الموضوع: نيجي للجد , شهادة تفصيلية دكتور هندسة من ميدان التحرير , بجد اللي تفوته خسران

صاحب الشهادة كان معيد و انا في الكلية و بقى حاليا دكتور على حد علمي , و انا ناقل الشهادة مباشرة من بروفايل الفيس بوك بتاعه

بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنعم الله علي بعظيم فضله بأن قضيت ليلة كاملة في ميدان التحرير
أسأل الله أن يرزقني أجرها وأن يرزقني الاخلاص في سبيله

أول ليلة لي في مثل هذا النوع من الجهاد مع الهواجس التي تصيب النفس من الخوف مما قد يحدث

وهذه مجموعة من النقاط المتفرقة
ولكن عذرا بأن أكتب كل ما جال بخاطري حتى مما أرى أنه قد لا أحكيه في المواقف الطبيعية
فالتجربة مثيرة جدا ومختلفة جديرة بالتوثيق
وأسأل الله الإخلاص




رحمة الله وتوفيقه منذ البداية - اختيار الطريق
-------------------------------------------------
عندما دخلت محطة المترو أنا وصاحبي للذهاب للتحرير كنا مترددين أين يكون البلطجية بحيث لا ندخل من مكانهم فيصيبنا منهم أذى أو يتم منعنا من الوصول للتحرير. وجاء فرج الله سريعا فعندما دخلت المحطة جاء المترو فورا والتقيت بصديق قديم دون موعد (لا أقول مصادفة فليست كذلك وإنما تدبير من الله) فإذا به يسلم علي سريعا ويقول إنه ينتظر صديق آخر له. المترو بابه مفتوح وأتركه في ثواني لأدخل المترو قبل غلق الباب فإذا به ينادي علي "إنزل محطة الأوبرا" دون أن أسأله
هكذا رزق الله تعالى الكريم من حيث لا تحتسب
وبالفعل كان الطريق من محطة الأوبرا للتحرير سلس جدا


الدخول
--------
كان الزحام شديدا في الدخول للتفتيش المتكرر مع الأعداد الكبيرة من الوافدين ولكن كانت فرصة لي ولصاحبي الذي أتيت معه لنتناقش وأقول له أني أريد أن أخلص النية وعلي التركيز في ذلك فإذا به يقول لي ادع بدعاء الاستخارة
استغربت في البداية ولكن قمت بالدعاء بكل تركيز في كل لفظ وتدبر
فإذا بالدعاء يلخص حالي الذي به بعض التخوف والتردد

الهم إني أستخيرك بعلمك
وأستقدرك بقدرتك
وأسألك من فضلك العظيم
فإنك تقدر ولا أقدر
وتعلم لا أعلم
وأنت علام الغيوم
اللهم إن كان هذا الأمر فيه خير لي
في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
فاقدره لي
ويسره لي
ثم بارك لي فيه
اللهم وإن كان في هذا الأمر فيه شر لي
في ديني ومعاشي وعاقبة أمري
فاصرفه عني واصرفني عنه
واقدر لي الخير حيث كان
ثم أرضني به

قلت الدعاء في هدوء وروية وأنا استحضر كل كلمة فكأني لم أقرأه من قبل
فنزلت السكينة لقلبي وقلت لنفسي أن أحسن الظن بالله فسييسر لي الخير بإذن الله
ولم أكد أنتهي من الدعاء انفرج الطريق المزدحم وتحركت الناس بسرعة
لا أعلم لماذا ربما قرروا أن يلغوا احدى لجان التفتيش واكتفوا باللجان التي تليها فهم كثير

فاستبشرت خيرا وقلت إن المؤمن يستبشر دائما بالخير




اللجنة الأخبرة وصلاة الجمعة
-------------------------------
آخر لجنة كانت مزدحمة جدا جدا وتلاصقت الناس في تكوين مزدحم جدا لم أكن أطيقه قبل ذلك
ولكن هذه المرة مختلفة فالناس على قلب رجل واحد الكل مبتسم يهتف ويردد سويا مع الذين بجواره ولربما يلتفت لجاره فيداعبه بجملة ويتبادلان الضحك دون أي معرفة مسبقة
ضحكات صافية وحماس شديد أنساني أي ضيق من الزحام الشديد

ونودي لصلاة الجمعة فجلس كل منا مكانه على الأسفلت نستمع لخطبة جميلة تحث على قول الحق
والخطبة كانت قصيرة أو شعرت بأنها قصيرة فهي تحكي ما بداخل كل منا
وقمنا إلى الصلاة صلينا الجمعة وتلاها العصر جمع تقديم
وكان شعوري بالصلاة غير كل صلاة فأنا أصلي في هذا المكان في الشمس والزحام داخلا إلى مكان قتل فيه بالأمس القريب عشرات الشهداء الذين قتلوا لقول كلمة حق عند سلطان جائر

أثناء آخر لحظات الدخول حصل بعض التدافع فتعصبت على شخص يحاول الاندفاع ليدخل أولا فاحتديت عليه منفعلا
"إيه اللي بتعمله ده؟"
ولم يكد صوتي يرتفع حتى انهالت علي النصائح
استحمل وما تزعلشي وهكذا

