مع صدور البيان رقم (5) أحست مصر بهبوب رياح التغيير الحقيقي، وتبادل المعتصمون في ميدان التحرير التهاني وقرروا إخلاء الميدان، إلا عدد منهم قالوا إن الميدان هو "المكان الأمين لنا بعد أن خرج عدد من زملاءنا واختفوا في ظروف غامضة".
وصدر البيان رقم (5)، الأحد 13-2-2011، من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم إدارة شئون البلاد عقب تنحي الرئيس حسني مبارك، وأعلن فيه حل مجلسي الشعب والشورى وتعطيل العمل بالدستور الحالي، وأن يكون السقف الزمني لتولي المجلس شئون البلاد هي 6 أشهر أو لحين انتخاب برلمان جديد.
وأثلج هذا البيان صدور المصريين، خاصة أنها شمل عدداً من القرارات الأساسية التي خرج الثوار لتحقيقها، وصمدوا أمام وسائل العنف القاسية التي استخدمتها الأجهزة الأمنية ضدهم حتى يتأكدوا من أنه سيتم الالتزام بها.
وفي اتصالات لـ"أون إسلام" بعدد من الثوار الذين كانوا معتصمين في ميدان التحرير حتى نهار الأحد لاستطلاع رأيهم في البيان، رحب عدد منهم به جداً، ومنهم شعبان مصطفى (صاحب شركة مقاولات) الذي قال إنه قرر ألا يبقى في الميدان بعد معرفته لهذه القرارات "لأنها هي القرارات التي صمدت في الثورة من أجلها، والآن لازم نعود لأعمالنا ونترك المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتابع أعماله في متابعة تنفيذ هذه القرارات وإدارة شئون البلاد، ونعطيه الفرصة الكافية لتدبير الأمر قبل أن نحكم عليه".
ونبَّه شعبان في نفس الوقت إلى أن بعض الفئات الجديدة التي لم تكن ضمن المتظاهرين الصامدين في الميدان بدأت تقتحم الميدان منذ الساعات الأولى ليوم الأحد، مثل أمناء شرطة يطالبون بزيادة رواتبهم وعمال بعض المصانع الذين أرادوا اتخاذ ميدان التحرير ساحة للإعلان عن مطالب "فئوية لا علاقة لها بالمطالب الجماعية للثورة.. وأخشى أن يشوه هؤلاء نبل وجمال ثورتنا التي قامت من أجل الوطن وليس من أجل مطالب ضيقة.. هذه المطالب ليس وقتها الآن، فلنترك المجال والفرصة للمجلس الأعلى ليقوم بمهمته الثقيلة أولاً، وهذه المطالب ستحل تدريجيا في وقتها".

"الميدان يحمينا من الاختطاف"
ولكن بعض المعتصمين في الميدان لم يكن عندهم الفرصة لينعموا بفرحة القرارات الواردة في البيان رقم (5)، ومن هؤلاء محمد التراسي (المنسق العام لرابطة فناني الثورة التي ترابط في ميدان التحرير) والذي قال: "هذه قرارات مفرحة جداً لكننا نخشى أن نترك الميدان الآن حتى لا نتعرض لإيذاء الأجهزة الأمنية أو الاختفاء الغامض كما حدث لعدد من زملائنا.. الميدان الآن هو المكان الأكثر أماناً بالنسبة لنا".
وأوضح التراسي أن "عدد من زملائنا الذين كانوا يتولون حراسة البوابات أو القيام بأعمال تطوعية أخرى خلال المظاهرات عندما غادروا الميدان لم نعثر لهم على أثر، وأهاليهم أيضاً لا يعرفون عنهم شيئا".
نفس الكلام قاله الدكتور هاني (المتطوع في مستشفى الطوارئ التي أقيمت في الميدان)، والذي أكد أن 6 على الأقل من المتظاهرين اختفوا دون أي معلومات عنهم، وأن شهود عيان رأوا سيارات إسعاف تختطف بعضهم عنوة في ميدان عبد المنعم رياض، وحتى الآن لا نعرف عنهم شيئا".
كما أشار هاني إلى أن بعض الناس مظهرها مريب، وبعضهم يبدو عليه أنه من جهاز الشرطة، اقتحمت عليهم الميدان مساء السبت، وحاولت ترويعهم واستولوا على ، ولكنهم سلموهم للجيش.
وأيضاً أكد عصام سمير (رسام) أنه سمع على الأقل عن 15 متظاهر ممكن يعرفهم اختفوا منذ 3-4 أيام، وعندما سألته ما دليله على أنهم اختطفوا من قبل أجهزة أمنية، قال: "لا أملك دليلاً إلا أنني وزملائي اتصلنا بأهالي بعضهم فقالوا لنا إنهم يبحثون عنهم منذ أيام؛ لأنهم لم يعودوا للمنزل وهواتفهم لا تجيب، كما أن بعض الأهالي اتصلوا بنا يسألون عن أبنائهم معتقدين أنهم ما زالوا في الميدان رغم أنهم غادروه لاستبدال ملابسهم منذ عدة أيام".
وتعتبر مسألة إطلاق سراح المعتقلين والمختطفين خلال المظاهرات من أكثر المطالب التي ينادي بها المتظاهرون، سواء خلال المظاهرات أو بعضها؛ حيث تعرض عدد كبير من المتظاهرين للاعتقال على يد جهاز الشرطة، بعضهم أطلق سراحه مثل النشطاء وائل غنيم وشادي الغزالي حرب، والأغلبية ما زال مصيرها مجهولاً.
ومع خروج معظم المتظاهرين من ميدان التحرير بعد تحقيق جانب هام من مطالبهم، فإنهم يستعدون للعودة له هذا الأسبوع، ولكن من ليس من أجل التظاهر، ولكن من أجل الاحتفال بنصرهم العظيم الذي يتردد أن الفنان محمد منير سيشارك في إحيائه.
وفي نفس الوقت يقول المتظاهرون إنهم قد يعودون إلى الاحتجاج في الميدان مرة أخرى إذا ما تلكأت أجهزة الدولة في تنفيذ بقية مطالبهم، ومنها تسليم السلطة إلى سلطة مدنية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإصلاح جهاز الشرطة، واحترام حقوقهم وحريتهم، وإلغاء قانون الطوارئ.