فلول النظام الساقط لا تزال تتربص بالدكتور البرادعى. انتظروه فى الندوة التى كان من المقرر حضوره فيها بنقابة الصحفيين، لما لم يحضر حاولوا إفساد الندوة. عادوا للتربص به فى يوم الاستفتاء. هذه المرة كانوا واثقين من حضوره. تجهزوا بالطوب والحجارة. رشقوه بما فى أيديهم، ومنعوه من الإدلاء بصوته. هى عملية بلطجة ساقطة جديدة من فلول النظام المخلوع تقطع فى استمرار وجودهم فى الشارع بلا ردع. عملية ذكرتنا بيوم "معركة الجمل".
ولكن لأن الذكرى لا تنفع المجرمين، فإن مرتكبى الجريمة الجديدة تناسوا مصير زملائهم أبطال "معركة الجمل" الذين يخضعون لتحقيقات النيابة، دون أن يشفع لكبيرهم منصب الوزير، بمثل ما أن وظائف "مساعدى الوزير"، وكراسى البرلمانات المزورة لم تشفع لمن هم دون الوزير. ربما لا يعلم البلطجية الذين مازالوا مطلقى السراح أن تحقيقات النيابة فى موقعة الجمل هى أهون الشرور التى كانت قى انتظار العادلى ومساعديه وأبوالعينين والجابرى وخطاب وغيرهم من بلطجية موقعة الجمل. هذه التحقيقات حالت دون توجه عدد من المنظمات الحقوقية للمحكمة الجنائية الدولية لاتهام بلطجية معركة الجمل بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
أنهى البطجية مهمتهم القذرة ضد البرادعى وتركوا الباقى لزملائهم بلطجية الإعلام من أتباع النظام المخلوع. الأخيرون بغبائهم المعهود وطرق التفكير البالية التى علمهم إياها، وعودهم عليها النظام الساقط. مازالوا حتى اليوم يمارسون وظيفة التضليل التى لا يجيدون غيرها. صوروا الأمر وكأنه عملية سحب ثقة من الرجل، ووصفوا جريمة أقرانهم من بلطجية الشوارع بأنها "فضيحة للبرادعى".
الحق أن الجريمة تمثل وساما جديدا على صدر البرادعى. فلول النظام السابق أكدت أنها مستمرة فى مواجهة الرجل الذى تعتقد انه صاحب الإسهام الأكبر فى رحيل نظامها وتحولها إلى كلاب مسعورة تجوب الشوارع. الجريمة تثبت أن البرادعى هو أنسب المرشحين المطروحين على الساحة لكل من يريد مصر الثورة. رغم أنها جريمة يستحق مقترفوها اشد العقاب، إلا أنها تثبت بوضوح أين يجب أن تكون مواقع وأصوات ثوار يناير.
لقد أثبتت نتائج الاستفتاء على تعديلات الدستور أن عملية الإصلاح الاجتماعى والسياسى والثقافى مازال أمامها الكثير من العقبات. وأنها تقتضى تضافر جهود الثوار، واستعصامهم بدرجة كبيرة من إنكار الذات. لا يجوز أن تتوزع أصوات الثوار فى انتخابات الرئاسة القادمة على أكثر من مرشح تحت أى دعوى أو ادعاء. فلول النظام الساقط ترسل الرسائل القاطعة فى أن أجهزته اعتبرت أن البرادعى هو الذى حرك البركة الآسنة التى اغرق النظام المذكور بلادنا فيها على امتداد السنين. الحملات الإعلامية والأمنية الشرسة التى وجهها النظام الخائن لأكثر من ثلاثة عقود ضد المعارضين الوطنيين الشرفاء كانت قد نجحت فى قطع الصلات الحميمة وبينهم وبين الجماهير خاصة من الأجيال الشابة الجديدة. رد هؤلاء المعارضون على حملات النظام الساقط فقدموا نموذجا متفردا فى التجرد والإخلاص حين أفسحوا للبرادعى وجعلوه فى مقدمة صفوفهم. لولا هذا التجرد لما أقدم هؤلاء الوطنيون الشرفاء على عملهم ولاحتفظوا بهذا المكان لواحد منهم. البرادعى الذى كان قادما لتوه من الخارج لم يتردد واستجاب. بالعرض والاستجابة تحركت الأمور التى ظن الجميع أنها استعصت على التحرك. هنالك كانت الشرارة الأولى التى فجرت ثورة يناير. والآن جاء الدور على الثوار. عليهم أن يلتحموا كما فعلوا فى ميدان التحرير وسائر الميادين. لولا هذا الالتحام لما سقط النظام الإجرامى الفاسد العميل.
فى انتخابات البرلمان سوف تتوزع القوى بطبيعة الأحوال، حتى لو نجحت القوى الوطنية فى إبرام قدر معقول من التحالفات المعبرة عن روح الثورة.
لكن انتخابات الرئاسة هى المحك الرئيسى فى إمكانية تلاحم الثوار من جديد. البرادعى هو أصلح المرشحين وأصدقهم تعبيرا عن روح الثورة. وترشيحه كان أمرا متفقا عليه، أو على الأقل مفروغا منه منذ عودته لمصر قبل انفجار الثورة بأكثر من عام. لا يجب أن ننكر حق القوى والأحزاب السياسية المعروفة فى الترشيح إذا قدرت أن مصلحتها فى ذلك. لكنى أخاطب الثوار من غير هذه القوى والأحزاب. أناشدهم أفرادا وجماعات، أناشد ثوار كفاية و6 ابريل وسائر حركات الاحتجاج، ومجموعات ثوار الفيس بوك والتويتر، أناشد أبطال تيار استقلال القضاء الذين وضعهم الشعب منه فى أعز مكان، وتوج رموزهم فى القلب من ثورة ميدان التحرير. أناشدهم جميعا فلتكن معركة انتخابات الرئاسة القادمة هى موطن التحامنا الجديد بعد نجاح المرحلة الأولى من ثورتنا المجيدة. ولنفكر بعمق فى أن اختيارنا للبرادعى هو أفضل الاختيارات. الرجل هو أول من فضلناه واخترناه وقدمناه لجماهير شعبنا فى كل مكان. افتراقنا شيعا وأشتاتا حول بضعة مرشحين سوف يهز مصداقيتنا أمام جموع شعبنا، وسوف يلحق الخسارة بمعارك ثورتنا المقبلة. رسالة العدوان على البرادعى واضحة جلية تقول للجميع إن معركة الرئاسة القادمة ليست نزهة فى بستان، وليست كمثل المعارك حول مقاعد البرلمان.
لقد بعث بلطجية النظام برسالتهم إلى الثوار. فإذا توحد الثوار، وعادوا للتجرد وإنكار الذات، وتبرأوا من آثار الدعايات السوداء التى تشيعها فلول النظام المهزوم، إذا استعصم الثوار بحبل ثورتهم المتين فسوف يأتى اليوم الذى تدرك فيه الفلول المدحورة أن رسالتها وصلت بمعناها الصحيح، وأن عهدها قد شيعه ثوار يناير إلى مزابل التاريخ.
بقلم الصحفي الأستاذ أحمد عبدالحفيظ