ده تحليل للتعديلات الدستورية التي تمت في 2005 و 2007
التحليل من كتب كبار اساتذة القانون الدستوري وهو خاص بي
تعديل م 76 في 2005 ومثالب التعديل
فى 25 فبراير 2005 تقدم رئيس الجمهورية يطلب لتعديل المادة 76 من الدستور، وأحيل الاقتراح إلى اللجنة العامة بمجلس الشعب لإعداد تقرير عن مبدأ التعديل، وقد خلصت اللجنة إلى الموافقة على التعديل من المبدأ، وفى التاسع من مارس أقر المجلس تقرير اللجنة العامة، ووافق على مبدأ التعديل محيلا التقرير إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعداد صياغة للمادة المطلوب تعديلها (المادة 76) وتلك المراد إضافتها ( المادة 192 مكررا) مع عرض التقرير أيضاً على مجلس الشورى لإبداء الرأى فيه وتقدم بعض أعضاء مجلس الشعب باقتراحات لرئيس مجلس الشعب حول التعديل أحيلت للجنة العامة.
وفى 5 أبريل عقدت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية اجتماعا اطلعت فيه على رأى مجلس الشورى بشأن التعديل، وقررت عقد جلسات استماع لبعض أساتذة القانون الدستورى، وممثلى الصحف والنقابات والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى لحقوق الإنسان والأحزاب السياسية الممثلة فى المجلس وعدد من الشخصيات العامة، ورؤساء بعض الجامعات. وتلى ذلك تشكيل لجنة فرعية من هيئة مكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعداد صياغة التعديل .
وفى الثامن من مايو 2005 وافقت اللجنة على الصياغة المعدة من قبل اللجنة الفرعية بأغلبية أعضاءها ولم ينصرم أكثر من يومين حتى عقد مجلس الشعب جلسة عامة لمناقشة موضوع التعديل، ليقره بموافقة 405 عضوا. ولإكمال الإجراءات الدستورية طرح النص المقترح على الاستفتاء، وكالعادة فى دول العالم الثالث، جاءت النتيجة بالموافقة بأغلبية وصفت بأنها كاسحة، وبتلك الموافقة أصبح اختيار رئيس الجمهورية يجرى بالإنتخاب لا الاستفتاء.
....* ولكن السؤال يثور إذا ما كان التغيير فى الشكل قد امتد إلى المضمون، من خلال تمهيد السبل أمام الراغب فى الترشيح لهذا المنصب؟ أم أن الأشتراطات تتراكم لنجعل المنافسة على المنصب محدودة، مما يجعلنا فى وضع أقرب إلى تغيير المظهر دون الجوهر ؟
* وحتى نستطيع الإجابة على السؤال يجب أن نحلل عبارات النص أولاً:
وفقا للمادة 76 بعد تعديلها "ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر ويلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المرشح 250عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للحافظات على إلا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى وعشرة من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل، ويزداد عدد المؤيدين للترشيح من أعضاء كل من مجلسى الشعب والشورى ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة على عدد أعضاء أى من هذه المجالس، وفى جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح وينظم القانون الإجراءات الخاصة بذلك كله ، وللأحزاب السياسية التى مضى على تأسيسيها خمسة أعوام متصلة على الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح واستمرت طوال هذه المدة فى ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها فى آخر انتخابات على نسبة 5% على الأقل من مقاعد المنتخبين فى كل من مجلسى الشعب والشورى أن ترشيح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العيا وفقا لنظامها الأساسى متى مضى على عضويته فى هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل.
