دا الجزء الثالث واللي بيتكلم فيه عن موضوع غايه في الاهميه

أخيرا أرسل إلىّ قراء كثيرون بروابط لمقطعى فيديو تم نشرهما على الـ«يوتيوب» بكثافة يتحدث فيهما ضابطان سابقان فى الجيش المصرى، الفيديو الأول حمل عنوان (بطل فى الجيش المصرى يكشف المشير طنطاوى)، شاهدته أكثر من مرة لكى أكتشف تلك الفضائح التى يتحدث عنها، فلم أجد سوى كلام إنشائى لشخص عصبى ومتوتر يخلط الحق بالباطل، ولم أجد تفسيرا لوصفه بأنه بطل سوى سطر تم نشره تحت الفيديو يقول إنه كان أول دفعته، وكنت أتمنى أن أجد سطرا ثانيا يفسر لنا لماذا هو ضابط سابق، ليس تشكيكا فيه بل لأن من حقنا أن نعرف. الحق الذى يقوله الضابط السابق فى الفيديو هو ترديده لما يتمناه الكثيرون من محاكمة سريعة وعاجلة لمبارك وأسرته، وهى مسألة يبدو أنها تقترب يوما بعد يوم، أما الباطل الذى يردده فهو كثير وعلى رأسه تلك النغمة الكريهة التى يرددها البعض بحماس به حسن نية دون أن يُعمِلوا فيها عقولهم قليلا، أعنى نغمة أن الجيش يقوم بعمل تمثيلية بالاتفاق مع مبارك، ولا أدرى كيف يصدق إنسان عاقل ومنصف مثل هذا الكلام بل ينشره على الآخرين دون أن يفكر فيه أولا. ستسألنى: وليه لأ؟، سأجيبك: هل تقرأ الصحف هذه الأيام؟، إذا كنت تقرؤها وتصمم على ترديد هذا الكلام فلا أظن أننى أحب إضاعة وقتى معك. الفيديو الثانى ظهر به ضابط سابق يبدو أكثر اضطرابا وقام بتوجيه شتائم يعاقب عليها القانون لكل قادة الجيش هذه المرة وليس للمشير وحده، انتظرت أن يقول واقعة محددة أو معلومة واضحة تدفعنى للثقة فى كلامه فلم أجد، كل ما توقفت عنده هو حديثه بشكل حقير عن وجود «أظرف ولاء» كان يتم توزيعها من مبارك على قادة الجيش، دون أن يفسر لنا لماذا إذن انحازوا للشعب الذى لم يمنحهم تلك الأظرف، كما أننى لم أفهم كيف يستقيم كلامه عن وجود فساد مريع فى الجيش مع حكاية «الأظرف» التى يتم توزيعها، فمن يفسد ليس بحاجة إلى أخذ ظرف، بل هو نفسه الذى يمنح الأظرف لغيره.

لم أكن فى حاجة لمشاهدة «الفيديوهين» لكى أتأكد أن هناك أصابع خارجية تسعى لإثارة الفتنة بين الجيش والشعب، فقد كتبت عن ذلك قبل شهر، وأزعم أننى قدمت فيه شواهد وقرائن لم يصدقها البعض فى وقتها، وأتمنى أن يكون الأمر الآن قد اتضح للجميع، يا إخواننا يا ناس يا هوه هل تظنون أن إسرائيل وحلفاءها سعداء بالثورة التى حدثت فى مصر، هل تعتقدون أن إسرائيل لا تعرف أن عدوها الأول فى مصر هو الجيش، هل تعتقدون أن إسرائيل لم تقرأ مثلا وثائق ويكيليكس التى كشفت عن الدور الوطنى الرائع الذى لعبته القوات المسلحة فى مواجهة الضغوط الأمريكية لتمييع الجيش المصرى وربطه بالمصالح الأمريكية، هل تعتقدون أن إسرائيل التى تمنح ميزانية مهولة كل عام للأعمال الاستخباراتية المدنية والعسكرية ستقف صامتة تتفرج علينا ونحن نبلور لأول مرة منذ سنين بعيدة سياسة خارجية وطنية محترمة يفخر بها كل مصرى؟ أجيبوا عن كل هذه الأسئلة وأنتم تشاهدون مثل هذه الفيديوهات المريبة واحكموا بأنفسكم.

لا أريد أن أظلم أحدا، فقد تكون هناك مشاعر غضب وطنية لدى هؤلاء، لكن من قال إن أجهزة المخابرات لا يمكن أن تقوم بتوظيف أصحاب النوايا الحسنة لمصالحها، وحتى لو فرضنا أنه لا يوجد أى دور لأى جهاز مخابرات فى كل ما يحدث، لماذا لا نجتهد فى جمع المعلومات قبل أن نحكم، لقد بدأ الأمر بالإساءة إلى سيادة المشير محمد حسين طنطاوى وإظهاره أنه معزول عن الجيش وأنه يحمى مصالح مبارك، مع أن أى متابع أو مراقب يعرف تقديس الجيش المصرى لمسألة الهرم القيادى وأنه لا يمكن اتخاذ قرار واحد بدون موافقة المشير حتى لو حدث خلاف فى الرأى داخل المجلس الأعلى بين أى رؤى متعارضة، المهم أن هذه النغمة عندما لم يستجب لها الشارع بقوة تحولت إلى هجوم شرس على المجلس بجميع أفراده، ولا أعتقد أن ذلك يمكن أن يلقى تجاوبا من الشارع المصرى ولا من الثوار الواعين الذين يعلمون أن ضرب تحالف الثورة مع الجيش يدخل مصر فى نفق مظلم مسدود.

