مافيا تجارة سيارات المعاقين
حين فكرنا فى موضوع تجارة سيارات المعاقين أو " السيارات المجهزه طبيا " كان امامنا أحد خيارين : أولهما أن نجمع معلومات عن حجم هذه التجاره وأساليبها واجراءات الحصول على السيارات واماكنها ، الى آخر ذلك من معلومات يمكن الحصول عليها بحكم انتشار الظاهره بشكل ملفت للنظر ، وكان هذا هو الطريق الأسهل .
ولكن اخترنا الطريق الأصعب وهو أن ندخل الى هذا العالم مباشرة لنكشف اسراره وما لم ينشر فيه من قبل .
http://www.arabeety.com/admin/upload...018526401_.jpg
على أننا نعترف أننا قبل أن ندخل هذه المغامره لم نكن نتوقع ما واجهناه من صعوبات ، بل ولم يكن ليخطر ببالنا كم هذه المفاجآت التى توالت علينا منذ الخطوة الأولى لبحثنا ، بل وفى كل خطوة كنا نخطوها تقريبا كانت تنتظرنا مفاجأه أو أكثر تكشف لنا وبوضوح أننا قد وضعنا اقدامنا فى حقل ألغام وأننا بالفعل قد دخلنا الى عالم مافيا شديدة التنظيم والتعقيد للتجاره فى سيارات المعاقين ، واليكم فصول المغامره :
... كانت خطتنا تعتمد على أن نتتبع الخطوات التى يتخذها المعاق ( ومن خلفه المشترى الحقيقى بالطبع ) وذلك فى أماكنها الحقيقيه ، ولم يكن ممكنا بالطبع أن نسير فى هذه الرحله بصفتنا الصحفيه لكن المخبّأ من أمر هذه التجاره ومافيا المنتفعين بها أكثر من الظاهر كحال اى تجارة تعتمد فى الأساس على التحايل على القوانين ، لذلك فقد هدتنا الحيله أن أدعى أنا أننى "معاق" فى انتظار خطاب الكومسيون الطبى " الذى بموجبه يحصل المعاق على الاعفاء الجمركى " مستعينا فى ذلك " بعكازين " حملتهما معى ومشيت بهما طوال رحلتى ، بينما أستغل زميلى ملابسه الأنيقه وملامحه ـ شبه الارستقراطيه ـ فى ادعاء أنه صديق لى وقد جاء معى باحثا هو الآخر عن طريقة ما ـ لا يعرف تفاصيلها ـ للحصول على احدى سيارات المعاقين لنفسه ، وبذلك جعلنا من أنفسنا ـ عن قصد ـ طعما ثمينا لصيد وفير تمنيناه وفيرا ولم يتأخر علينا كثيرا .
... فى الصباح الباكر استقلينا أحد سيارات " البيجو" الأجره متجهين الى المدينة الباسله (بورسعيد) وهى الجمارك الأشهر فى عملية استقدام السيارات المجهزه للمعاقين ، وبعد رحلة استغرقت ما يقرب من الثلاث ساعات تقريبا وصلنا الى موقف الاجره والسوبرﭼيت ببورسعيد .
وعلى الفور لم تمهلنا المفاجآت ؟ أى وقت ، فقبل أن نسأل عن مكان جمرك السيارات فاجأتنا يافطات كبيره تستقبل كل زائرى بورسعيد تقريبا أيا كان مرادهم ،بحيث لا تخطأها بلا شك أعين من جاءوا يريدون ما أردنا ، فقد كانت يافطات تعلو عمارات شاهقه اسفلها مكاتب لشركات التجاره فى سيارات المعاقين ، وبذلك تتلقف "الزبون" فور وصوله ليذهبوا به مباشرة الى حيث " هناجر " تخزين سياراتهم فى منطقة الاستثمار التى تجتمع فيها الألآف من السيارات المتراصه فى أماكن متفرقه من كل الأنواع والماركات والبلاد وسنوات الصنع .
...وبعد استراحة قصيره على أحد المقاهى تناولنا فيها كوبا من الشاى وآخر لزميلى من اليانسون ، وبعد أن حرمنا من شرب ولو كوب من الماء ـ فى عز الحر ـ لانه كان أقرب الى ماء البحر منه الى ماء الشرب.