واستثناء من حكم الفقرة السابقة يجوز لكل حزب سياسى أن ترشيح فى أول انتخابات رئاسية تجرى بعد العمل بأحكام هذه المادة أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسى حتى 10 مايو 2005. وتقدم طلبات الترشيح إلى لجنة تسمى "لجنة الانتخابات الرئاسية" تتمتع بالاستقلال وتشكل من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا وأقدم نواب رئيس محكمة النقض وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة وخمسة من الشخصيات العامة المشهود لها بالحياد يختار ثلاثة منهم مجلس الشعب ويختار الاثنين الآخرين مجلس الشورى وذلك بناء على اقتراح مكتب كل من المجلسين وذلك لمدة خمس سنوات ويحدد القانون من يحل محل رئيس اللجنة أو أى من أعضائها فى حالة وجود مانع لديه ، وتختص هذه اللجنة دون غيرها بإعلان فتح باب الترشيح وبالإشراف على إجراءات وبإعلان القائمة النهائية للمرشحين وتقوم بالإشراف العام على إجراءات الاقتراع والفرز وتتولى تحديد نتيجة الانتخاب وإعلانها كما تختص دون غيرها بالفصل فى كافة التظلمات والطعون وفى جميع المسائل المتعلقة باختصاصها بما فى ذلك تنازع الاختصاص، وتضع اللجنة لائحة لتنظيم أسلوب عملها وكيفية ممارسة اختصاصاتها وتصدر قراراتها بأغلبية سبعة من أعضائها على الأقل وتكون قراراتها نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة كما لا يجوز التعرض لقراراتها بالتأويل أو بوقف التنفيذ ويحدد القانون المنظم للانتخابات الرئاسية الاختصاصات الأخرى للجنة كما يحدد القانون القواعد المنظمة لترشيح من يخلو مكانه من أحد المرشحين لأي سبب غير التنازل عن الترشيح فى الفترة بين بدء الترشيح وقبل انتهاء الاقتراع ، ويجرى الاقتراع فى يوم واحد وتشكل لجنة الانتخابات الرئاسية اللجان التى تتولى مراحل العملية الانتخابية والفرز على أن تقوم بالأشراف عليها لجان عامة تشكلها اللجنة من أعضاء الهيئات القضائية وذلك كله وفقا للقواعد والإجراءات التى تحددها اللجنة ويكون انتخاب رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة لعدد من أدلو بأصواتهم فإذا لم يحصل أى من المرشحين على هذه الأغلبية أعيد الانتخاب بعد سبعة أيام على الأقل بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات فإذا تساوى مع ثانيهما غيره فى عدد الأصوات الصحيحة اشترك فى انتخابات الإعادة وفى هذه الحالة يفوز من يحصل على أكبر عدد من الأصوات ، ويتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية حتى لو تقدم للترشيح مرشح واحد أو لم يبق سواه بسبب تنازل باقى المرشحين أو لعدم ترشيح أحد غير من قام به المانع وفى هذه الحالة يجب أن يحصل المرشح على الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم وينظم القانون ما يتبع فى حالة عدم حصول المرشح على هذه الأغلبية .
ويعرض رئيس الجمهورية مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية العليا بعد إقراره من مجلس الشعب وقبل إصداره لتقرير مدى مطابقته للدستور، وتصدر المحكمة قرارها فى هذا الشأن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ عرض الأمر عليها فإذا قررت المحكمة عدم دستورية نص أو أكثر من نصوص المشروع رده رئيس الجمهورية إلى مجلس الشعب لإعمال مقتضى هذا القرار، وفى جميع الأحوال يكون قرار المحكمة ملزما للكافة ولجميع سلطات الدولة، وينشر فى الجريدة الرسمية خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره.
1- بداية نشير إلى أن الاستثناء من قيد تأييد عدد من الأعضاء المنتخبين من قبل مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية والذى أتيح لأعضاء الهيئات العليا للأحزاب ، كان قصرا على انتخابات 2005 ، وبالتالى استنفد عرضة ولم يعد لتناوله الآن فائدة.
