الطاقة «النظيفة»)، وملأ سيارة بالطاقة، وأعلن أنه لم تعد في كل البرازيل سيارة تسير بالجازولين فقط، وأن كل السيارات صارت تستعمل «اثانول»، أو مخلوطا مع الجازولين.

وأيضا، أعلن أن 95 في المائة من السيارات التي تباع في البرازيل من النوع الذي يستخدم الوقود الجديد. وفي السنة الماضية، وصفته مجلة «إيكونوميست» البريطانية بأنه «براغماتي: بين بوش وشافيز» (إشارة إلى الرئيس الأميركي السابق، ورئيس فنزويلا). وفي الحقيقة، كان صديقا للرئيسين. وفي سنة 2007، حاول التوسط بينهما بعد أن جاء شافيز إلى نيويورك، وألقى خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصف فيه بوش بأنه «شيطان»، ولم تنجح الوساطة. وفي هذه السنة، يحاول دا سيلفا التوسط بين أوباما والرئيس الإيراني أحمدي نجاد. نجحت الوساطة أو لم تنجح، صار واضحا أن دا سيلفا أثبت أنه قادر على تقريب المتناقضات.



نقلا عن