د. حسن الباتع عبدالعاطي -مصر :
--------------------------------------------------------------------------------
على الرغم من وعورة تضاريس كوريا الجنوبية - فأغلبها جبال وعرة، وسواحلها صخرية شديدة الانحدار ومناخها قاري -وعلى الرغم من أنها واجهت تحديات هائلة في القرن العشرين، حيث خضع شعبها لسيطرة اليابان أكثر من خمس وثلاثين سنة، إلا أنها تمكنت من أن تجعل من تربيتها أداة فعالة في مسيرة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أرضها، وعلى الرغم من أن التربية في كوريا تعود جذورها إلى تاريخ بعيد حيث أنشئت أول مدرسة نظامية فيها عام 372م، لكن الصياغة التربوية والهيكل التنظيمي الحديث في الخمسين عامًا الأخيرة يشهد لها بالجودة والالتزام، فثمار التربية في كوريا الجنوبية تلمس وتُرى، والنظام التربوي فيها نظام حديث يهتم بصورة فعّالة بإكساب المهارات، وتعزيز القدرات الأساسية، ويهتم بالتطوير النوعي للتربية العلمية.. ويضع الثقافة الحديثة المتطورة نصب عينيه، وهو يشارك بدور كبير في عمليات التنمية من خلال بناء الإنسان الواعي المبدع والملتزم بالعمل والأخلاق، ويقف النظام التربوي بكل قوة ليعزز مكانة التربية والتعليم، فيهتم منذ مرحلة رياض الأطفال بتربية الأطفال وبناء أجسامهم وتنمية لغتهم وذكائهم وغرس قيم التكيف الاجتماعي في نفوسهم وسلوكهم.
وينبع الاهتمام بالتعليم في كوريا من الفلسفة الكونفوشيوسية ومن النصائح البوذية، حيث تنظر الفلسفة الكونفوشيوسية إلى التعليم على أساس أنه المفتاح الوحيد للنجاح في المستقبل والحاضر. وهناك مذهب مثالي يقول «إن هدف التعليم هو استفادة كل الجنس البشري» وما زالت هذه التقاليد قائمة في الحياة الاجتماعية للشعب الكوري.
ويعرف عن الكوريين أنهم يولون التعليم اهتمامًا عظيمًا كوسيلة لتحقيق الذات والتقدم الاجتماعي. ولقد كان -ولا يزال- للمتعلمين في كوريا دور رئيس في نموها الاقتصادي السريع الذي حققته في العقود الثلاث الماضية. فقد أدخلوا المدارس الحديثة في ثمانينيات القرن التاسع عشر. ومع قيام الجمهورية الكورية عام 1948م، بدأت الحكومة بوضع نظام تعليمي حديث. وشكل تحرير كوريا من اليابان عام 1945 نقطة تحول في تاريخ التعليم فيها. ومع انتقال البلاد من النظام الشمولي إلى النظام الديموقراطي، ركز اهتمام المسئولين فيها في المقام الأول على تزويد المواطنين بفرص متكافئة في التعليم. وشهدت الفترة بين 1945-1970 توسعًا كبيرًا في التعليم. وعلىالرغم من الدمار والمعاناة الاقتصادية التي جلبتها الحرب الكورية بين عامي 1950-1953م، غير أن كوريا نجحت في التغلب على الأمية، وفي عام 1953م أصبحت سنوات المرحلة الابتدائية الست الزامية. و ازداد عدد المدارس في الـ 46 عامًا التي تلت التحرير من 3000 إلى 19.693 مدرسة. وارتفع عدد الطلاب من 1.5 مليون إلى 11.5 مليون طالب (ربع السكان) وأصبح عدد جامعاتها نحو 300 جامعة رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 50 مليونًا.
وتدل الأرقام على نمو الناتج الوطني الكوري بنسبة عالية في الوقت الذي تستوعب فيه المدارس الابتدائية أربعة ملايين طالب يمثلون 100% من الأطفال في عمر دخول المدرسة، إضافة إلى أربعة ملايين طالب في الوقت نفسه في المرحلة المتوسطة، وحوالي 825000 طالب في المدارس الفنية والثانوية.إن هذه الأعداد المتزايدة من الطلاب يتعلمون وفق مناهج دراسية تنمي لديهم السلوك الحياتي المفيد.. ولنا أن نتصور ما يحدثه منهج دراسي يعلِّم التلاميذ في المرحلة الابتدائية المواد الدراسية الآتية: التربية من أجل الأمانة. ومن أجل الحياة ذات المعنى، ومن أجل التمتع بالحياة والتربية الخلقية والتربية الرياضية والحِرَف والنشاطات اللاصفية.
أهداف التعليم في كوريا الجنوبية
يقوم النظام التعليمي في كوريا على الأسس التالية:
وجود رؤية وفلسفة واضحة موجهة للتعليم
في غضون ثلاثة عقود انتقلت كوريا من قائمة بلدان العالم الفقيرة إلى مصاف الدول الصناعية، ففي عام 1962 بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 11 دولارًا، غير أن الناتج المحلي الإجمالي قد تضاعف كل ثماني سنوات خلال الفترة من 1960-1985، وهكذا فإن هذا الناتج في تزايد مستمر، حتى إنها تحسب من الدول الغنية في العالم الآن، ويعزى ذلك إلى وضع سياسة وفلسفة واضحة تنطلق منها كل ممارسات العمل في النظام التعليمي بكل مراحله.