وأفضل نصيحة سمعتها على الإطلاق
احتسب عند الله وتصدق بكل ما تتأذى به في هذا اليوم
فما لبثت أن خجلت من نفسي وقلت ألا أتحمل أخ أخطأ وأنا أعلم أنه جاء مثلي ليقول كلمة حق عند سلطان جائر
وعندها قررت ألا أفقد أعصابي أبدا وأن أي أذى أحتسبه عند الله




ميدان التحرير
=======
دخلت إلى الميدان فإذا المكان مختلف تماما عما بخارجه
كان هناك فسحة في المكان للتحرك ولكن هناك تكتلات بشرية في أماكن متفرقة
- مجموعات جالسة في الجنائن أمام مسجد عمر مكرم
- مجموعات واقفة تستمع إلى قصائد أو إلى أغاني
- مجموعات تقف تتناقش حول الوضع السياسي والكل يدلو بدلوه وبعضهم لا يعرف الآخر تماما ولكن القلوب كلها متفقة وإن اختلفت التفاصيل
- مجموعات تمسك بالدف وتغني أغاني ضد النظام
- مجموعات تتحرك يتقدمها شخص أو أكثر ممن يهتفون هتافات تعبر عما يدور بقلوب الكثير منا

ترى الأزياء من كل شكل ولون
أناس منتقبات ومحجبات وغير محجبات
رجال بجلباب وملابس رياضية وملابس كاجوال وبدل
شباب وأطفال وكبار
ولكن الأغلب من الشباب

اتسع لهم الميدان جميعا
بل والأعظم اتسعت صدورهم لبعض جميعا

واكتشفت أن الكل يمكنه التعايش سويا رغم الاختلاف
بل ويمكنه التعاون والوقوف صفا واحدا للوصول لهدف عظيم

فعلى الرغم من الاختلاف فالكل يسعى لهدف واحد
ولا يرى أحد أن الوقت مناسب لعرض الاختلاف أو مناقشته
وتذكرت كيف عاش المسلمون الأوائل بعد فتح الأمصار مع كل الطوائف والثقافات
بل وحاربوا جنبا إلى جنب

إن الاسلام لا يعني النفر من الآخر
بل كل طرف حر مادام يحترم الطرف الآخر
والمسلم هنا عليه أن يكون قدوة في حسن التعامل وأن يدعو للإسلام بأعظم طريقة ألا وهي أن يكون قدوة ومثلا ليرى الجميع جمال وروعة هذا الدين

وللحديث بقية إن شاء الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا هو الجزء الثاني من مذكرات ليلة في سبيل الله
أسأل الله أن يرزقني أجر هذه الليلة وأن يرزقني الاخلاص

بعد الدخول مع صديقي إلى ميدان التحرير
بدأنا في الحركة لنتفقد الميدان بكل اختلافاته

لترى لا فتات صغيرة يجملها أصحابها لتعلن ما قي قلوبهم والكثير حريص على اضافة بسمة مع التعليق
فمنهم من يحمل لافتة "بلا امشي علشان عايز أروح أستحمى وأنااااام" ومنهم من يحمل لافتة "يلا بقة امشي علشان أرجع أصلح ورق الطلبة - توقيع استاذ جامعي"

الكل موجود يبتسم ويحيي كل منه الآخر بل ويفترشون الأرض جنبا إلى جنب لا فارق بين أستاذ جامعي وعامل بسيط
مشهد مؤثر فالكل لا يهمه نفسه ولا ترى الحرص على اظهار الذات وتميزها مثلما تراه في الشارع
فلطالما رأيت في الشارع أناس يتبخترون في خيلاء وكل ما يهمهم أن يظهر بمظهر الشخص المتميز



ولكن هنا في الميدان لا أرى هؤلاء
أرى أناس مختلفة. أناس تمنيت أن أراها طوال حياتي تملأ الشوارع المصرية
فرزقني الله أن أرى أكثر من مليون منهم في مكان واحد

مالبثنا أن بحثنا عن مكان نجلس فيه
فجلسنا على الرصيف أنا وصديقي
وقررنا أن نتدبر ونتدارس سويا بعض آيات القرآن من مصحف نحمله
وأثناء هذا تدخل معنا رجل بجوارنا ما لبث أن قام ملقيا السلام مبتسما
الكل مبتسم الكل صادق في شعوره نحو الآخر



ثم ذهبنا إلى حديقة فجلسنا على الأرض نكمل وجاء أثناء حديثنا أحد الناس الذين أعرفهم (درست لهم من قبل) وسلم علي وبدأنا في الحديث وانضم لنا من يفترش الرض بجوارنا وتعرفت عليه بأنه دكتور رياضيات بالجامعة
وكان الحديث عن كيف أن النظام يراوغ ويخدع الناس بإعلام كاذب
وكان الأسف لمن يصدقونه ويطلبون من الناس ترك الميدان الآن لنخرج بمكاسب وهمية تنقلب إلى كوارث إذا استمر هذا النظام


