السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على رسول الله ونبيه محمد الأمين , أما بعد , قدر الله
لي سبحانه وتعالى أن أتناول في سلسلة خطب موضوع عن مشاهد يوم القيامة , ذلك اليوم الرهيب
الذي يبدأ بنفخ إسرافيل في الصور ,
أيتها العظام النخرة أيتها اللحوم المتناثرة قومي لفصل القضاء بين يدي الله رب العالمين
وتحدثت في هذه السلسلة عن الحشر والعرض وتطاير الصحف والميزان وأصحاب الأعراف وعن
مشاهد أخرى وصفها لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ومنها هذا الحديث الرهيب
الذي رواه بن ماجه رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله عز
وجل هباءً منثوراً" .. قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلِّهم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا
نعلم ... قال: "ألا إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ... ولكنهم أقوام
إذاخلوا بمحارم الله انتهكوها".
وحدث أني ذهبت بعد عدة أيام من خطبة الجمعة قبل الماضية لأشتري بعض الأشياء للأولاد من
أحد المحلات القريبة من المسجد , وحدث أن صاحب المكان أثنى على الخطبة , وقال لي إن
فلان ( أحد المصلين ) مريض من يوم الجمعة , ولما سألته لماذا قال منذ أن سمع حديث "
لأعلمن أقواما من أمتي ......" فقلت له كلنا هذا الرجل
الإخوة الأفاضل ,الأخوات الفاضلات
يصيبني الخوف كلما أردت أن أتحدث أو أخطب في هذا الموضوع، يرعبني قول الله تعالى:
"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب؟! .. أفلا تعقلون؟! ويزيد من خوفي
قوله تعالى: "يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم رحمهما الله عن أسامة بن زيد
رضي الله عنه : "يُؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما
يدور الحمار بالرحى .. فيجتمع إليه أهل النار ويقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمرنا المعروف
وتنهانا عن المنكر؟" .. فيقول: بلى .. كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
فأقول لنفسي يجب إن تنصح نفسك قبل أن تسدي النصيحة لغيرك، علها تنتصح فترتدع، فأنا كل
خطبة في المقدمة أذكر قول الله تعالى في أول ءاية في سورة النساء , إن الله كان عليكم رقيبا
وأكررها ثلاث مرات
اللهم لاتجعلنا جسرا يعبر الناس عليه إلى الجنة ثم يلقى به في النار
اللهم يامن تعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور طهر أعيننا من الخيانة وطهر ألسنتنا من الكذب
والغيبة والنميمة , وطهر أموالنا من الحرام , وطهر بيوتنا من الشياطين , وطهر أعمالنا من
الرياء , وطهر قلوبنا من الحقد والحسد
يانفسي تذكري أن الله يقول "واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه تذكري يانفسي أن الله
يراك وهو القائل "وهو معكم أين ما كنتم" .
قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرّسنا في بعض
الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: "يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم" .. فقال: إني
مملوك، فقال: "قل لسيّدك أكلها الذئب" ... قال الراعي: " فــأيــن الله؟ " ... قال: فبكى عمر، ثم
غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: "أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن
تُعتقك في الآخرة".
إخوتي وأخواتي في الله إنها [mark=#dffa96]مراقبة الله عز وجل، [/mark]درجة من درجات ارتقاء العبد إلى ربه
سبحانه ..
قال ابن المبارك رحمه الله لرجل: "راقب الله تعالى"؛ فسأله عن تفسيرها، فقال: "كن أبداً كأنك
ترى الله عز وجل".
هل تعلمون قصة عبد الله بن المبارك رحمه الله , التقي الورع
إن شئت أن تعرف فاقرأ معي الأسطر القادمة
عبد مملوك أرسله سيده إلى بساتين له ليحفظها في سفره، فبقي شهرين ثم جاءه سيده وقال: ائتني
بقطف عنب ... فجاءه بقطف فإذا هو حامض ... فقال : ائتني بقطف آخر إن هذا حامض .. فأتاه
بآخر فإذا هو حامض ... قال : ائتني بآخر .. فجاءه بالثالث فإذا هو حامض .. فغضب وقال : ألا
تعرف حلوه من حامضة ؟ ... فقال العبد: "والله ما أرسلتني لآكله .. وإنما أرسلتني لأحفظه
وأقوم على خدمته ... والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة !!! والذي لا إله إلا هو ما
راقبتك ولا راقبت أحداً .. ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء !!" ...
فأعتقه وزوجه ابنته ... فولدت طفلاً أسمياه عبد الله .. إنه عبد الله بن المبارك المحدث الزاهد
العابد.
سُئل ذو النون: بم ينال العبد الجنة؟ فقال: بخمسٍ: "استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه
سهو، ومراقبة الله تعالى في السر والعلانية، وانتظار الموت بالتأهب له، ومحاسبة نفسك قبل أن
تحاسب".
كان لبعض المشايخ تلميذ شاب وكان يكرمه ويقدمه .. فقال له بعض أصحابه: كيف تكرم هذا وهو
شاب ونحن شيوخ ... فدعا بعدة طيور وناول كل واحد منهم طائراً وسكيناً .. وقال: ليذبح كل واحد
منكم طائره في موضع لا يراه أحد .. ودفع إلى الشاب مثل ذلك وقال له كما قال لهم .. فرجع كل
واحد بطائره مذبوحاً ورجع الشاب والطائر حي في يده ... فقال: ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك ..
فقال: "لم أجد موضعاً لا يراني فيه أحد، إذ الله مطلع عليَّ في كل مكان".
حكى الإمام الغزالي في الإحياء عن أبي سليمان الداراني قال: "كنت غلاماً حدثاً، وكان خالي رجلاً
صالحاً، فقال لي يوماً: إذا أويت إلى فراشك فقل سبع مرات (الله معي .. الله ناظري .. الله مطلع
عليَّ) .. قال: ففعلت .. ثم قال لي اجعلها عشراً، ثم أمرني أن أقولها عندما أستيقظ، ثم قال: قلها
وقت كذا وكذا ... حتى جرى بها لساني .. فقال: (يا غلام .. من كان الله معه وناظره ومطلع
عليه .. أيعصيه؟!) .. قال أبو سليمان: فما تعمدت معصية لله بسر أو علانية من يومها"
ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب