سودوكو التعديلات الدستورية

لعبة السودوكو لمن لا يعرفها هى لعبة تعتمد على توزيع الأرقام من 1إلى 9 فى تسعة مربعات صغيرة داخل مجموعة من المربعات الكبيرة، على شرط أن لا يتكرر الرقم أكثر من مرة داخل المربع الواحد وفى ذات الوقت لا يتكرر ذات الرقم على أى خط من الخطوط الرأسية أو الأفقية. والعبرة فى الختام هى سرعة انجازك لتوزيع الأرقام داخل هذه المربعات بهذه الشروط.


والواقع السياسى فى مصر الآن لا يختلف كثيرا عن هذه اللعبة، فنحن لدينا أرقام من 1 إلى 9 علينا أن نقوم بها أهمها وضع دستور جديد، انتخاب لجنية تأسيسية لهذا الدستور، اختيار رئيس للجمهورية، انتخاب المجالس البرلمانية الشعب والشورى، ترك الجيش لزمام السلطة السياسية والعودة لثكناته، حرية اطلاق الأحزاب ورفع القيود عن العمل السياسيى، الغاء قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية. وعلينا أن نضع هذه المطلوبات فى أماكنها فى أسرع وقت ممكن، وفى اطار المربع الذى نتحرك فيه فى أطر الشرعية الثورية وبناء مصرنا الجديدة المختلفة.
ولكننا نبدأ مهمة وضع الأرقام فى أماكنها باختيار صعب وهوبالتصويت على الاستفتاء المتعلق ببنود تعديل الدستور، والتى تحدد شروط الترشح للرئاسة وتقصر مدة الرئيس على فترتين بحد أقصى عمر كل واحدة منهما 4 سنوات، كما تفرض وضع دستور جديد فى خلال ستة شهور من انتخاب مجلس الشعب الجديد، بالاضافة لالغاء قانون الطوارئ واجراء الانتخابات بالرقم القومى تحت رقابة قضائية.

ولدينا أمام هذه المهمة الصعبة أحد خيارين:



خيار نعم
وحينها ستتضح ملامح المربعات جيدا كما قررها المجلس العسكرى، حيث ستكون الخطوة التالية فورا اطلاق حرية تكوين الاحزاب بالاخطار، ثم انتخابات مجلس شعب فى خلال شهرين يقوم فور انعقاده بانتخاب لجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد، يليها انتخاب رئيس فى خلال شهرين آخرين، فينسحب الجيش من الحياة السياسية تاركا للرئيس الجديد ادارة البلاد، ثم الانتهاء من الدستور الجديد فى خلال 4 شهور أخرى.


خيار لا
يجعلنا فى مرحلة مبهمة لا يتضح فيها أى معلم وتبقى المربعات كلها غامضة لا نعرف من أين نبدأ، بل الأصعب أننا لن نكون اللاعب الأساسى الآن بل سنعطى القلم للاعب آخر يضع لنا هو الرقم الذى يختاره لنبنى عليه، هذا اللاعب هو الجيش، فاختيار "لا" يعيدنا للمربع صفر دون أن يعلم أحد ماذا ستكون خطوة الجيش التالية، هلى سيعلن بقاؤه فى سدة الحكم لفترة فارضا احكام عرفية أو لا؟، قد تطول هذه الفترة أو تقصر، وقد يعجب الجيش اكمال المهمة والاستمرار فى سدة الرئاسة أو لا؟. أو قد يقرر الجيش اللجوء للجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد، وهل ستكون هذه اللجنة بالتعيين أم بالانتخاب؟، واذا كانت بالتعيين فهل بالضرورة ستكون مرضية للشعب ام لا؟، وفى حال اللجوء للانتخاب فهل معقول أن ينتخب الشعب مباشرة مائة شخصية مثلا لتكوين اللجنة التأسيسية للدستور؟ غالب الظن فى هذه الحالة أن اكثر من نصف الأصوات ستكون أصوات باطلة، أم هل سيلجأ الجيش لعمل انتخابات رئاسية أولا فينطلق رئيس جديد بلا قيد يضمن تغيير الدستور ولا مجلس يراقب قراراته واجراءاته؟، والسؤال المهم ماذا ستكون آلية اختيار هذا الرئيس فى حال رفض تعديلات الدستور؟؟.


وكما أن المعيار الأساسى للتنافس فى لعبة السودوكو هو الترتيب الصحيح للأرقام فى أسرع وقت، فإن المكسب الحقيقى لمصر يكون بسرعة انهاء تحقيق المطالب المشروعة للشعب المصرى بعد أن قام بثورته المجيدة التى أبهرت العالم، فنحن فى حاجة أمس الحاجة لعودة المؤسسات المدنية التى تسير الحياة الطبيعية فى مصر ملبية طموحات الشعب وطلباته لمصر الجديدة بعد الثورة، مصر النهضة والحضارة والعلم والعدل، فى اشتياق ونحن لا زلنا فى قمة الحماسة لمشروع قومى نلتف حوله لنرقى ببلدنا، ولا ينبغى أن تطول الفترة الانتقالية حتى نتعود عليها لنعود لركوننا وهدوءنا دون أن نحقق لمصرنا الصورة التى نتمناها لها.


لذا سأقول نعم للتعديلات الدستورية دعما للاستقرار وبدءا لمشوار النهضة الطويل.