وقبل ان ندفع الحساب لنبدأ رحلتنا جاءنا "عامل المطعم" الذى كنا قد احضرنا منه بعض السندويتشات قبل أن نجلس على المقهى وبدون اى مقدمات ـ كده من غير مناسبه ـ دعانا الى أحد مكاتب السيارات المجاوره له ،وبلا تردد دفعنا الحساب وذهبنا معه .
... عند باب المكتب سبقنا بالدخول وبعد دقيقتين تقريبا دعانا للدخول وانصرف هو بينما استقبلنا الحاج (م . ع ) صاحب المكتب بطريقة بدت روتينيه من ود الترحاب ، ومباشرة سألنى عن طلبى فأخبرته بأننى فى انتظار استلام خطاب الكومسيون الطبى بعد يومين وأننى قد جئت لأحدد نوع السياره التى سأشتريها وثمنها ، وكذلك لأعرف الإجراءات والأوراق التى أحتاجها لكى آتى بالخطاب وأنهى عملية الشراء فى يوم واحد دون الحاجه الى كثرة اللف على مكاتب السيارات ، وهنا تحفّظ الرجل عن إخبارى بما أريد بدعوى أن السيارات لا تمكث طويلا بدون بيع وأننى يمكن أن أختار سياره أو أكثر اليوم فلا أجدهم جميعا غدا ، وهنا أحسست ـ بورطه ـ منطقية كلامه وأننى يمكن أن أواجه نفس الكلام من كل تاجر ألتقى به من بعده ، فهدتنى حيلتى سريعا أن القى اليه طعما يسيل له لعابه كتاجر ـ لعله يصيب معه ـ فأخبرته أننى أولا مقتنع جدا بكلامه ولكن من حيث نوع السياره وسعرها فليس لدى مشكله وأن ميزانيتى فى الشراء مفتوحه وأننى فقط أريد أن أعرف نوع وموديل وسعر السياره التى سوف أشتريها لأحضر ثمنها معى كاش أو بتحويل بنكى إن كان يقبل بذلك
ولم أتوقف عند هذا الحد وإنما أشرت لزميلى بإشاره معينه فقد كنت اتفقت معه عليها قبل دخولنا ليدخل فى الحوار بعدها بروايته التى إتفقنا عليها أيضا مسبقا ، فأكمل على كلامى قائلا له بأنه أيضا يريد سياره ولكن ليس لديه معاق ، وهنا تغيرت ملامح التاجر ولهجته معنا ۱۸۰ درجه ، فابتسم قائلا لنا أنه سوف يذهب معنا الى هناجره الخاصه بمنطقة الإستثمار ليرينا السيارات ـ فقط ـ حتى لا تكون رحلتنا من القاهره الى بورسعيد بلا فائده .
وحين وصلنا الى الهناجر كانت السيارات متراصّه متجاوره فى ممر ضيق بحيث لا تترك مساحه بينها لأكثر من شخص واحد ، وعلى الجانبين غرف أشبه بالجراﭼات تمتلئ بالسيارات بشكل عجيب يجعلك تسأل نفسك فى عجب : كيف تدخل وتخرج هذه السيارات بهذا الشكل ؟
ولأننى كنت حريص علي جمع كل تفصيله حتى وإن كانت بسيطه فقد سألت هذا السؤال للحاج (التاجر)
وكانت الإجابه أن عدد السيارات التى تسلم بعد بيعها يوميا تجعلهم بطبيعة الحال يخرجون معظم هذه السيارات تقريبا يوميا لتدخل سيارات أخرى مكانها " وكانت هذه الإجابه دليل ثانى و أقوى يبين مدى رواج وإنتشار هذه التجاره " .
... وعلى الفور بدأ التاجر فى التجول بى بين السيارات شارحا لى مزايا كل سياره وسعرها ، وأنا أستمع باهتمام مصطنع ، محاولا فى نفس الوقت إلهاء التاجر والشاب الذى وجدناه فى الهناجر عن زميلى الذى يقوم بالتصوير بكاميرا " ديجيتال " فى حرص شديد وخوف أشدّ.
