هذه مقالة أعجبتني فأردت أن تستفيدوا معي بها
وأرجو أن تنال رضاكم

أخوكم م يوسف عبد العظيم

في حب مصر - 2011
وقود الثورة المضادة
الأثنين، 21 فبراير 2011 - 11:15



كتب : السيناريست والمخرج محمد دياب

أصبح مصطلح الثورة المضادة دارجاً هذه الأيام، ويشار به إلى محاولات بقايا النظام تشويه صورة الثورة، والقفز مرة أخرى للصفوف الأولى، ولاحظت أن ذهبت معظم محاولات تحليل نظرية الثورة المضادة في تحميل مسؤليتها إلى الأيدي التي تختلقها، ناسين أن العنصر الأهم في نجاح هذه المؤامرة، هو جزء كبير من الناس غير مسيسين يمكن أن يطلق عليهم "وقود الثوره المضاده" ... لا ينكر أحد أن أحداث ثوره 25 يناير قد قسمت الشارع المصري إلى قسمين "مع النظام وضده".

قد يبدو الآن مع سقوط مبارك أن الشعب قد توحد مرة أخرى، إلا أن التحليل النفسي للشخصية الإنسانية يؤكد أنه مازال هناك تباين بين الفئتين، فالفئة الثائرة تتعامل الآن باعتبارها انتصرت وأنها كانت علي حق، ويصر معظم أفرادها على تذكير المختلفين معهم في كل مناسبة أنهم كانوا مخطئين، لا أنكر أن محاولة السيطرة على مشاعري تجاه الذين كانوا ضد الثورة ليست سهلة، وأنه تجتاحني رغبات بأن أصرخ في وجه كل منهم، بأننا كنا على صواب، وأنكم لم تؤمنوا بنا رغم وضوح الحق من الباطل "في وجهه نظري"، إلا أني أخذت قراراً بالسيطرة على هذه الرغبات بعد أن ترائى لي ضررها الذي أنا بصدد مناقشته.

أن أكثر تعبير مكروه في اللغة الإنجليزية هو I told you so، الذي يمكن ترجمته لكلمة "مش قولتلك"، وهي كلمه تقال للتشفي في شخص اختلفت معه في وجهة نظر وثبت صدق رؤيتك، إلا أنها غالباً ما تؤدي إلى نفور الآخر منك، بل ونفوره من وجهة نظرك التي أدت إلى إهانته على الأقل فكرياً.

لا يجب إغفال نقطة مهمة في نفسية الآخر "المهزوم فكرياً" أنه خاضع لتأثير ما يسمى بالاستثمار الفكري، فقد ظل لسنوات وسنوات مؤمناً بفكر معين، حتى أصبح من الثوابت في حياته، واستثمر الكثير من مجهوده العقلي في الدفاع عن هذا الفكر ومنَطَقته، بناءً على هذا يصبح الظن بأننا في 18 يوما سنغير قناعاته بهذه السهولة هو ضرب من السذاجة.

نعم قد يرضخ لضغط الانتصار النفسي والمعنوي، بل وقد يحتفل معك ويعترف (راضخاً) أنك كنت على حق، ولكن هذا المهزوم فكرياً لم يتم احتوائه بشكل كامل، بل ويذُكر يومياً من المنتصر أنه كان مخطئاً (مش قولتلك)، وبالتالي يتم دائماً تذكيره بانه ليس جزءاً من هذه الثورة، نتيجة لهذا يكون من الطبيعي أن يبحث مضطراً عن أي قشة تثبت له أمام نفسه أنه لم يكن مخطئاً وأنه كان صاحب بعد نظر.

هذه القشة يقدمها له بقايا النظام في سيناريو (الثورة المضادة) الذي لا يمكن أن يتحرك خطوه بدون أن يجد العون في المهزومين فكرياً وهم على أقل تقدير ربع الشعب المصري، والذين يمكن أن يؤثروا على أقل تقدير على ربع آخر.
عدم استبعاد الشرطة لا يعني التفريط في نقطة دم واحدة من دماء الشهداء أو المصابين، بل أن عدم استبعادهم لن يحدث إلا أولاً بتطهير هذا الجهاز وإنزال العقاب بكل من أخطأ
مثال حي لهذا السيناريو: ما يحدث لبعض من داعمي الثورة من عملية تشويه باتهامات أقل ما توصف به أنها ساذجة وكوميدية إلا أنها وللغرابة تلقى قبولاً قد يُظن أنه عام، ولكنه ليس كذلك ... بل أنه قبول غير ممنطق من الربع المهزوم فكرياً قد يتسلل لآخرين.

مثال آخر أتنبأ أن ينتشر قريباً: نشر الإحباط وهى فكره ترددها قلة الآن ستزداد ككرة الثلج مع انحسار موجة المدينه الفاضلة التي تسود الشارع، والتي يستحيل أن تظل دائمة إلا مع تغيير النظام تماماً بعد سته أشهر.

أخيراً أتمنى من كل من يحذر من الثوره المضادة أن يلتفت لقطع الطريق على الخبثاء وهم قلة، بأن يتم احتواء "وقود الثورة المضادة" وهم كثر، احتواء هؤلاء لن يتم إلا بأن يشعر الجميع أن الثورة هي ملك لكل مصري، وإن استبعاد أي فصيل من شرف الاحتفاء بالثورة هو استعداء له، فمثلاً عندما تستبعد الشرطة فإنك استبعدت 1.2 مليون شرطي، وعلي أقل تقدير 2 مليون من أسرهم.

بالتأكيد أن عدم استبعاد الشرطة لا يعني التفريط في نقطة دم واحدة من دماء الشهداء أو المصابين، بل أن عدم استبعادهم لن يحدث إلا أولاً بتطهير هذا الجهاز وإنزال العقاب بكل من أخطأ، ولكن يجب دائماً مراعاة عدم التجميع حتى لا ندفع فصائل كاملة لأن تضطر أن تعادي الثورة.

أيضاً من أهم وسائل الاحتواء هي دوام التذكير بأن 90٪ من الذين تعاطفوا مع النظام في الثورة، لم يكونوا أبداً خونه، بل أن بعضهم تم استدراجه بخطاب عاطفي والآخرين صدقوا نظرية أن الأمان والديمقراطية لا يجتمعان ... وبلا شك كانوا يظنون أن انحيازهم للنظام هو قمة الوطنية، وهؤلاء أن كان يجب محاسبتهم فإن محاسبتهم تكون على عدم خبرتهم السياسية أو تعاطفهم الخاطيء وليس الخيانة.

أما 10٪ المنافقين وهم قلة معروفة فلا سبيل لإصلاح هذا البلد إلا باستئصالهم، بدون الوقوع في فخ تخوين كل من أيد النظام.

علي الرغم مما يبدو من هذا المقال من قلق على الثورة، إلا أنه واقعياً لا خوف على مكاسب الثورة التي ستحقق بمشيئة الله بلا شك، بل إني أدعو الجميع لتفاؤل منطقي ومستحق، إلا أن التحذير هو مِن أن يتسبب تخلف جزء من الشعب المصري عن الركب الوطني، في أن تتأخر هذه المكاسب ... كل ما نحتاجه هو بعض الحكمة وبعد النظر لكي نطفئ وقود الثورة المضادة للأبد.

منقول من موقع موجز - المختصر المفيد