وإذا تغاضينا عما سبق فان هناك أكثر من ثغرة يتحملها تعديل المادة 76، وسنقتصر على إيراد أبرزها فى السطور التالية:
2- تمت المبالغة فى تقديم تعديل المادة76 وكيف أنها تسمح لأول مرة فى التاريخ الدستورى المصرى باختيار رئيس الجمهورية من خلال انتخابات تنافسية، مما يرسخ دعائم الديمقراطية ويشد من بنيانها. ووجه المبالغة الأول يثبته تبنى أكثر من دولة عربية لنظام انتخاب رئيس الدولة ( اليمن- الجزائر- تونس- السودان)، ولا يعقل والحياة النيابية فى مصر تعود لعام 1866 أن نظل نطبق أسلوب لا يسمح للناخب باختيار حقيقى لمنصب رئيس الدولة، وهكذا يبين أن هذه الخطوة تختلف عن موعدها، وكان الأحرى تقصى أسباب تأخرها لا الاندفاع فى التهويل من شأنها. أما وجه المبالغة الثانى، فيرجع إلى أن المادة 76 لا يمكن – فى الفهم الديمقراطى السليم- عزلها عن المادة 77 والخاصة بمدة رئيس الدولة وإذ قضت الأخيرة بإمكانية تولى الرئاسة لمدد غير محددة، فقد أوصدت –تقريبا- سبل التداول السلمى للسلطة مما يضعف أثر طريقى الأختيار، مهما اتسعت دائرة المنافسة بين المرشحين.
3- تظهر جزئية التعديل ومحدوديته على مستوى آخر ، فالتعديل انصرف إلى أسلوب الاختيار ، ولم يتطرق للاختصاصات شديدة الاتساع المعهود بها الرئيس، ولا شك أن اختيار رئيس الجمهورية عن طريق انتخابات مباشرة يزيد من نفوذه سياسيا مما يعظم الخلل فى تنظيم السلطات العامة، ويرتب النتائج تنافى تعزيز الديمقراطية كهدف معلن لعملية التعديل الدستورى.
4- اجتهدت النصوص فى تضييق فرص التقدم للانتخابات الرئاسية سواء بالنسبة للأحزاب أو المستقلين ، فينبغى بداية للحزب الراغب فى تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة أن يكون قد مضى على تأسيس الحزب نفسه مدة خمس سنوات متصلة على الأقل قبل فتح باب الترشيح، وهذا الشرط لا يخلو من محاذير ، فإنشاء الأحزاب بيد لجنة شئون الأحزاب التى يسيطر عليها الحزب الحاكم، ورئيسه هو رئيس الجمهورية، وهكذا يكفى رفض إنشاء الحزب ، مما يدفع أصحاب الشأن إلى طرق باب التقاضى، وانتظار الوقت اللازم لإصدار الأحكام وهو ما قد يعرض الحزب لفقد ضابط السنوات الخمس .
وعلى افتراض أن الحزب اجتاز شرط المدة ، فان العقبة التالية ستوقف سريعا مبادرته للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية فالدستور يفرض للاعتداد بتلك المبادرة حصول الحزب على 5% على الأقل من مقاعد المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى ، وهذه النسبة فى المجلسين معا، يتعذر فوز اى حزب بها.
5-علاوة على ما سلف تحدد دائرة اختيار الحزب بأعضاء هيئته العليا الذين مضى على عضويتهم مد عام على الأقل . فهل يمكن – بعد ذلك – مساندة الزعم بدعم م76 مشاركة الأحزاب فى الحياة السياسية؟
6- ضعف فرص الترشيح وتعدد الحواجز تواجه أيضاً المرشح المستقل الذى يتعين عليه الظفر ب65 توقيعا من أعضاء مجلس الشعب و25 من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين يضاف إلى ذلك تأييد عشرة أعضاء من كل مجلس محلى موزعة على 14 محافظة على الأقل بحيث يصل مجموع التوقيعات إلى 250 توقيعا، علما بأنه لا يجوز – طبقا لصريح نص الدستور – لأي عضو بالمجالس المشار إليها تأييد أكثر من مرشح.