...على الفور بدأ التاجر يعرض لى عرض " بانورامى " لمتوسط الأسعار لمختلف أنواع السيارات مثل الفيات بولو والدايو لانوس والدايو نوبيرا Ι و Π والتويوتا موديل ٩٣ ، ثم الهوندا موديل ٩٧ ( جميع الكماليات ) ، ثم السكودا فلشيا موديل ٩۸ ، ثم السياره الجولف بورا موديل ٢۰۰٢ ، ثم تأتى الفولكس فاجن باسات موديل ٢۰۰۰ (مانيوال/أوتوماتيك) وأخيرا تأتى الهيونداى إلنترا.
وهنا شعرت أن التاجر على وشك أن ينتهى تقريبا من عرض بانوراما الأسعار بينما لم ينتهى زميلى من التصوير بعد ، فبادرته مسرعا بأول سؤال خطر ببالى ولم يكن وقتها ذو فائده تذكر عندى .
غير أن إجابته حملت لى مفاجأه أخرى لم أكن أتوقعها ولم أكن أقصدها ، فسألته لماذا لا يوجد فارق فى السعر بين السياره المانيوال ونظيرتها الأوتوماتيك فى نفس النوع والموديل لكل سياره ، فأجابنى مسرعا قائلا : لأن ما يحدد كون السياره مانيوال أو أوتوماتيك هو تقرير خطاب الكومسيون الطبى بحسب نوع الإعاقه ودرجتها .
... ومن باب إطالة الحديث معه لا أكثر قلت له : ولكنى فى كل الأحوال وأيا ما كان الخطاب الصادر لى فإننى أفضل الاوتوماتيك عن المانيوال . وهنا نظر التاجر إلى قدمىّ متفحصا لهما وبعد أن عجز عن تحديد إعاقتى سألنى مباشرة : هل إعاقتى فى القدم اليسرى أم اليمنى ؟ وبإرتباك بسيط وتلقائيا أجبته : بأنها اليسرى ، فإمتعض وقال لى : "للأسف خطابك سيكون مانيوال ، ولكن !! ثم صمت قليلا وكأنه يبحث عن حل ، ثم أطلق إلىّ المفاجأه قائلا :( عموما لو لسّه لم تستلم الجواب يبقى ليها صرفه ، وإحنا لينا سكّه )، وصمت قليلا فأسرعت مستفسرا وفد إستبد بى الفضول الشخصى قبل الصحفى ، فرد علىّ بثقه ( دا شغلنا إحنا بقه ، لكن الموضوع ده هايكلّفك فى حدود الألف جنيه ، وعشان تبقى متأكد لا تدفع قبل أن يصبح فى يدك خطاب بسياره أوتوماتيك ) وزياده فى الثقه أكمل قائلا : ( وعموما عشان تطمن إسئل عن إعاقتك واتأكد إنها مانيوال وبعدها إحنا فى الخدمه ) .
...هكذا حرفيا وبكل ثقه ألقى إلىّ معلومه لم أكن لأصدقها لو لم يكن العرض لى مباشرة وليس مجرد معلومه جمعتها كصحفى .
عند هذا الحد انتهى حديثى مع التاجر وأسرعت أنادى على زميلى لأنبهه بإنتهاء الحوار سائلا إياه إن كانت هناك سياره قد إستقر عليها أم لا ، وهنا وجدته وقد بدا عليه وكأنه إستغرق فعلا فى حلم شراء سياره ولم يعد فى مهمه صحفيه ، فقد بدى إعجابه الشديد بإحدى سيارات " الهاتشباك "من نوع الكيا برايد لدرجة أنه كرر أكثر من مره لى وللتاجر على السواء شدة إعجابه بها ، فوعده التاجربها عندما يعود معى بعد يومين لإنهاء اجراءات سيارتى .
وقبل أن نهمّ بشكره وتوديعه أصرّ التاجر على توصيلنا بسيارته الخاصه إلى موقف السوبرﭼيت ، وقد بدا واضحا أنه لا يريد أن يدع لنا الفرصه للتجول بين هناجر السيارات الأخرى ( بوصفنا زباين سقع ) ، خاصة وقد عرفنا أننا لا نستطيع الدخول من بوابة الإستثمار إلا بصحبة أحد التجار أو إن كنا نحمل أوراق إستلام سياره .
