بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الرابعة والأخيرة4/4
((( قصة العودة )))
قبل أسبوعين من الإفراج عني أراد الجنود أخذي للفحص الطبي وذلك لأول مرة منذ أن أودعت المعتقل، وأخبروني بأنها زيارة روتينية وأن الطبيب يرغب في فحصي، ولكنني رفضت الذهاب لأنني لم أكن أشكو من أي مرض، ولأنني طلبت الذهاب إلى الطبيب مرارا بسبب اعتداء قوات الشغب علي وإصابتي بآلام شديدة في رجلي ، كما اشتكيت سابقا من آلام في الأذن وطلبت زيارة الطبيب ولكنهم لم يستجيبوا لطلبي، وأنا الآن لم أطلب زيارة الطبيب ولم أشتكي من أي مرض وهم يلحون علي بضرورة مراجعة المريض، وقالوا بأن الطبيب يريد فحص أذنك لأنك كنت تشتكي من الألم وذلك رغم مرور أكثر من شهر على طلبي زيارة العيادة، وقد خف الألم فلم يكن هناك داع لزيارة الطبيب. ثم جاء أحد الضباط الأطباء إلى الزنزانة وطلب مني أن أرافقه للعيادة. وبعد رفض متكرر، وافقت على الذهاب معهم، فأخذني الجنود إلى العيادة، وبدؤوا بفحص جسمي للتأكد من عدم وجود آثار للجروح أو الإصابة جراء التعذيب، ثم سألوني إن كنت أشتكي من أي شيء، فأخبرتهم بأنني أشتكي من الألم في ركبتي، فقالوا لي بصريح العبارة إننا نسأل عن الجروح الظاهرة فقط والتي يمكن مشاهدتها بالعين، فلما رأوا أن جسدي سليم من الجروح اطمأنوا. فسألت الطبيب عن سبب هذا الفحص فقال بأن لديهم أوامر لفحصي وليس عندهم علم بالسبب. وبعد إعادتي للزنزانة جاءني الممرض وأحضر لي شامبو لحساسية الرأس كنت قد طلبته من الطبيب، وقال لي بأنني يمكن أن أطلب أي كمية من هذا الشامبو، فزاد الأمر من استغرابي وقلت لعل الأمر يتعلق بقرب الإفراج عني ولكنني وكلت الأمر لله. وبعد أيام من هذا الكرم الطبي أخذوني على معسكر آخر حيث قابلت أحد الضباط وكلمني بكل احترام وعرف نفسه بأنه ضابط من الشؤون القانونية وأخبرني بأنهم سيفرجون عني قريبا جدا ولكن لم يحدد لي تاريخ الإفراج.
ثم قال بأن هناك شروطا للإفراج عني وعلي أن أوقع على اتفاق بينني وبين وزارة الدفاع الأمريكية، وسلمني بعض الأوراق المكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية فلما قرأتها رفضت الانصياع لشروطهم وقلت له بأنني لن أوقع على أي أوراق لأنكم كذابون وقد ظلمتموني بوضعي في السجن من غير توجيه أي تهمة لي مدة أربع سنوات، فحاول إقناعي بأن من مصلحتي التوقيع والموافقة ولكنني لم أخضع لكلامه وإغراءاته وتشويقي بقرب الخروج والعودة إلى الوطن، وأن شرط الخروج هو التوقيع على الأوراق.
فقلت له بأنني مستعد لقضاء أربع سنوات أخرى في المعتقل ولكن لن أفرط في كرامتي والثبات على مبادئي.
وفي اليوم التالي أخذوني إلى أحد المكاتب وأخذوا مقاسي ومقاس رجلي وكانوا يريدون أن يفصلوا لي بنطلونا، وأخبروني بأن من الممكن أن أطلب أي وجبة أريدها، فطلبت أن آكل السمك رغبة مني في معرفة صدقهم من كذبهم، فوعدوني بإحضار ما طلبت.