ألفت الانتباه هنا إلى معلومة عرفتها من الكاتبة والناشطة نوارة نجم التى قالت لى إن هناك شخصا يمتلك حسابا على الـ«تويتر» باسم (ضابط جيش) أخذ ينشر كلاما يتحدث عن وضع الضابط أحمد شومان فى مصحة نفسية وإعطائه حبوبا للهلوسة، وتم نشر هذا الكلام بكثافة دون التشكك فيه، ثم فوجئت نوارة بأحمد شومان يتصل بها ليسألها عن مصدر الكلام الذى يتحدث عما جرى له ويقول لها إنه لا يوجد أى صحة لكل ما قيل عنه، ونشرت نوارة ذلك فى مدونتها، لاحظ أن هذه المعلومة المغلوطة تحديدا وردت فى الفيديو الثانى الذى يقوم بتوجيه شتائم حقيرة لقادة الجيش، ألا يدعو ذلك للريبة؟

لن يتسع المقام هنا للحديث بالتفصيل عن العقيد عمر عفيفى ودوره فى نشر هذه الفيديوهات على الإنترنت، لكن يكفى أن أقول لك إنه كان صاحب المكالمة الثالثة التى أتحدث عنها اليوم، حيث اتصل بى قبل يومين لمدة ساعة ونصف من موبايله فى أمريكا ودارت بيننا مواجهة ساخنة كررت فيها طلبى له إذا كان حقا حسن النية أن يأتى ليناضل من قلب مصر وينال الشهادة التى كنا نحلم جميعا بنيلها، وقلت له إن اللواء منصور عيسوى قال لى إنه اتصل به وعرض عليه أن يتم تأمينه إذا جاء إلى مصر، ففوجئت به يقول لى إن المشير طنطاوى يرسل له رسائل تهديد شخصية، قلت له: إذا كنت تريدنى أن أصدق ذلك فأنا أرجوك أن تحضر إلى مطار القاهرة وأعدك بأن أنظم مظاهرة بها ألف ناشط سياسى لاستقبالك وتخرج إلى بيتك فى حماية الرأى العام، فقال لى إنه يفوضنى فى حمل مطلبه بالرجوع إلى مصر مع تأمين حياته، وأنا أناشد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يخرج متحدث منه لكى يعلن أنه يدعو جميع اللاجئين السياسيين فى عهد مبارك ومن بينهم عمر عفيفى للعودة إلى مصر ويضمن حمايتهم، لكى يحكم الناس على هذا الرجل وهل هو صادق أم كاذب، هل هو أهوج حسن النية أم رجل مغرض يعمل لمصلحة جهات أجنبية، وحتى يحدث ذلك أو لا يحدث، أريد فقط من كل ذى عقل أن يفكر: كيف يمكن أن نصدق شخصا يقول لنا إن الجيش يدير ما يجرى فى مصر لمصلحة إسرائيل، بينما هو يخاف من العودة إلى مصر ولا يخاف من الإقامة فى أمريكا التى يمكن لإسرائيل أن تطاله فيها بسهولة إذا كان حقا يفضح مخططاتها فى مصر؟!

ختاما أقول: قليلا من العقل يا ناس ونحن ندير علاقتنا بالمجلس العسكرى فى هذه الفترة الحرجة التى يمكن أن نضيع فيها كل ما حققناه إذا جرينا وراء كل أحمق أو سيئ النية، إذا كنت تقرؤنى جيدا فلعلك تعلم أننى رغم كل تقديرى للجيش وثقتى فى قادته، قلت مرارا وتكرارا إنها ليست ثقة على بياض بل هى ثقة تقف على أرضية التعهد بتحقيق مطالب الثورة، ولعلك تعلم أن كل ما وجهته من نقد إلى المجلس العسكرى فى أكثر من ملف شائك لم يقابل إلا بالاهتمام والاحترام والرغبة فى الحوار،

الغريب أن ما تلقيته من هجوم كان من قراء أعزاء هم من ضحايا نظام التعليم المباركى الذى أنتج أجيالا لا تعرف الآراء المركبة ولا تعترف إلا بمن ينحاز عميانى لمن يقود البلاد أيا كان، هم يريدونك أن تحدد هل أنت ضد الجيش أم معه لكى يرتاحوا ولا يلجأوا للتفكير فيما تقول، ولهم أقول بكل وضوح وأنا رجل مستعد لدفع ثمن ما أكتبه ولا أختبئ خلف أسماء مستعارة: نعم نحن نثق فى الجيش ونحترم قادته ونقدر دوره الوطنى العظيم ونعلم أنه العمود الفقرى الذى تستند عليه البلاد، لكن ذلك لن يمنعنا من التفريق بين الدور الوطنى للجيش والدور السياسى للمجلس العسكرى، وسنظل نوجه انتقاداتنا لأداء المجلس العسكرى فى إطار آداب الحوار، وسنبقى نحرس مطالب الثورة حتى تتحقق كلها دون أن تذهب دماء شهدائنا هدرا، والله من وراء القصد أو هكذا أزعم