الجزء الثانى



قالت: لكي أثبت لكن صحة كلامي أريد أن تخبرني أي واحدة منكن: متى آخر مرة بحثت عن إذاعة القرآن الكريم لتستمع إلى القرآن؟..


فسقط في أيدينا.. ولم تنطق إحدانا ببنت شفة.. ومع ذلك فقد كان صوت الكبر والغرور يتعالى داخلنا




فقالت لها إحدانا: ليس لك أن تحاسبينا على ما نفعل.. ونحن لسنا في كلية شرعية حتى تأتينا بهذه النصائح..


قالت: وهل تعاليم الإسلام خاصة بمنسوبي الكليات الشرعية فقط.. والآخرون يفعلون ما يشاؤون؟



قلت: لا لا.. هي لم تقصد ذلك.. وإنما تقصد أن الغناء ليس محرما.. وليس هناك دليل على تحريمه..







قالت: بل هناك أدلة كثيرة.. منها قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا} [لقمان: 6].. قال ابن مسعود رضي الله عنه: لهو الحديث هو الغناء.. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سيأتي زمان على أمتي يستحلون فيه الحِرَ والحرير والخمر والمعازف " [رواه البخاري] والمعازف هي الموسيقى والغناء..



ولما رأت زميلاتي أننا لن نستطيع مجاراتها.. قالت إحداهن: اتركن الحديث مع هؤلاء المتزمتات. ثم توجهت إليها قائلة: لقد قطعت علينا حديثنا.. وأرى أن نصيحتك قد انتهت.. فدعينا الآن وانصرفي لشأنك..



فقالت: آسفة لقطع حديثكن.. ولكن لا تنسين كذلك أن هذا العمل مخالف لأنظمة الجامعة.. ثم استأذنت وانصرفت..



لم أكن أحب أن تواجه هذه الفتاة الجميلة المنظمة بمثل هذا الأسلوب الجاف الذي دل على ضعفنا أمام حججها القوية.. كنت أحب أن أظهر عليها في المناقشة.. وأثبت لها رأيي في عدم حرمة الغناء.. ولكن كيف ذلك وهي تستدل بآيات وأحاديث في تحريم الغناء؟! انصرفت الفتاة.. فانطلقت يد إحدى صاحباتي لترفع صوت الأغنية كما كان.. وتوالت الضحكات مرة أخرى..



وفي أحد الأيام قابلتني هذه الفتاة في الكلية.. فجاءت وسلمت علي.. وأرادت أن تعتذر.. فبادرتها أنا بالاعتذار عما حدث من زميلتي.. واتضح من خلال الحوار أنها تدرس في القسم الذي أدرس فيه.. فتعجبت من ذلك وقلت لها: لقد حسبتك تدرسين في إحدى الكليات الشرعية..

قالت: ولماذا؟

قلت: لأن ثقافتك الشرعية يبدو أنها عالية.. أفلا يؤثر ذلك على مستواك الدراسي؟!



قالت: أبدا فأنا أنظم وقتي.. وقد زادني التزامي تنظيما ومعرفة لقيمة الوقت وأهميته.. وبالمناسبة فأنا أجيد الإنجليزية وعلوم الحاسب الآلي، وهما من أهم الأمور في تخصصنا.. وأقوم بشرح بعض الدروس للطالبات فإذا احتجت شيئا في ذلك فأنا على أتم الاستعداد.



عند ذلك نظرت إليها بإعجاب وإكبار.. واستصغرت نفسي.. إنها تعطي دروسا في الإنجليزية والحاسب الآلي.. ونحن نجلس للضحك وسماع الغناء.. أ هذه هي العصرية التي كنت أحلم بها؟!.


.

أحسست أن هذه الفتاة تهتم بي بشكل خاص.. وتريد إقامة علاقة صداقة معي.. ولكن كيف أقيم معها علاقة وهي تتكلم دائما عن الحلال والحرام، وهذا يشعرني بأنني مازلت طالبة المتوسط أو الثانوي.. دعك منها فإن هؤلاء متشددون ولا يعرفون أن الزمن قد تغير وأن الإنسان لابد من أن يواكب عصره الذي يعيش فيه.. كفي عن ترديد هذه الاسطوانة المشروخة.. عصرية.. مدنية.. تقدم.. ورقي..



ما هي مظاهر العصرية التي نعيش فيها سوى بنطال لاصق.. وتنورة مفتوحة.. وحذاء رجالي.. ووجه يشبه وجوه البهلوانات.. أما هي فتدرس الإنجليزية وعلوم الحاسب الآلي.. إنها أكثر مني مدنية.. وكذلك فهي ملتزمة بتعاليم دينها.. فقد جمعت بين الحسنيين.. ما هذا الذي أقول؟! هل تأثرت بهذه الفتاة إلى هذه الدرجة؟ أين رأيي المستقل؟ وتفكيري الخاص.. وحريتي التي كنت أبحث عنها دائما؟. لا لا.. لابد أن أتخلص من هذه الفتاة حتى لا تعكر علي حياتي..



كنت أتعمد بعد ذلك ألا أراها ولا تراني.. وإذا رأيتها من بعيد.. سلكت طريقة آخر حتى لا تراني.. وظلت علاقتي كما هي بزميلاتي الأخريات.. غير أن صورة هذه الفتاة.. وثقتها بنفسها.. وثقافتها العالية والمتنوعة وعصريتها الواضحة.. كانت لا تزال ترد على خاطري بين فترة وأخرى..

وحانت ساعة الحقيقة.. فقد مرضت مرضا شديدا.. أدخلت على إثره المستشفى وبقيت بها فترة طويلة..


و فى انتظار الجزء الثالث و الاخير