وفي يوم الإفراج أخذوني إلى معسكر إيكو وهو على شاكلة المعسكر دلتا الذي كنت فيه، وأخذوا بصمات أصابعي وعيني إلكترونيا، ولما رفضت فتح عيني للبصمة، أحضروا لي ستة جنود فتعاركت معهم ولكنهم استطاعوا ربطي في الكرسي بعد عراك طويل وأخذوا بصمة عيني.
ثم جاؤوا لي في الليل وعاقبوني بسبب العراك وأخذوا مني كل ما في الزنزانة من فرش وغيره وكانوا متجهمين غاضبين ولكنني لم أعرهم أي اهتمام وقابلت شدتهم بشدة أكثر.
ثم احضروا لي وجبة طعام عادية ولم يحضروا لي السمك الذي طلبته، فرفضت الوجبة وأصررت على إحضار وجبة السمك التي وعدوني بها، وكنت أظن بأن إحضار السمك دليل على أن زعمهم بالإفراج عني حقيقة وليست ضمن الحرب النفسية، فلما رؤوا إصراري على ذلك ذهبوا وعادوا بوجبة السمك المختلفة ولكنهم صادروا العصير والفاكهة والسلطة التي وعدوني بها كذلك. فلما رأيت السمك علمت أن الليلة هذه هي ليلة الإفراج عني ففرحت ولكنني لم أبد لهم أي علامات على سروري.
وقضيت وقتي بشكل طبيعي حتى منتصف الليل حيث جاءوني وطلبوا مني تغيير ملابسي ولبس البنطلون الجينز والتي شيرت الأبيض وقالوا بأنهم سيأتون لأخذي بعد ساعة.
كان الجندي يسألني إن كنت مسرورا بإطلاق سراحي؟
فقلت له : لا فرق عندي بين البقاء والرحيل فقد كنت أخشى أن تكون هذه الحركة ليست حقيقية كما حدث مع غيري من المعتقلين، ولم أكن لأثق في كلامهم إلا عندما أرى أرض البحرين من الطائرة.
فقال لي: كيف لا تفرح وأنت ستذهب الآن إلى بلدك وأهلك بعد طول سجن؟
فقلت له: إنه لا فضل لكم علي فقد سجنتموني ظلما لأربع سنوات ثم ها أنا سأخرج بفضل الله وحده وليس لكم فضل علي ولا منة، ثم جاء الجنود وكبلوني بالحديد في يدي ورجلي وبطني بقفل كبير.
كما فعلوا بي يوم أن أخذوني من قندهار إلى غوانتنامو. كان ذلك قرابة الساعة الثالثة صباحا وكان معي الأخوين عبدالله النعيمي وسلمان الخليفة من البحرين وكان معنا أخ سعودي اسمه ماجد الشمري، حيث وضعنا في باص ورافق كل واحد منا جنديان يحرسانه.
كانت السيارة مغطاة برايبون سميك بحيث لا نرى شيئا بالخارج تقريبا، ثم ربطوا أيدينا وأرجلنا إلى أرضية السيارة.
تم أخذنا إلى مرفأ بحري ونقلنا بالعبارة إلى الجانب الآخر من الجزيرة حيث يقع مطار قاعدة غوانتنامو.
تم إنزالنا في المطار ورأينا الطائرة المعدة لنقلنا وكانت طائرة عسكرية كبيرة لونها أخضر داكن.
تم تسليمنا للجنود عند باب الطائرة وقاموا بتفتيشنا وقسوا علينا في الحديث.
وعند باب الطائرة طلب منهم أحد الضباط أن يغطوا آذاننا وأعيننا كما فعلوا بنا في رحلة البداية ثم قيدوا أيدينا إلى الكرسي وأرجلنا إلى الأرض، فسألناهم لماذا تقيدوننا بهذه الطريقة ونحن في رحلة العودة والإفراج!