وكان الحديث وديا جدا يتخلله بعض الضحكات
ثم بدأ الناس في أكل الطعام
من الناس من جاء بعلبة كشري ليأكلها والدكتور بجواري رأيته معه رغيف من الخبز ولم أرى غيره معه يأكله
لم أكن مستعدا للأكل فأنا أفضل أن آكل بعض الحلوى فقط كل فترة لتمدني بالطاقة



وكل من حولي طلب مني أن أشاركه الطعام القليل الذي معه
والدكتور بجواري ظل يطلب مني أن آخذ جزءا من رغيف الخبز الذي معه
رفضت مبتسما وأنا أتذكر الاعلام المصري العظيم الذي يصور الناس تأكل وجبات كنتاكي
:)



استمر الحديث حتى قرب غروب الشمس
وقمت أنا وصديقي لنأخذ جولة أخرى ما لبثنا أن توجهنا للخروج من الميدان لكي أوصل صديقي فهو لا ينوي المبيت
أثناء الخروج صاحبتنا الابتسامات من المنظمين راجين أن نعود لهم قريبا
( لم أكن أعلم حينها أن الاعلام صور أن الاخوان يمنعون الناس بالسلاح من الخروج ويهددونهم وبالمناسبة الاخوان المسلمون لهم تواجد هناك ولكن كأي طائفة من طوائف الشعب فالكل ممثل هناك)



قررت أن أعود بعد توصيل صديقي فاستريت بعض اللب والسوداني مع زجاجة مياه غازية
وكنت أقصد باللب والسوداني أن تكون وسيلة لتخفيف التوتر إن أصابني وأنا أجلس وحيدا

ولكن هيهات أن أجلس وحيدا فما لبثت أن رأيت اثنين ممن أعرفهم جلست معهم
ووجدت صديقا لي لم أره منذ زمن وهو يبيت منذ فترة وعنده خبرة في المبيت وظروف الميدان
أدركت تماما خطأ تفكيري بأنه سأقضي وقتي وحيدا وسط هذا الميدان

قضيت وقتا رائعا أتحدث مع من أعرفهم أحاديث كثيرة بعضها له علاقة بكلية الهندسة وبعضها عام في الحياة وبعضها بالطبع حول الموقف الحالي

ثم جاءتني مكالمة من زوجتي
فإذا بها تسألني
هل الناس عنك كلهم بذقون؟
استغربت وقلت مبتسما كلا بالطبع
سألتني ثانية
هل كل الموجودون هناك اخوان؟
ضحكت فهي تعرف أنني لست من الاخوان
ثم قلت لها أنا أرى الآن فتاة بشعر مموج وبنطلون جينز
رد أحد بجواري ضاحكا لا تقول لها هذا حتى لا تطلب منك الرجوع للمنزل


وأدركت بالطبع أن هذه المكالمة أساسها الاعلام
ثم قالت لي أن الاعلام يقول أن الإخوان يسيطرون على الميدان ويمنعون الناس بالسلاح من الخروج والعودة
وأن الايرانيين موجودون بآلاف قطع الأسلحة في الميدان
فصحكت ساخرا ألا يجدون كذبا أفضل من هذا الهراء

ثم جاءت لصديق ممن معي نفس المكالمة تماما
فعلمت أن الاعلام ينشر تلك الهراءات بقوة

ما أقلقني هو لماذا يفعلون ذلك هل يستعدون للاقضاض على الميدان ويمهدون للناس لتقبل المذبحة؟
!!!!
ما لبثت أن أزحت هذا التفكير من عقلي حتى لا يصيبني القلق

جولة في الميدان مع صديق لي الذي يبيت منذ عدة أيام وهو يشرح لي أين وقع الشهداء يوم الاربعاء ومن أين كان يأتي البلطجية
وأثناء المرور زرت نقطة طبية وكان المشهد رائعا أطباء شبان من خيرة شباب هذا البلد يعملون بهمة ويلبسون المعاطف البيضاء ويمكتوب على معطف كل منهم اسمه وتخصصه الطبي
ما أروع هذا البلد وما أكرم الله ولطفه بهذا البلد أن رزقها مثل هؤلاء

ثم توجهت إلى الأطراف حيث أخطر المناطق وأقربها إلى البلطجية
فوجدت شبابا يقفون صفا واحدا ظهرهم للميدان وينظرون بعيدا بيقظة تاما يراقبون مجموعة بعيدة من البلطجية وكلهم همة وتحدي
وشرح لي صديقي أنه حين يقترب البلطجية يقوم هؤلاء الشباب بالتصدي بالحجارة على البلطجية وأيضا يدقون بقوة على أعمدة الانارة ليصنعوا صوتا رهيبا ينبه كل من في الميدان ليهرعوا إليهم لصد أي هجوم

وسمعتهم وهم يتبادلون الحديث عن ساعات تبديل الأفراد بنظام يبدو رائعا

استمرت هذه الجولة حتى قرب الساعة الحادية عشر مساءا تخللها صلاة المغرب والعشاء مع القنوت بالطبع في الصلاة
لتبدأ المرحلة الأخيرة والأهم وهي المبيت

وللحديث بقية إن شاء الله