تحقيق المساواة في فرص التعليم واستمراريته
نجحت كوريا في فتح أبواب التعليم لكافة أبناء الشعب، وإزالة الحواجز أمام كل فرد للالتحاق بأنماط التعليم المختلفة، كما أنها تضمن له الاستمرار في إكمال تعليمه إلى أقصى حد ممكن وفقًا لقدراته واستعداداته وطموحاته.
تمهين التعليم
يعد التعليم المهني أحد الموارد البشرية التي تغذي الصناعة بالقوى العاملة الفنية، حيث يلتحق بهذا النوع من التعليم 35 % من الطلاب، وربما يلتحق بعدها الطلاب بالكليات التقنية أو الجامعات لمدة تتراوح بين سنتين وأربع سنوات، ويقوم التعليم في هذه المرحلة على تعليم أكاديمي في نصفه تقريبًا وتعليم مهني في نصفه الآخر، ومن الجدير بالذكر أن حوالي 90% من خريجي التعليم المهني يلتحقون مباشرة بسوق العمل بعد تخرجهم، في حين يتابع الباقي دراستهم العليا، أما بالنسبة للعمالة الماهرة فقد اهتمت كوريا الجنوبية بإنشاء عدد من مدارس التدريب المهني النموذجية التي تتطلب الدراسة بها عادة جانبًا عمليًا في الشركات المحيطة.
نظم إدارة التعليم
يتضح نمط الإدارة المركزي من وجود وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية، وهي المسؤولة عن التعليم، وتتحدد مهام وزيرها في اتخاذ القرارات التي تتضمن تنفيذ سياسة الحكومة الكورية في مجال التعليم، وعلى الرغم من الإدارة المركزية فهناك جهود أهلية واضحة تشارك في وضع وصياغة هذه السياسة واتخاذ القرارات بشأنها، وطبقًا للقانون الخاص بالتعليم الإقليمي الذاتي وتطبيق نظام الحكم الذاتي منذ عام 1991، توجد اختلافات في إدارة المدارس حسب المناطق، حيث تحدد الأقاليم والمدن والمدارس مراحل التعليم والتوجيهات التفصيلية، ولكن على أساس مراحل التعليم التي تحددها الحكومة المركزية، ويمكن تقسيم نمط الإدارة التعليمية في كوريا الجنوبية إلى مستويين، الأول: المستوى القومي، ويتمثل في وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية، وهي المسئولة عن إدارة التعليم وتمويله بوضع سياساته ومتابعة تنفيذ تلك السياسات، والمستوى المحلي: حيث تقسم كوريا الجنوبية الجنوبية إلى عدة أقاليم، ويوجد بكل إقليم أو مدينة كبرى مجلس التعليم Board of Education يرأسه مراقب التعليم، ويتكون من سبعة أعضاء منتخبين من السلطات التعليمية المحلية، ويتمثل دور هذا التنظيم السابق في إدارة التعليم على المستوى المحلي سواء في الأقاليم المختلفة أو المدن الكبرى، ويشرف أيضًا فعليًا على أنواع التعليم المختلفة.
تمويل التعليم في كوريا الجنوبية
إن التعليم في كوريا الجنوبية يقف وراء تطويره جهاز متخصص هو المعهد الكوري للتطوير التربوي، الذي جاء معبِّرًا عما يحظى به التعليم من مكانة اجتماعية واهتمام من الجميع في كوريا الجنوبية، تلك المكانة التي تترجمها ميزانية الدولة، حيث تبلغ ميزانية التعليم في كوريا 29 مليار دولار سنويًا أي أكثر من 20% من ميزانية الدولة السنوية، كما أنها تخصص 2.6% من دخلها الإجمالي السنوي للبحث العلمي البالغ نحو 900 مليار دولار سنويا، وتتحمل الحكومة الكورية نسبة 35% فقط من جملة الإنفاق على التعليم، توجه معظمها إلى التعليم الابتدائي، أما النسبة المتبقية 65% فتمول من بنود أخرى، وبالتحديد يعتمد تمويل التعليم في كوريا الجنوبية على أربعة مصادر رئيسة، هي تخصيص جزء من الناتج القومي الإجمالي للدولة، والضرائب، والتمويل المحلي من خلال تحصيل الضرائب العامة، والشركات والمؤسسات الصناعية.
السلم التعليمي في كوريا الجنوبية
يتكون نظام التعليم في جمهورية كوريا من مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية ذات الست سنوات والمرحلة الإعدادية ذات الثلاث سنوات والمرحلة الثانوية ذات الثلاث سنوات والمرحلة الجامعية ذات الأربع سنوات التي تسبق مرحلة الدراسة العليا للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه. وبالإضافة إلى ذلك هناك نظام كليات ذات السنتين أو الثلاث سنوات وكليات مهنية، وفيما يلي وصف تفصيلي للسلم التعليمي في كوريا الجنوبية:
المفضلات