أنا خالد ، يا سيادة الرئيس
أنا خالد ، يا سيادة الرئيس
وكتبه / خالد الشافعي
أنا خالد يا سيادة الرئيس ، تراك تذكرنى ؟ لا أظن ! بل لا أظن أنك تعرف شيئاً عنى ! سامحك الله يا سيادة الرئيس ! أنا خالد الذى كتبت لك مقالاً منذ شهور بعنوان : وأنا أيضاً يا سيادة الرئيس ، تراك قرأته ؟ طبعاً لا ، طبعاً لم تفرأه ، لم تقرأه ، كما لم تقرأ ألوف المقالات ، وكما لم تسمع ألوف النداءات ، وكما لم تهتم بألوف التحذيرات ، قطعاً لم تقرأه ، لأنك لو فعلت ، لربما ما كنا وصلنا لهذه اللحظة المرعبة ، يا سيادة الرئيس .
للأسف يا سيادة الرئيس ، لم تكن أذناك تسمع سوى صوت الملأ الفاسد ، الذين حجبوا عنك ما حجبوا ، وزينوا لك ما لم يحجبوه ، ضللوك يا سيادة الرئيس - هذا أحسن ظنى فيك - ضللوك ، وخدعوك ، وأغروك ، وشغلوك ، حتى أنك لم تسمع صفارات إنذار ، تصم الآذان ، وتطاردك حيث ذهبت ، لكنك لم تسمع ، أو سمعت ولم تكترث – ليس هناك كبير فرق الآن .
كانت صفارات الإنذار تدوى ، وترتفع ، وتتمدد ، وتتوغل ، وكانت رائحة الحرائق المدمرة ، تزكم الأنوف ، وألسنة اللهب تلفح الوجوه ، ومع ذلك، لم تفعل شيئاً – أى شىء - يا سيادة الرئيس .
عاتبتك فى مقالى ، على أنك وجدت من الوقت ما يسمح لك بأن تلتقى بممثل مغمور ، أدى دوراً تافهاً ، فى فيلم لا قيمة له ، ومع ذلك ، لما بلغك أنه يحلم أن يلقاك ، لم تُكَذب خبراً ، ولم ترد أن تكسر خاطره ، فلبيت طلبه ، وحققت له حلمه .
طلبت أنا أيضاً أن ألقاك ، وأخبرتك إننى لست مثله - ممثلاً - بل كل حكاياتى حقيقية ، ومأساوية ، ومهمة ، وملحة .
قلت لك ساعتها أننى لست أقل منطلعت زكريا ، ولا من شيخ العرب همام، أنا لست طباخاً، ولا طبالاً، ولا لاعباً مشهوراً،أنا صانع ماهر، وفلاح نشيط، وتاجر حاذق، ومخترع عبقري، وطبيب ذكي، ومهندس لا مثيللي، ومدرس موهوب، وفقيه متمكن، أنا من يحتاجه البلد، وينتفع به البلد، ويتقدم بهالبلد، أنا إنسان أحب هذا البلد وعلى استعداد أن أفعل كل ما تطلبه منىلأجله ، فقط أحتاج إلى فرصة ، أبى وأمى اللذان أنفقا أغلى أيامهما ، وأنفس أموالهما ، كى يحصل أبناءهما على تعليم عال ، يوفر لهم حياة كريمة ، ويؤمن لهم مستقبلاً معقولاً ، أبى وأمى ، يموتان من الحسرة ، موتاً بطيئاً ، وهما يشاهدان أبناءهما ، يتناولون أدوية الإكتئاب ، ويقتربون من الإنتحار - فى إنتظار فرصة - ربما لن تأتى أبداً ، ويزداد شعورهما بالقهر ، حين يلمحان فى الجريدة ، راتب لاعب كرة فاشل ، أو دخل راقصة هابطة .