... وبعد أن أوصلنا التاجر فعلا إلى الموقف ، و بعد أن اعطانا كروت تحمل أرقام تليفوناته فى القاهره وبورسعيد على وعد باللقاء بعد يومين ، جلست ومعى زميلى لأفرغ ما جمعت من معلومات كان من المستحيل علىّ كتابتها فى حينها ، وكذلك لأطمئن منه على الصور التى التقطها ، وبالطبع كنت انتظر المفاجآت من أى أحد إلا زميلى ، ولكن المفاجأه كانت هذه المرة من حيث لا أتوقع فأخبرنى بعد كل هذا بأنه قد عجز عن إلتقاط صور جيده لضيق المكان ووقوفه دائما بالقرب من السيارات وفى مستواها ، ورغم أن كلامه كان مفاجأه غير ساره ، إلا اننى بعد ذلك قلت أنه خيرا قد فعل ، لأن ذلك جعلنى اضطر لتكرار الأمر مرة أخرى فى مكان آخر ،وبذلك فقد حصدت مفاجآت أخرى وأكثر إثاره مما سبق .
وكما الحال فى المرة السابقه لم نبتعد كثيرا عن موقف السوبرجيت ، فأخترنا مكتب آخر من المكاتب المواجهه له ، وجدنا فيه شابا صغيرا وجهه مختبئ خلف جهاز كمبيوتر ومنهمك فى لعب " السوليتير " ، متمايلا مع أنغام وصوت نشاذ لأحد مطربى " الميكروباص " وبعد قليل انتبه لوجودنا فى المكان ،وبابتسامه خفيفه رحب بنا ، وسألنا عن مرادنا فأخبرناه بالعنوان الرئيسى للموضوع ، ففاجأنا بالإعتذار لان الوقت قد تجاوز الرابعه عصرا وان منطقة الإستثمار قد اغلقت وان علينا الانتظار للغد ،وبنفس الطريقه شرحنا له كيف اننا جئنا من القاهره لشراء سيارتين وليس سياره واحده واننا نريد معرفة الأسعار حتى نأتى على الشراء مباشرة ، وبنفس بريق اللهفه للمكسب لمعت عينا الشاب وطلب منا الإنتظار قليلا ، ثم اخذ هاتفه المحمول ورن على صاحب المكتب ليتصل به ، وبعد دقيقه واحده كان صاحب المكتب يتصل ، فأسرع الشاب خارجا من المكتب ليرد على التليفون ، ثم عاد وأعطانى التليفون لاكلم صاحب المكتب ، فكررت على مسامعه نفس ما ذكرته للشاب مره أخرى وقبل أن أتم كلانى وبلا تردد أخبرنى أنه فى الطريق الينا ، وبعد عشر دقائق أو أقل كان أمامنا مباشرة .
رحّب بنا وعرفنا بنفسه بأنه ( م . إ ) صاحب شركة ( الت..... ) لبيع السيارات المجهزه للمعاقين وأعطانا كروته الشخصيه بنفس البيانات ، ثم أخذ يستمع للمره الثانيه الى طلباتنا بالتفصيل ، وباستجابه سريعه بدأ يسرد لنا أسعار السيارات لديه ولم تكن تختلف كثيرا عن الاسعار التى علمناها من التاجر السابق وإن أضاف لنا بعض الأنواع التى لم نجدها عند سابقه مثل : الجولف بورا موديل ٢۰۰٢ ، والهيونداى إكسيل موديل ٩٤ بدون تكييف " جميع الكماليات " ، والكيا برايد موديل ٩۸ ، والكيا سيفيا موديل ٩٤ ، والكيا " شومه " موديل ٩٩ ، والدايو ﭼولييت Ι ، Π موديل ٩٧ ( جميع الكماليات ) ، والاوكتافيا A4 ) ) موديل ٩٩ ، وال (A5 ) موديل ٢۰۰۱ ، والميتسوبيشى لانسر ( كريستالا ) موديل ٩٦ ، ولانسر ( عيون صفيه ) موديل ٩٤ ( بدون كماليات ، والـ BMW موديلات من ٩٢:٩٧ .
ثم أخبرنا أخيرا أن لديه سياره سكودا A4 الشكل الجديد ( لا يخرجها إلاّ للحبايب ) موديل ٢۰۰٧ لم تمشى سوى ٢۰ ألف كيلو فقط أى بحالة الزيرو ( وكأنها فى التليين) بحسب تعبيره .