فقالوا :بأن هذه إجراءات أمنية لا بد منها.
كان الوقت عند الفجر فصلينا الفجر ثم طارت بنا الطائرة قرابة الاثنتي عشرة ساعة متواصلة حتى حطت في مطار قد يكون في تركيا أو ألمانيا.
وكنا نسأل المترجم عن أوقات الصلاة ونقول لهم بأنه من الضروري أي يخبرونا عن غروب الشمس وغيرها فكان المترجم يخبرنا بالأوقات.
ولأننا لم نكن نستطيع الوضوء فقد كنا نتيمم وذلك بضرب أيدينا على الكرسي قدر استطاعتنا ولكننا ولله الحمد لم نفوت الصلاة حتى ونحن في هذه الحالة.
كما لم يسمحوا لنا باستخدام دورات المياه طوال فترة السفر، وقد أحضروا لنا بعض الفواكه دون أن يسمحوا لنا بفك قيودنا أو رفع الغطاء عن أعيننا لنعلم ما يقدم لنا، فأكلنا بعض الفاكهة ولم نأكل اللحم خشية أن يكون لحم خنزير.
كانوا يشدون السلاسل في أيدينا كل فترة لإزعاجنا وكنا نتج عليهم، فقالوا بأنه إجراء أمني للتأكد من أنها ما زالت مقيدة. كانوا يظهرون لنا الحقد الكثير لأنهم يعرفون أننا في طريق العودة لأوطاننا فكانوا يريدون الانتقام منا وإغاظتنا ولكننا كنا نواجههم بقوة وقسوة ولا نقبل إهانتهم لنا حتى في اللحظات الأخيرة قبل العودة إلى الوطن.
((( في أرض الوطن )))
وصلنا إلى البحرين بعد رحلة استغرقت حوالي أربعة وعشرين ساعة وكنا طوال الوقت مقيدي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين والآذان والأفواه.
ولما وصلت الطائرة إلى أرض البحرين شعرنا بالفرح الشديد والأمان لوصولنا إلى بلدنا الحبيب
ولما أرادوا إنزالنا من الطائرة أمرهم الضابط الأمريكي بفك قيودنا قبل إنزالنا من الطائرة لكي يظهروا أمام الكاميرات بأنهم قد أحسنوا معاملتنا بالطائرة.
وقد تعذر عليهم فتح الأقفال من أيدينا وأرجلنا، فطلبوا مقصا للحديد من خارج الطائرة لقص الأغلال.
تم مسكنا كل واحد من قبل جنديين وكنت أول من نزل من الطائرة وأنزلونا بكل حنان وإنسانية كعادة الأمريكان في الكذب والخداع على العالم.
تم تسليمنا لشرطة البحرين وكان على رأس المستقبلين العقيد عادل الفاضل، كما كان بالمطار عدد كبير من الحضور الذين لم أعرفهم.
أذكر أن العقيد عادل احتضني وقال لي: أهلا بك في بلدك ثم قام الجميع بالسلام علينا وحمدوا الله على سلامة عودتنا إلى أرض الوطن.
أخذنا رجال الأمن بسيارات مدنية، كل واحد منا في سيارة ومعه رجلا أمن بكل أدب واحترام وذهبنا إلى النيابة العامة، وكان في استقبالنا العقيد علي الذوادي والعقيد علي البوعينين والعقيد أحمد بوزيد.
وكان استقبالهم لنا بكل أخوة واحترام وثبتوا لنا محضر وصول بسيط وشكلي وسلموا لي معظم الأمانات التي أخذها مني الباكستانيون، ثم اتصلوا بأهلنا وطلبوا منهم أن يحضروا لي الملابس العربية.
جاء إخواني الثلاثة لاستقبالي وكانوا يبكون من شدة الفرح وعدم التصديق وكنت في غاية الفرح والسرور.