وأكدت لك أنني لا أطلب الزيارة لنفسي فقط ، وإنما لأجل مصر ، مصر التى صارت أثراً بعد عين ، مصر التى صارت على شفا جرف هار، مصر التى يُقتل المرء فيها فى طابور العيش ، مصر التى لا يجد نصف شعبها الكفاف ، بينما هناك من ينفق فى حفل زواج ، ملايين من الجنيهات ، فالزهور من هولندا ، والطعام الساخن من باريس ، مصر التى فقدت مكانتها ، وريادتها ، وسيادتها ، مصر التى تصدر الغاز لإسرائيل ، مصر صفر المونديال ، مصر التى لا توجد لها جامعة فى تصنيف الجامعات المحترمة .
طلبت الزيارة لأجل جارى الذي يموت من الجوع ، و لأجلالنساء اللاتي أراهن كل يوم على مقالب الزبالة يجمعن الطعام لأولادهن، ولأجل عشراتالمعارف الذين ماتوا في حوادث طرق، أو قضوا بسرطان، أو فشل كلوي-عافانا اللهوإياكم-. طلبت الزيارة لأجل أولادي الذين لا يحصلون على تعليم جيد ولاهواء نظيف ولا ماء نقى. طلبت الزيارة لأجل الغد، وأخبرتك أن الغد مرعب مرعب يا سيادةالرئيس، الغد مخيف لي ولأولادي وربما لأحفادك يا سيادة الرئيس ، سبحان الله، لم أكن أرجم بالغيب ، بل كنت أرى ما كان الجميع يراه ، ويسمعه ، ويشمه ، تراك لم تلاحظ كل هذا ؟؟!!
أخبرتك أيضاً أن المئات من أبناءك يحلمون بهذا اللقاء ، ليبثوالسيادتك بعضاً مما يعتمل في صدورهم ، ويقصوا عليك بعضاً من حكاياتهم، التي تحتاج إلىكريم عنايتك. وذكرت لك منهم ، عشرات المعتقلين خلفالقضبان من أصحاب القضايا السياسية الملفقة ، وكثير منهم لم يخضع لأي محاكمة ولم يعطفرصة للدفاع عن نفسه، وكثير منهم صدرت بحقه عشرات الأحكام بالإفراج الفوري ومع ذلكترفض الأجهزة الأمنية تنفيذ أحكام القضاء ، وهو ما يمثل تحدى سافر لسيادة القانونالتي تؤكد عليها سيادتك في كل مناسبة، خاصة وأن كثيراً من هؤلاء يعانى من أمراضمزمنة ، ومنهم من له سنوات طويلة في ظلمة السجن. وإلى جانب هؤلاء فإنذويهم يحلمون هم أيضاً بلقاء الرئيس ليبثوا إليه همومهم وآلامهم وعذاباتهم التي لايعلمها إلا الله وكيف أنهم يعيشون بلا عائل ولا مصدر رزق بعد أن سُجن العائل وصودرتالممتلكات. ومن هؤلاء بدو سيناء الذين يتعرضون لبطش أمنى ليس له مثيل، ومنهمابن الرئيس محمد نجيب الذي انتهى به الحال أن يعمل سائق تاكسي في شوارع القاهرة ومعأن الرجل لم يشتكى ولا يجد في العمل مادام حلالاً غضاضة ولكنى مُصرٌ أن أصطحبه معيلأن هذا لا يليق بمصر يا سيادة الرئيس، لا يليق بها أن يكون ابن أول رئيس لها يكافحبهذه الصورة لأجل لقمة عيشه.
بناتك من المنتقبات اللاتي منعن من دخولالجامعة ، وأداء الامتحانات رغم أن معهن عشرات الأحكام القضائية ، وأنت من عودتنا علىسيادة القانون ، وأنه لا تدخل في أحكامه .أبناؤك من جماعات التيارالإسلامي ، يريدون أن يقابلوك ليثبتوا لك أنهم أعقل أهل هذا الوطن ، وأخوفهم عليه ، وأرحمهم به ، وأخلصهم له ، وأنهم ليسوا من التشدد ، ولا التزمت ، ولا التعصب فيشيء . الملايين أيضاً من حملات الشهادات العليا - بل والدكتوراه - ممن لم يجدوافرصة ، ولم يعينوا في الجامعات بسبب المحسوبية ، ومنهم من يعمل أعمال مهينة ، بعد أن أنفقأجمل سنوات حياته للحصول على هذه الشهادة ، وكل جريمتهم أنهم لم يتعلموا ركل الكرة ، أوهز الوسط ، أو التمثيل.