وهكذا وزع الشارع التأييد المقتضى بين مجالس متنوعة الطبيعة. فالنص بعد تطلب تزكية عدد من أعضاء مجلس الشعب أى السلطة التشريعية عاد وألزم المرشح بالفوز بتزكية نسبة من أعضاء مجلس الشورى وهو جهة استشارية، وأخيرا يتعين الحصول على دعم من عدد من أعضاء المجالس الشعبية المحلية وهم يتبعون السلطة التنفيذية، وهذا التنوع لا نتيجة له إلا تعليه الحواجز أمام كل من توافرت لديه إدارة المشاركة فى حلبة سباق الانتخابات الرئاسية . ناهيك عن ارتفاع عدد التزكيات المقررة.
ولا أدل على أننا بصدد قيد أكثر منه ضمانة أن أى مرشح مستقل لم يوفق فى الحصول على أى توقيع من المجالس المحددة نصا.
7- من مستحدثات المادة 76 إنشاء لجنة الانتخابات الرئاسية، والموكول إليها الإشراف على العملية الانتخابية من إعلان فتح باب الترشيح حتى إعلان النتيجة والفصل فى كافة التظلمات والطعون الخاصة بذلك، وهذه المهمة بعيدة المدى وكانت تتطلب ضمانات من حيث التشكيل و إلا تحتمى قرارتها بحصانه غير مبررة، ولم يف تنظيم اللجنة الرئاسية بأيا من هذين الضمانين.
فمن حيث التشكيل : تسمح الأوضاع الحالية بتسرب تأثير الحزب الحاكم إلى عضوية لجنة الانتخابات الرئاسية،فتلك اللجنة تضم فى عضويتها خمسة من الشخصيات العامة يختار ثلاثة منهم مجلس الشعب ويختار الاثنين الآخرين مجلس الشورى وذلك بناء على اقتراح مكتب كل من المجلسين ومكتب مجلس الشعب وكذا الحال فى مجلس الشورى يتكون من رئيس المجلس والوكيلين، ولا تصدر قراراته إلا بموافقة رئيسا المجلسين .
إذن المتحكم عملا فى عملية اختيار الشخصيات العامة لعضوية لجنة الانتخابات الرئاسية هما : رئيسا مجلسى الشعب والشورى والذى يفيد الواقع أنهما عادة من أقطاب الحزب الحاكم .
8- المثالب لا تقف عند التشكيل ، وإنما تتجاوزه إلى قرارات اللجان: إذ تنص المادة 76 على أنها "غير قابلة الطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة" وهكذا عدنا للتقيد المتبع فى الماضى بتحصين القرارات الإدارية ضد الطعون القضائية ، فلإزالة وصمه وأد حق الطعن على الأعمال الإدارية غير المشروعة، نصت المادة 68 من الدستور على عدم جواز "تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء".
وبدون أى أسباب مقبولة فتحت المادة 76 ثغرة فى المبدأ السابق، باستثناء قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية من الخضوع للرقابة القضائية. وهذا المسلك معيب، فالدستور غايته حماية الحقوق وصيانة الحريات، ليس فقط بإقرارها، وإنما أيضاً بتوفير آليات وأدوات ضمانها، ولا غرو فى أن الحماية القضائية أبرز هذه الأدوات وأنجح تلك الآليات، الأمر الذى يجعل النص الدستورى فى وضعه الحالى يتناقص والغاية المرجوة منه.
من هنا يتكشف أن الدستور الحالى لا يتناقض مع الواقع فقط، وإنما مع نفسه أحياناً، وهو ما يظهر أن أى محاولات لرتقه لن تؤت ثمارها، ومن الأوفق وضع دستور جديد يراعى المعطيات الآتية، بدلا من قهر النصوص لتماشى وضعا لم تعد تحتمله، ولم تكن مهيأة له.
المفضلات