الى هذا الحد وكنت اظن ان الحوار لن ياتى لى بجديد ولعلى هممت فعلا بانهاءه لاحاول تكرار المحاوله مع تاجر آخر ، إلا ان الجزء الأخير من حواره كان كفيلا بتغيير رأيى تماما ، فعندما وصلنا للحديث عن زميلى الذى يريد سياره هو الآخر ولا يعرف التفاصيل ، كان التاجر جاهزا بالمفاجآت وبدون مقدمات .
مباشرة أخبرنا التاجر أن لديه خطابات جاهزه لمعاقين تتراوح أسعارها ما بين السبعة آلاف الى الأحد عشرة ألفا " وكله حسب الطلب " .
وبطبيعة الحال كان سؤالنا الاول عن هذا التفاوت فى اسعار الخطابات على اى اساس ؟ فبدأ يوضح لنا ( المعايير ) التى تحدد سعر الخطاب وأهمها :
كون الخطاب لمعاق متعلم أو لمعاق لا يعرف القراءه والكتابه ، وهذا أمر مهم فى استخراج الرخصة ، فالمعاق غير المتعلم يحتاج الى " سكك أخرى " فى المرور – بحسب تعبيره – كذلك من أهم المعايير التى تحدد سعر الخطاب : إستعداد المعاق لإستخراج رخصة السياره ورخصته الخاصه " التى تعد شرط اساسى لإستخراج رخصة السياره فى حالة سيارات المعاقين " من عدمه ، فإذا كان المعاق هو من سيستخرج هذه التراخيص يسمى الخطاب ( جواب برخصه ) وهو الأعلى سعرا بينما يسمى الآخر ( جواب بدون رخصه ) وهو الأرخص ، وكذلك له "سكك أخرى" هو الآخر ، أما آخر المعايير وأقلها أهميه فهو كون الخطاب ( مانيوال / أو أوتوماتيك ) .
ثم أكدّ لنا التاجر وبكل ثقه أن لديه جميع هذه الأنواع من الخطابات ، ولديه كذلك الخطابات لمعاقين من بورسعيد نفسها ، وأخرى من الأقاليم ، وثالثه من القاهره ( حسب الرغبه ) .
... وهنا حاولت أن أشعر التاجر بقدر من الجديه فى طلبنا وأن الأمر ليس للعلم بالشئ فقط وذلك حتى أكسب ثقته فى الحديث أولا ، وحتى أحصل منه على أكبر قدر من المعلومات ثانيا ، فسألته عن أفضل خطاب يمكن أن ينصحنا به ويوفره لنا فى أقرب فرصه ، وبدون تردد طبعا أجابنى بأنه ( الجواب أبو رخصه لمعاق متعلم وأتوماتيك ) ولأحد المعاقين من القاهره فسألته بدورى – متقمصا أسلوبه فى الكلام – : ( ودا يطلع بكام ؟ ) فأجابنى وكأنه يحسب الحسبه فى رأسه أولا : حوالى ۱۱ ألف جنيه ، وللمرة الثانيه تلعب الأسئله العشوائيه دورها معى فى كشف أحد المفاجآت ، فبلا سبب معلوم بداخلى حاولت الفصال معه فى ثمن الخطاب ، فأجابنى بأن الخطابات ليست لديه هو شخصيا ، وأن هناك سمسار وأحيانا أكثر من سمسار يكون هو ( الوصله ) بين المعاقين بخطاباتهم وبين التاجر أو المشترى ، ثم قال لى بالحرف الواحد : ( صدقنى فيه ناس كتير فوق ما تتخيل بتسترزق من موضوع بيع الجوابات ده ) .
ولكنى ورغم كلامه استمريت فى الإلحاح عليه فى الفصال متعللا له بأننا سوف نشترى منه سيارتين وليس واحده ، واننى سوف آخذ سياره بقيمه عاليه ، واننا يجب أن يكون لنا عنده " واجب " وهنا كانت المفاجأه عندما هبط بسعر الخطاب مره واحده من ۱۱ ألف جنيه إلى ۹ آلاف فقط ( وكان هذا مؤشرا واضحا قطعا بأنه أحد المستفيدين من الخطابات ايضا ) ، أى أن آخر فرد فى السلسله ، ذلك الفرد الذى يستغلّه باقى افراد السلسله التالين له هو المعاق نفسه صاحب الحق الأصيل فى الأمر كله .