وقلت لك حينها : صدقني يا سيادةالرئيس ، في الوطن شرفاء كثيرون ، على استعداد لوقف أعمارهم ، وأموالهم ، وأوقاتهم لخدمةهذا الوطن ، وعلى استعداد لأن يكونوا رهن إشارتك ، على استعداد لفعل أي شيء ، ليعود هذاالوطن زهرة بلاد الإسلام يخرج فقهاء ، وعلماء ، وصناع ، وزراع ، وأدباء.
وأخبرتك أن كل هؤلاء على استعداد أن يبدءوا معك صفحة جديدة ، ويحملوك على الأعناق حتى آخر العمر،بشرط أن تعيد إليهم كرامتهم، وأن تضعهم على طريق الأمل، على استعداد أنينسوا كل شيء، ويبدءوا كألا شيء كان، فقط يشعروا أن البلد بلدهم، وأن خيرها لهم،وأن لديهم حد أدنى من الحقوق.
وذكرتك أن الناس فى مصر - كما تعلم - طيبون يا سيادة الرئيس،ناسك الذين خرجت منهم ، وتربيت بينهم طيبون، ومع أقل كلمة طيبة يسامحون، فقط كلمةطيبة، ولمسة حانية، وأمل، وسيغفرون كل شيء، ويبدءون من جديد.
الآن ضاع كل شىء ، الآن فات الآوان يا سيادة الرئيس ، وضاعت كل الفرص ، تساقطت الإختيارات واحداً تلو الآخر ، ولم يبق إلا خيار واحد : الرحيل ، من فضلك ، نستحلفك بالله ، نناشدك الله والرحم ، حقق لنا حلماً واحداً ، إستجب لنا مرة واحدة ، إستمع لنا فى العمر مرة ، تنازل عن عنادك ، من فضلك إرحل فى هدوء ، إرحل ، ولا تحاول أن تبتز مشاعرنا ، فأنت - وليس سواك- من أهدر عشرات - بل مئات الفرص - أنت وليس سواك هو من صم أذنيه ، وأغلق عينيه ، وكتم أنفه ، ومضى لا يستمع إلى أنات شعبه ، وصرخات ناسه ، أنت الذى أوصلتنا لهذه النهاية ، أنت من وضعت شعباً بالكامل على حافة حريق مدمر ، أنت من أوصلتنا إلى ما نحن فيه ، سامحك الله .
الآن تريد فرصة أخرى ؟ الآن تبحث عن تاريخ ؟ الآن صرت ودوداً فى حديثك ؟ الآن بعد ما فات الآوان ؟ صدقنى فات الآوان يا سيادة الرئيس ؟ بعدما احترق الوطن ، ورُوع الناس ونهبت البلد ، واقتتل الإخوة ، وصار فى يد أبناء الوطن ، سكيناً ، أو سيفاً ، أو رشاشاً ، الآن وقد عصيت قبل يا سيادة الرئيس ؟ الآن بعد ما نصحك ألوف الشرفاء ؟
إذهب و سيكون عندك من الوقت ما يكقى لتراجع ألوف المقالات ، التى كانت تصرخ فيك لتفعل شيئا ، لكنك لم تستمع إلا لصوت نفسك ، وأصوات منافقيك .
من فضلك كفى ابتزازاً لمشاعر الناس ، كان هذا ممكناً قبل بلوغ أرواحنا الحنجرة ، كان هذا ممكناً قبل الغرغرة ، أما الآن فمن فضلك ، لو سمحت ، إرحل ودعنا نغلق صفحتك ، دعنا نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه ، دعنا نصلح ما أفسدته سنواتك ، دعنا ننتشل بلادنا من وحل الضياع ، والغثائية ، والتفاهة ، والفشل ، دعنا نعيد للناس رشدهم ، دعنا نبدأ من جديد ، دعنا ولا تطلب منا صفحاً أو مغفرة ، إرحل ، ودعنا نطوى صفحتك ، ونبدأ من جديد لكن بدونك يا سيادة الرئيس .