فراج إسماعيل | 15-05-2011 01:44
الفوضى الأمنية في مصر لخصتها صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية في جملة واحدة
"الهلع الليبرالي والعلماني من وصول الإسلاميين إلى الحكم".
في كل مرة تحدث فتنة طائفية أو هجمات من البلطجية أو مظاهرات واعتصامات، يخرج
الإعلام العلماني والليبرالي عالي الصوت والذي يستفرد وحده بالساحة، ليطالب المجلس
العسكري بتأجيل الانتخابات واستمراره في الحكم حتى تستعد الأحزاب ويسترد الشارع
الأمن.
تضيف الواشنطن بوست: إن إعلان الإخوانجي عبدالمنعم أبو الفتوح ترشحه للرئاسة أضاف
"مغص" آخر في بطن العلمانيين واليساريين، وليس مستبعدا أن يلجأوا للتدخل الأمريكي
من أجل الضغط على المجلس العسكري ليمنع ذلك ويستمر في الحكم إلى أن يصاغ دستور جديد
يفصل على مقاس يلائم تلك القوى ويحظر على الإسلاميين الدخول إلى حلبة المنافسة
الانتخابية حتى لو أعلنوا انسحابهم من تلك التيارات أو ترشيح أنفسهم مستقلين على
نمط أبو الفتوح.
ما نشهده على الساحة ورغم إعلان المجلس العسكري عن قرب نفاد صبره ونيته للتدخل بكل
امكانياته في مواجهة الفئات الضالة، يجعلني في حالة من التشاؤم لم أصل إليها من قبل
حتى في عهد مبارك وصعود أسهم التوريث.
إنني استعيد حالة الجزائر بعد فوز الجبهة الإسلامية للانقاذ بـ188 مقعدا من 228
مقعدا في الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب في شهر ديسمبر 1992 خلال الجولة الأولى
وفوز الحزب الحاكم "جبهة التحرير" بـ16 مقعدا فقط.
في هذا الوقت قاد العلمانيون والليبراليون والحزب الحاكم مظاهرات أدت إلى تدخل
الجيش لالغاء الجولة الثانية ونتيجة الانتخابات كلية، وقام باعتقال قادة وأعضاء
جبهة الانقاذ، لتتوقف العملية الديمقراطية والانتخابات التعددية التي كانت قد
فرضتها انتفاضة شعبية قبل ذلك بعامين، وليتحول الآلاف من الإسلاميين إلى العمل
السري تحت الأرض، وتدخل الجزائر في نفق مظلم قضى على كل شيء وأودى بحياة 200 ألف
شخص.
نجد من الضروري أن نطالب العلمانيين والليبراليين واليساريين بالاستفادة من
التاريخ. ليس من ذلك المثال فقط، بل من التاريخ المصري والعربي المحيط، فقد تسبب
الكبت والسجون والمطاردة التي واجهتها التيارات الإسلامية إلى تأسيس جماعات تنتهج
العنف، وتصل بالمجتمع الدولي إلى 11 سبتمبر 2001 ثم الإحتلال الأمريكي لأفغانستان
والعراق.
الأنظمة العربية السياسية وخصوصا مصر كانت مناخا صانعا للعنف والانتقام، وذلك ما
توصلت إليه العواصم الأوروبية والولايات المتحدة، ما جعلها تؤيد الثورة المصرية
وتلح على خروج النظام السابق. ولا ترى حتى الآن أي مانع في المضي بالعملية
الانتخابية إلى نهايتها رغم الضغوط المتوالية التي يمارسها العلمانيون والليبراليون
واليساريون في القاهرة.
نجيب ساويرس مثلا يقول للواشنطن بوست: ستكون انتخابات غير عادلة، فكيف ندخل في
منافسة مع الإخوان ووراءهم 80 سنة من الممارسة والتنظيم، فيما غيرهم لم يأخذ وقته
للاستعداد. إن ديكتاتورية الإخوان ستصبح بديلا لديكتاتورية نظام مبارك؟!..
ويقول عمرو موسى: لابد أن تجري الانتخابات الرئاسية قبل البرلمان، حتى يكون للرئيس
دور وكلمة في الدستور الجديد. أي أن يتدخل في صياغته ويفرض مقاسات معينة.
الإخوان قضوا معظم السنوات الستين الماضية في السجون، فكيف هم أكثر تنظيما
واستعدادا من الطلقاء كالعلمانيين والليبراليين الذين كان الحكم السابق يمنح لهم
جزءا من الكعكة - حتى لو كان هشا - في المشاركة البرلمانية والسياسية مقابل تجميل
الديكور..!
الإعلام الأوروبي والأمريكي أكثر ذكاء وحصافة، فهو ينبه حكومات بلاده من مغبة
الانجرار لرغبات العلمانيين والليبراليين واليساريين المصريين لتعطيل الانتخابات
وفرض الحكم العسكري.
يحذر كتابه ومحللوه من أي حالة إنسداد جديدة يتعرض لها الإسلاميون أو المتدينون،
فمصر نفسها واجهت أسوأ تاريخها مع العنف في الثمانينيات والتسعينيات. ومن المنظور
أن يعود ذلك مجددا.
مصر الآن غير مهيأة لأي إنسداد من ذلك النوع. فالفتنة الطائفية ترقد الآن على موقد
ملتهب. والمسيحيون في 2011 غيرهم في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، فشبابهم يتلقون
جرعات مستمرة من الاستثارة واشاعة روح الانتقام والثورة على ما يقولون إنه ظلم واقع
عليهم، وتسربت فيهم بالفعل سلوكيات عنيفة، لا يترجمها فقط قول أحد القساوسة بأنهم
سيضطرون إلى حمل السلاح، بل ظهر السلاح فعلا في أحداث إمبابة.
الإنسداد الذي يسعى إليه العلمانيون واليساريون والليبراليون سينهي المناخ السيء
الحالي بتفجير البلاد ودخولها في حرب أهلية لا يعلم الله كيف تمضي ومتى وكيف تنتهي
ومن الذي سيتدخل فيها من العالم الخارجي؟!
الحفاظ على مصر طريقه واحد وهو احترام نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية وأن
نمضي في طريقنا نحو برلمان ودستور جديدين ورئيس منتخب بضمانات كاملة من النزاهة
والعدالة ورقابة المنظمات المحلية والدولية.