الموضوع: عـــاجـــل .. بيان هام من شاب مصري بعد قليل

كتب – محمود مصطفي كمال

أيها الأخوة المواطنون، أنا لا أحدثكم اليوم في ظرف صعب علي الإطلاق، بل أنه ظرف يفرض علينا أن نعلو برؤوسنا فخراً، أحدثكم في الأيام التي سنحكي عنها لأولادنا، أحدثكم بعد أن أثبتنا أننا المصريين الحقيقيين، إكتب يا تاريخ.


لقد عرفتموني وأنا بينكم في الزحام، أضع الـheadphone في أذني لتمنع فيروز عني صوت ساعة الذروة، وأنا أضرب واحد مانجة من عند فرغلي في ليل القاهرة السهران، وعندما أتوقف في كمين يصر علي أن بحوزتي مخدرات لمجرد أنني شاب، فلا أجد إلا أن ألعنه علي فيس بوك.

لقد قررت أن أخرج عن صمتي، وحددت لذلك يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي، خرجت وخرج معي الملايين من أبناء جيلي الغاضبين، وأبناء الأجيال السابقة الذين فشلوا في أن يفعلوا مثلنا علي مر ثلاثين عاماَ ولم يستطيعوا سوي أن يمشوا بداخل الحيط وليس حتي بجانبه، فقرروا أن يدخلون في الزحام بيننا بعد أن كانوا يصفوننا بأننا جيل فاسد وتافه.

لم نردد مطالب جهة أو حزب، ولا إخوان ولا برادعي ولا كفاية ولا أي شئ، رددنا مطالبنا الشخصية، البسيطة القليلة الواضحة المشروعة، أكسبنا ميدان "التحرير" معني لإسمه، معذرة يا جيل أبائنا نحن نريد أن نعيش حياتنا بعد أن سلمتونا مجتمعاَ "ملط"، نريد أن نعيش لا أن نتعايش، نريد أن يكون كل منا إنساناَ لا أن يتظاهر بذلك، نريد أن نعيش في مجتمعاَ نقياَ بعد أن خنقنا فسادكم.


لقد أثبتنا للعالم كله، ولأنفسنا أولاَ، أننا لسنا شعباَ سلبياَ، لقد أجبرنا نظاماَ علي أن يسقط في أسبوع، أتحدث عن نظام سقط رجاله عندما قرر الشعب ذلك ورأي إن "كفاية كدة"، لم يعد الإصلاح إختياراَ وإنما صار حياة أو موت، لم تعد مطالب شعب مصر ورقة في درج عليها تراب، وإنما صارت ذات صوت عالي يصم من يحاول تجاهله، لم نخف ونعود للبيت، فبماذا أفادكم المكوث في البيت طوال ثلاثون عاماَ؟


ظن البعض أن الفوضي والبلطجة قد تستطيع أن تفسد هذه الثورة النبيلة علينا، لن أسمح بذلك! حتي ولو تعاون ضدي أعظم كتاب سيناريو هوليوود من أجل تفريغ ما يحدث من مضمونه أو لجره لحرب أهلية أو حرب شوارع.

لن يجرؤ بعد اليوم أن يقول أحد المطحونين مننا نحن معشر الشعب المصري المطحون "أصل ده شعب ........!!"، لأننا جميعاَ رأينا معدننا الحقيقي في المحنة وبوضوح تام وبعد سقوط جميع الأقنعة، لقد رأينا كيف إستطعنا أن نحمي بيوتنا وشوارعنا بأيدينا العارية، لقد رأينا كيف نستطيع أن نؤمن لأنفسنا حماية أفضل من حماية وزارة الداخلية نفسها، رأينا من معنا ومن علينا من جميع الفئات بوضوح، نظمنا أنفسنا بدون فيس بوك وإنترنت وتليفون محمول.

إن محمود مصطفي كمال الذي يحدثكم اليوم لم يحارب في حرب أكتوبر، لكن الجميع يعرفون الظروف التي تسلمت فيها المسئولية .. مسئولية أن أكون شاباَ مصرياَ .. في ظروف –قبل 25 يناير- من فساد وظلام وسواد وحاجة كدة أستغفر الله العظيم .. ولكنني مصرياَ .. وسأموت علي أرض هذا الوطن .. ولن أفرط في حقوقي التي هي حقوقكم جميعاَ.

نحن لسنا شعباَ سلبياَ ولا جاهلاَ ولا بلطجي ولا محدث ديموقراطية ولا "تيت" من الصفات التي إعتدنا أن نصف أنفسنا بها، ولكننا عشنا داخل نظام يخرج مننا أسوأ ما فينا، يخرج أسوأ ما في النفس البشرية، ولكننا شاهدنا معاَ الفساد وهو يسقط، وأخرجنا أحلي ما فينا وتخلصنا من جميع عقدنا النفسية.

إنني أؤكد، وبصرف النظر عن الظرف الحالي، أنني لم أكن أنتوي أن أعري أمريكا أمام العالم بهذا الشكل، وأن أثبت أنها لا تجري وراء حقوق الإنسان والعدالة إلخ إلخ .. بقدر ما تجري وراء إستقرار مصالحها، ولا أن أثبت للعالم أن إسرائيل المتجبرة ترتعب عندما يصحو المصريون "مديين بوز ومش في المود"، ولكنه القدر العادل الذي يظهر الحق مهما طال الظلم والزمن.

نحن جيل 25 يناير الذي يحمل راية جيل 6 أكتوبر في جلب الحرية، نحن الجيل الذي قال "لا"، نحن الجيل الذي ثبت علي موقفه، نحن الجيل الذي دافع عن أرضه وعرضه بأيديه العارية ولم يخف عندما سمع أن من هم أتون لنهبه يحملون الرشاشات الألية التي صار سماع صوت طلقاتها عادياَ لنا طوال هذه الأيام، بل وقاومها الكثيرون مننا بالفعل، نحن الجيل الذي وقف بمفرده أمام المدرعة، نحن الجيل الذي سقط منه مئات الشهداء الأطهار وهو يدافع عن حريتي وحريتك.

أيها الأخوة المواطنون، هذه هي مصر الحقيقية، وهذه هي الثقة التي إكتسبناها في أنفسنا بعد أن عرفنا أن مصيرنا بأيدينا بجد مش كلام، وبعد أن عرفنا أننا نستطيع أن نقرر .. ونفعل ما قررناه .. ونحمي أنفسنا من تبعات هذا القرار .. لقد عرفنا أن الحرية طعمها حلو .. فلا تتذوقوا غيرها طوال حياتكم، فمن يخاف من الحرية من أجل الإستقرار لا يستحق لا الحرية ولا الإستقرار.

وحياة كل شاب ودعنا في باكر حياته إلي جنة الشهداء .. وحياة دموع كل زوجة وأم وأخت علي من فقدته .. وحياة كسرة قلب كل طفل تيتم بعد أن رحل والده الشهيد البطل الذي دافع عن حريتك "أنت" .. وحياة كل قطرة دماء علي أرض ميدان التحرير، لا تنسي عمرك ما حدث، تحرر من غسيل المخ.


عش بروحه كل لحظة، تذوقه، إفخر به، لا تتنازل، أنت أحد أفراد الشعب العظيم، إستثمره من أجل أن تقفز لا مجرد أن تتقدم، لا تكن سلبياَ ولا تكن فاسداَ بعد اليوم ولا تشجع فساداَ ولو بكلمة، وتذكر كل هذا من أجل أن نمضي جميعاَ ببلدنا إلي الأفضل بفضل هذا الشعب العظيم.



حفظ الله هذا الوطن .. والسلام عليكم ورحمة الله.