كانت وجهتنا الأولى بيت والدتي حفظها الله حيث اجتمع الأهل جميعا هناك، وعندما وصلنا إلى المنزل كان في استقبالي عدد كبير من المهنئين الذين علموا بوصولنا.
وقد رأى الإخوة أن أجلس في مجلس الجامع المجاور لبيت والدتي لاستقبال الضيوف الذين لم ينقطع توافدهم لعدة أيام، فاستأذنتهم للدخول والسلام على والدتي وزوجتي وابنتي وأخواتي ووالدة زوجتي وباقي الأهل والجيران من النساء اللاتي تجمعن في بيت الوالدة وفي أيديهم المشموم والرازجي والأموال لكي ينثروها علي لحظة دخولي المنزل.
كان الموقف مفرحا بشكل لا أستطيع وصفه، وكان الجميع يبكون بصوت عالٍ.
وكانت ابنتي هاجر تبكي وأنا احتضنها وأطمئنها بأنني قد عدت إليها وهي شابة متدينة وعاقلة وخجولة وقليلة المزاح.
وقد طبخت الوالدة لي غداء كنت أحب أكله من قبل، فاستأذنتها أن أذهب للسلام على الناس ثم أعود، ولكن جموع المهنئين لم ينقطعوا من الظهر وحتى العشاء.
لا أستطيع أن أصف شعوري تجاه أهل البحرين فقد وقفوا معنا في محنتنا ولم ينسونا في غربتنا ولم يبق أحد إلا وأتى للسلام علينا، المسئولون والعلماء والمشايخ وطلبة العلم والنواب والأهالي والصغار والكبار والنساء والرجال والأطفال فجزاهم الله خيرا كثيرا.
وأخيرا وليس آخرا فإن استقبال الحكومة وما قامت بعمله من جهود مشكورة للإفراج عنا وما وعدونا به من تعويض مادي ومعنوي وما وصلنا من سلامات وتحية من كبار المسئولين دليل على طيبة هذه الأرض والوطن ملكا ونوابا وحكومة وشعبا. كما لا يفوتني أن أشكر النائب الشيخ محمد خالد إبراهيم رئيس اللجنة الوطنية لمناصرة الأسرى المعتقلين في سجون غوانتنامو وأعضاء اللجنة والسيد نبيل رجب على جهودهم الطيبة في سبيل قضيتنا.
((( حكايات من معتقل غوانتنامو )))
إن الحوادث التي تؤكد عدم احترام الأمريكان لحقوق الإنسان لا تعد ولا تحصى، وفيما يلي بعض هذه الانتهاكات:
• بينما كان أحد المعتقلين يمارس الرياضة وأثناء المشي داس من غير قصد على طرف وزغة فانقطع ذيلها فأخذ الذيل ورماه، فرآه أحد الجنود فاستدعى على عجل مسئولي السجن وأطباء العيادة النفسية وقالوا له: لماذا حاولت قتل الوزغة؟ فقال: بأن ما حدث لم يكن عن قصد منه، ولكنهم أخبروه بأنه تعدى على هذا الحيوان دون وجه حق وأن عليهم حماية الزواحف والحيوانات، ثم قرروا حبسه في السجن الانفرادي مدة أسبوعين عقابا له على الجريمة التي اقترفها وسحبوا الفرش وأخذوا بنطلونه وتركوه في السجن الانفرادي بملابسه الداخلية طوال هذه المدة.
هذا رغم أن الوزغة لم تمت فكيف لو ماتت!
• أخ آخر دخل عليه عنكبوت سام فحاول إبعادها من الزنزانة ولما لم يفلح ضربها بالنعل وقتلها، فرآه أحد الجنود وبلغ عنه إدارة السجن فقامت بمعاقبته. فانظر إلى هذا التناقض والاستهتار في المفاهيم حين يقوم هؤلاء المجرمون بالتعدي على البشر بالظلم والقتل والاضطهاد ثم يدعون حفظ حقوق الزواحف والعناكب.
