أحمد سمير يكتب: فرح العمدة..

السبت، 21 مايو 2011 - 14:00



حين نعايش جميعاً حدثاً مهماً وخطيراً مثل أحداث ما يسمى بـ "الفتنة الطائفية" لا يجد المرء نفسه إلا مدفوعاً على نحو مستمر بأن يحكم القلق جميع استجاباته.. القلق على مستقبل هذا الشعب، وهذه الثورة البيضاء، التى يسعى الكثيرون لتلويثها بأية دماء إذا ما استطاعوا.

على أن المشهد الحالى يذكرنى فوراً بما يطلق عليه فى الثقافة الشعبية المصرية بـ "فرح العمدة".. ففرح العمدة يمثل حدثاً استثنائياً.. يهتم به الجميع، وتأتى الضيوف من كافة القرى والأماكن لمشاهدته.. فرح العمدة يتم فى مكان بارز.. وتحت سمع وبصر الجميع.. تتم إنارته بأعلى وأحلى وأقوى الكهارب التى تركز على كل تفاصيله وأحداثه، والكل يعلم أن أى حدث سوف يتم حكيه ونقله لكل القرى المجاورة.. فى فرح العمدة الصغار يضربون النار على الدوام.. يشعرون برجولتهم وهم يطلقون هذه الأعيرة ..فى فرح العمدة.. يقوم الكبار دائماً بمنح "النقطة" للفرقة وللعروسين.. فى فرح العمدة يسعى العمدة إلى أن تكون الناس "مبسوطة ومتكيفة" فتجد الطعام والشراب، بل والحشيش على الموائد.. فرح العمدة ينتهى دائماً بمزبلة كبيرة يعانى أهل البيت ومعاونوهم فى إزالتها بضعة أيام.

هذا هو حالنا للأسف فى التعامل مع ملف الفتنة الطائفية.. منطق فرح العمدة.. يهرع الصغار إلى إطلاق النار هنا وهناك.. بينما يهرع الكبار للمزايدة وتقديم "النقوط" لفكرة الوحدة الوطنية، والهدف الواحد، والمصير المشترك، والوطن الذى يظلل كل المواطنين.

وحين يبدأ حدث الفتنة.. تجده فى مقدمة كل وسائل الإعلام المصرية والعالمية، يتم كل شىء فيه بمنطق التضخيم لكل سلبى للأسف.. وتنتشر الحكايات فى كل القرى وبين كل الناس لتضخم وتهول وتشارك فى هذه "الهيصة".

وحين تجد الحكومة أن الفتنة صارت شيئاً خطيراً.. تقوم على الفور بالتكييف.. فتهرع بمجموعة من المسكنات، والقرارات المتعجلة، والتحذيرات الجوفاء لترضى الجميع، من يريد التسكين، ومن يريد القرار، ومن يبحث عن دور للدولة.. المهم أن ينبسط الجميع ويرضى.
وحين ينتهى الحدث نجد أنفسنا أمام رواسب ومشكلات وحساسيات شديدة لا تكفى السنون لمداواتها وعلاج جراحها..

فرح العمدة يتم على قدم وساق.. ويتناسى الجميع أن العروسين فى الكوشة لا دخل لهما بكل ما يتم حولهما.. لا يسأل أحد هل يحبان بعضهما بحق؟ هل يمكن أن يعيشا حياة سعيدة معاً؟ هل من الممكن أن يؤسسا أسرة حقيقية تمثل نواة للعلم والقوة والمعرفة؟ أبداً.. هذا لا يحدث.. لا فى فرح العمدة الحقيقى، ولا فى هوجة الفتنة التى نكتوى بنارها جميعاً الآن.
ومن المفارقات المصرية العجيبة.. أن ما يتكرر فى فرح العمدة يتكرر كذلك فى مأتم العمدة.. الكهارب تنصب، والكبار يهرعون للشد على الأيدى، والنساء تجامل بإطلاق النواح كل برهة.. نفس المنطق ونفس التصرفات.. نواح، ومواساة.. كما كانت الحال.. نار وهيصة.. ونقوط..

وفى النهاية كذلك لا يسأل أحد عن الميت.. كيف مات؟ ومن أى الأمراض كان يعانى؟ وهل كان من الممكن علاجه أم لا؟

الفتنة يا سادة ليست فرحاً ولا مأتماً.. الفتنة تأسست على شعور قهرى بالظلم لدى المسلمين والمسيحيين فى هذا البلد..

ظلم.. من الظلم أن نعزوه إلى أحد الفريقين وحده.. ظلم شارك فيه وفى صنعه النظام البائد وقام على تغذيته طيلة ثلاثين عاماً..

الظلم مشترك.. يكتوى به الفريقان.. والحل فى رفع الظلم وتأسيس دولة القانون.. الدولة التى تفرض وجودها على الجميع لا تسعى لرضائهم وتكييفهم..
ولكن يبدو إلى الآن أن المصريين فرحانين بالتهييص فى هيصة فرح العمدة.. وأخشى أن يكونوا مستعدين للنواح والطبطبة فى مأتم قادم لا محالة إذا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو.. وتم التعاطى معها على النحو ذاته..


اليوم السابع | أحمد سمير يكتب: فرح العمدة..