• كان أحد الإخوة المعتقلين يجيد التحدث باللغة الإنجليزية وكان كثير التشاجر مع المحققين ويجادلهم بأنهم يكذبون بادعائهم احترام حقوق الإنسان، فليس للإنسان قيمة عندهم في الواقع. فضمروا له العداء وتحينوا الفرصة للانتقام منه.
وفي إحدى المرات حصل بعض الشد بينه وبين إحدى المجندات، فأحضروا له الشغب ودخلوا عليه الزنزانة وقاموا برش المادة الخانقة على وجهه ثم ضربوه ضربا مبرحا حتى أدموه وسال الدم من رأسه وفمه وعينه وأنفه ويديه، وكنا نصرخ ونضرب على الشبك ولكن دون فائدة حتى غاب عن الوعي من شدة الضرب وظننا أنه قد مات، ثم أخذوه إلى العيادة للعلاج وظل هناك لفترة طويلة.
• الشيخ عبدالسلام ضعيف كان سفير دولة طالبان في باكستان وكان المتحدث الرسمي باسمها وهو في عرف الدول يعتبر شخصا دبلوماسيا له حصانة.
رفض الشيخ عبدالسلام الخروج في إحدى المرات للغسل والسبب هو أنهم يعطون المعتقل خمس دقائق فقط للغسل ولكنهم كثيرا ما يقطعون الماء عنا بعد مرور دقيقة أو دقيقتين ويعيدوننا إلى الزنزانة والشامبو لا يزال في رؤوسنا فكنا نعترض على هذا الإجراء التعسفي بالامتناع عن الذهاب للغسل، فأخرجوه بكل قسوة بواسطة قوات الشغب وضربوه ضربا مبرحا وحلقوا شعر رأسه ولحيته ثم سجنوه في السجن الانفرادي.
• كان الجنود يقدمون لنا كمية بسيطة من الطعام بحيث تبقينا على قيد الحياة فقط، وكانت الكمية المقدمة لنا لا تزيد عن مقدار إصبع من أصابع اليد، رغم أنهم يرمون كميات كبيرة من اللحم والدجاج في الزبالة أمام أعين المعتقلين، وعندما نسألهم: لماذا يرمون الطعام ولا يقدمونه لنا؟، يقولون: بأننا لا نستحق الطعام وأننا نأكل أكثر مما نستحق.
وكانوا يسرقون بعض الطعام المخصص للمعتقلين كالزبادي أو الخبز أو البيض، فكانوا يأخذون بيضة واحدة ويعطوننا أخرى، أو يعطوننا خبزة واحدة ويسرقون أخرى، وكانوا في رمضان يخصصون عشر تمرات لكل معتقل، ولكنهم كانوا يقدمون لنا ثلاث تمرات ويرمون الباقي في الزبالة.
وفي الفترات التي أعقبت الإضراب عن الطعام وعدتنا الإدارة بتقديم الكورن فليكس ثلاث مرات في الأسبوع ولكن الجنود كانوا يقدمونه لنا مرة واحدة في الأسبوع ويخفون الباقي ويأكلونه بأنفسهم.
وقد كنا نراهم يضعون البيض المسلوق وعلب الكورن فليكس في حقائبهم ليأكلوها خارج المعسكر. وبينما كان الجنود يشربون الماء الصحي والمقطر كان الماء الموصل بالحنفيات في الزنازين مليء بالأتربة والصدأ والكلور، فكنا نصاب بآلام في البطن عند شربه وكنا نطلب منهم أن يغيروا الماء ولكنهم يرفضون حتى بقينا أكثر من ثلاث سنوات ونحن نشرب من هذا الماء الملوث.
• كان اللباس الذي بلبسه في المعتقل خشنا جدا وهو ثقيل ومزعج، وكنا نصاب بالحكة والحساسية بسبب طبيعة الطقس الحار في غوانتنامو وكانت أجسامنا تصاب بالالتهابات والجروح جراء الحكة بسبب هذا اللباس.
• الإضراب عن الطعام بسبب الاعتقال التعسفي: في شهر يوليو عام 2005 قام الإخوة بتنفيذ إضراب مفتوح عن الطعام شارك فيه أكثر من مائتي أخ، وكان هدف الإضراب هو الاحتجاج على الاعتقال الطويل دون التقديم للمحاكمة.
فجاء المسئولون بالسجن وطلبوا منا فك الإضراب وأن نقدم لهم مطالبنا ووعدونا بتحقيقها.
فاتفق الإخوة على تشكيل مجلس يقوم بالتفاوض مع إدارة السجن، واجتمعوا مع إدارة السجن وطلبوا منها أن يقدمونا لمحاكمة عادلة وألا يستمر اعتقالنا لمدة غير محددة، فوعدوا برفع مطالبنا لوزارة الدفاع الأمريكية وأن يتكرر هذا الاجتماع للوقوف على مطالب المعتقلين. فطلب الإخوة منا أن نفك الإضراب وأن ننتظر رد إدارة السجن ليتبين لنا مدى صدقهم وجديتهم.
لكن الجنرال الذي يدير السجن بدأ في التهرب من وعوده بل وعادوا إلى استفزاز المعتقلين، وكانوا يفتعلون المشاكل لإدخال قوات الشغب علينا وضربنا. فعندما رأينا كذبهم عدنا إلى الإضراب والعصيان ورشهم بالماء، فقامت الإدارة بمعاقبة العديد منا بحبسنا في الزنازين الانفرادية، أو نقل البعض منا للعنابر المخصصة للتعذيب وسحب كل أغراض المعتقلين وتركهم على الحديد.
فتشاور الإخوة من جديد، وقررنا الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام والشراب، وبدأ الإضراب من منتصف شهر أغسطس تقريبا وشارك فيه أكثر من أربعين معتقلا.
فلما رأت إدارة السجن هذا الإضراب عادت إلى مجلس الشورى وطلبت التفاوض معهم من جديد ولكن المجلس رفض حتى التحدث معهم، فأرادوا أن يشقوا صفنا وذهبوا للمعتقلين في الزنازين وطلبوا منهم أن يختاروا ممثلين جدد لهم ولكننا رفضنا أن نغير المجلس.
ولقد حاولت الإدارة ثنينا بكل الوسائل عن الإضراب ولكن دون جدوى. واستمر الإضراب المميت أكثر من شهرين حتى بعد شهر رمضان.
وكانت الخطة هي أن ننفذ إضرابا مرحليا يتناوب المضربون فيه على الإضراب عن الطعام والشراب لمدة معينة ثم تنضم إليهم مجموعة أخرى وهكذا. قامت إدارة السجن بنقل المضربين بصورة سرية إلى العيادات ليتم تغذيتهم قسرا بواسطة المغذيات عن طريق الأنابيب ثم استبدلوها بالأنابيب المغذية عن طريق الأنف، وكانت تعمل جاهدة على ألا يتسرب خبر الإضراب للعالم الخارجي. وقد نزلت أوزان الإخوة كثيرا جدا، بل نزلت أوزان بعض الإخوة إلى أقل من أربعين كيلوجراما. فشق هذا الإضراب كثيرا على الأمريكان. ولم نسلم أثناء تنفيذ الإضراب من التعذيب الذي كان الأطباء يمارسونه ضدنا، فقد كان الأطباء يأمرون بتقييدنا بشدة إلى الأسرة، وكانوا يختارون الأنابيب الكبيرة لإدخالها في أنوفنا للتغذية، وكانت هذه الأنابيب كثيرا ما تؤذي الإخوة وتجرح أجسادهم وتؤلمهم.
• مصور قناة الجزيرة سامي الحاج تم اعتقال الأخ سامي الحاج من قبل القوات الباكستانية وسلم إلى الأمريكان الذين قاموا بنقله بنفس الطريقة من باكستان إلى قندهار ومن ثم إلى معتقل غوانتنامو.
وكباقي المعتقلين، لم يكن للأمريكان أي أدلة على سامي ولم توجه له أية تهم، وإنما كان السبب أن الأمريكان أرادوا الاستفادة من سامي في نزع معلومات عن قناة الجزيرة وسر النجاح الذي حققته، وإن كانت لهم أي ارتباطات بجهات مشبوهة أو لهم صلات بجهات مشبوهة، وخصوصا بعد أن أجروا مقابلة مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وكيف وصلوا له ولغيره من مسئولي القاعدة وطالبان وغيرها من الأمور التي تخص القناة من كيفية وصول أشرطة فيديو عليها لزعماء القاعدة أو الزرقاوي.
وكان سامي الحاج يرفض بشدة التعاون معهم ويصفهم بالمجرمين الذين اختطفوه ليس لتهمة معينة وإنما لابتزازه وإغرائه بالعمل معهم كجاسوس ضد قناة الجزيرة.
لذا فإن الإدارة الأمريكية تواصل سجنه بكل هذا الظلم فقط كعقاب له وللقناة التي يعمل لصالحها رغم عدم قدرتهم على توجيه أي تهمة له.
تعرض الأخ سامي الحاج لمحن عديدة في غوانتنامو، كان من بينها أنه تعرض للضرب الشديد من قبل الجنود لأنه رفض الخروج للاستحمام، وكان هذا من الحقوق الشخصية للمعتقل، وقد أرغم على الخروج للغسل، وبينما كان الجنود يأخذونه إلى منطقة الغسل وكان مستوى منطقة الغسل أقل من مستوى العنابر، جاء الجنود من خلفه ودفعوه على السلم حيث تدحرج من الأعلى إلى الأسفل، وكان موثوق اليدين والرجلين فأصيب في رأسه بجرح غائر وسال الدم من أنفه وفمه، ثم جاء الجنود وأخذوا يضربونه ضربا مبرحا ثم جروه إلى خارج العنبر حيث حلقوا شعر رأسه ولحيته ثم رموا به في السجن الانفرادي. ورغم أن الدم كان ينزف منه، فقد ترك في الزنزانة دون علاج لمدة يومين. وبعد يومين تم إعطاؤه لزقة لوضعها على جرحه دون تقديم أي مساعدة طبية.
• مأساة الأخ مشعل الحربي في عام 2002م وبعد عيد الفطر كان الأخ السعودي مشعل الحربي محتجزا في زنزانة انفرادية في العنبر إنديا، وفي الفترة المسائية وبعد صلاة المغرب، قام أحد الجنود بالاستهزاء بالدين الإسلامي والقرآن الكريم، ثم بدأ بلمس المصحف والاستهزاء به، فغضب المعتقلون وبدؤوا بالصياح والضرب على شبك الزنازين، ولكن هذه المرة أراد القائد الجديد للمعتقل أن يكسر عزيمة المعتقلين بالقوة، فتم جلب فرقة أو فرقتين من قوات الشغب العسكرية، ثم قاموا بإطفاء الأنوار في الزنازين وفي الساحات الخارجية للمعتقل، حتى أصبح عنبر إنديا في ظلام دامس جداً، ثم بدأت قوات الشغب بالدخول على المعتقلين في الزنازين وفي الزنازين الانفرادية الواحدة تلو الأخرى، وفي أيديهم كشافات قوية يوجهونها إلى أعين المعتقلين، ثم يقومون بضرب المعتقل بشكل جماعي، حتى سال الدم من أجساد العديد من الشباب ومن وجوههم وأفواههم وأنوفهم.
وفجأة سمعنا بعض الهمهمات والهمسات بين الجنود وقوات الشغب، ثم أعيدت الأنوار.
كان الشباك في الزنزانة الانفرادية التي وضع بها أحد الإخوة المعتقلين ليست محكمة الإغلاق وكانت قريبة من الزنزانة الانفرادية التي وضع بها الأخ السعودي مشعل الحربي، وقد أخبرنا هذا الأخ وكذلك شاهد آخر من الإخوة أثناء إعادته من غرفة التحقيق بأنهما شاهدا قوات الشغب يخرجون مشعل من زنزانته والدم ينزف من فمه وأنفه ثم حملوه إلى العيادة. وكانت الدماء موجودة في الممرات وفي الزنزانة الانفرادية التي وضع بها مشعل، وقد حضر المسئولون بالسجن للتحقيق في الحادث ورؤية الدماء وأغلقوا الزنزانة، ثم جاء بعض الخبراء الذين يلبسون الملابس البيضاء في اليوم التالي ورفعوا البصمات وأخذوا عينات من الدماء التي في الزنزانة وفي الممرات، واستمرت التحقيقات والتحريات مدة يومين ثم قاموا بغسل الدم من الممرات ومن الزنزانة ثم أقفلوها وشمّعوها بالشمع الأحمر ومنعوا الدخول إليها.
بدأ المعتقلون يلحون في السؤال عن مشعل وتعالت الأصوات المطالبة بمعرفة حالته الصحية، وأشيع بين المعتقلين أن مشعل قد مات تحت التعذيب، وطالبنا المسئولين بالكشف عن الحقيقة، فارتبك مدير السجن والجنود ونفوا أن يكون مشعل قد مات، وأكدوا لنا بأنه في المستشفى وأنهم سيوافوننا بأخباره أولا بأول.
وبعد أسبوع جاء بعض الأطباء ليخبرونا بكذبة من كذبات الأمريكان التي لا تنتهي وهي أن مشعل قد حاول الانتحار في الزنزانة الانفرادية وذلك بشنق نفسه بالمنشفة الصغيرة التي يعطونها لنا والتي لا تكفي حتى للفها حول الوسط ناهيك عن ربطها في السقف ولفها على الرقبة. ولأننا نعرف أن هذا الأمر مستحيل فقد اتهمناهم بالكذب وتلفيق الاتهامات ضدنا وضد أخينا مشعل الذي يتمتع بقوة عزيمته وصبره، وكان هو الذي ينصحنا دائما بالصبر واحتساب الأجر، فكيف سيقدم على الانتحار. والحقيقة أن مشعل قد تعرض للضرب خلال فترة إطفاء الأنوار، وكان الهدف من إيذاء مشعل بهذه الطريقة الوحشية هو إرعاب باقي المعتقلين لثنيهم عن التمادي في العصيان والاعتراض على الأوامر.
كان الصليب الأحمر يدافع عن المحققين الذين اعتدوا على مشعل ويلفق الأكاذيب ضده، وكانوا يؤكدون أن لنا بأن مشعل قد حاول الانتحار، فلما رؤوا إصرارنا على الدفاع عن مشعل واتهامنا لهم بأنهم كذابون وأنهم يعينون الأمريكان على تجاوزهم على حقوقنا المقررة دوليا، قام بعض موظفي الصليب الأحمر بالتشكيك في رواية الانتحار وأكدوا لنا بأنه قد تعرض للضرب.
كما أخبرنا هؤلاء بأن مشعل قد يتعرض للموت الدماغي بسبب إصابته البليغة في الرأس وبسبب تعرضه للضرب من الخلف على منطقة النخاع الشوكي، وقالوا بأنه قد أصيب بالشلل الكلي. ولما طلبنا منهم أن يرفعوا تقريراً بذلك اعتذروا بأنهم ينفذون الأوامر التي تأتيهم من رؤساؤهم فقط وأنهم لا يمكنهم تجاوز مسئوليهم.
تمت
المفضلات