إلى هذا الحد وإنتهى حديث التاجر معنا ثم دعانا لنذهب معه إلى هناجره الخاصه بمنطقة الإستثمار " التى بدأ حواره معنا بأنها مغلقه " وهناك شاهدنا أسطول من السيارات التى كان قد أخبرنا بأسعارها ، وأخذ يفتح لنا مقدمة بعض السيارات لنشاهد حالة محتوياتها الأقرب ما يكون فعلا إلى الزيرو ، ثم توجه الى زميلى بنصيحة أن يشترى السيارات الكورى " خصوصا الدايو " ، أولا لتوفر قطع غيارها فى السوق ورخصها ، وثانيا لأنها الأعلى من حيث المبيعات ، مما يعنى سهولة بيعها ، بل وإحتمال الربح فيها أيضا بعد إجراءات فك الحظر .
... بعد انتهاء الحوار عرض علينا " كسابقه " إيصالنا إلى موقف السوبرجيت ، ولكننا إعتذرنا بحجة اننا نريد التجول فى بورسعيد لمشاهدة معالمها وربما للتسوق من التجارى ، فأصر على توصيلنا الى حيث نريد ، فلم نجد بد من الركوب معه ، وفى الطريق من الإستثمار إلى منطقة الممشى على القنال كانت " الدردشه " مع التاجر تحمل لنا كبرى المفاجآت بحق !
فيبدو أن الثقه فينا قد أخذت مأخذها منه فأخبرنا أن لديه حل لمشكلة قيادة زميلى لسيارة المعاق التى سوف يشتريها تنفعه فى حالة طلب رخصة السياره من رجال المرور ،ورغم أنها ستكلفه ۲۵۰۰ جنيه إلا أنها ستغنيه عن إجراءات فك الحظر بخلاف تكاليف الأوراق والدمغات ، وفجأه وبكل بساطه أخرج لنا رخصة السياره التى يقودها هو شخصيا ، وأعطاها لنا لنتفحصها ، ثم أخبرنا انها – أى السياره - إحدى سيارات المعاقين ولكنه إستخرج لها هذه الرخصه التى لا يذكر فيها أن السياره مجهزه طبيا ، وأنه يمكن أن يستخرج مثلها لزميلى من نفس إدارة المرور بنفس المبلغ الذى أخبرنا به .
وبالطبع وافقنا على الفور وأخذنا تليفونه المحمول الخاص – خلاف المكتوب على الكارت – على وعد بالإتصال به لترتيب الأمر كله ثم شكرناه بعد أن وصلنا إلى منطقة الممشى " الرائعه " ونحن نكاد لا نصدق كلما اكتملت لنا الصوره وكأنها خيوط العنكبوت المتشابكه لمافيا تجارة سيارات المعاقين .
... أما آخر وأطرف مواقف الرحله، فكان عندما أخبرنى زميلى للمرة الثانيه بأنه قد عجز عن إلتقاط الصور التى يريدها ، وأننا يجب أن نعود إلى منطقة الإستثمار مرة أخرى ، وهذه المره بمفردنا لنحاول التصوير ، ولأننى كنت فى حالة إنتشاء مما جمعنا من تفاصيل ومفاجآت عن موضوعنا فقد وافقته – رغم خطورة الأمر – فركبنا تاكسى وطلبنا منه أن يدخل بنا إلى منطقة الإستثمار فاشترط أن يحصل على قيمه مضافه على التعريفه الموحده للتاكسيات فى بورسعيد – ٢ جنيه – وبالطبع وافقنا بلا نقاش ، وبالفعل أصبحنا بعد دقائق قليله بين هناجر السيارات للمرة الثالثه ، وإن كنا هذه المره وجدنا معظم الهناجر مغلقه فعلا .
ولكن كرم عم " عابد " الحارس النوبى الجميل شديد الطيبه والشهامه سمح لنا بدخول الهناجر التى يحرسها لنشاهد ما نشاء من السيارات قبل أن نعود إلى القاهره بدون فائده كما إدّعينا عليه.
سمح لى عم عابد بالتجول معه بين السيارات لمده تقارب الساعه ، بينما سمح لزميلى – وهو الاهم – بالتقاط مايشاء من صور بكاميرته وبشكل علنى وليس متسللا كما كان يحاول فى كل مره ، وكمان من سطوح المبنى الملحق بالهناجر الذى يسكن فيه عم عابد واسرته .
ترك زميلى يلتقط كميه من الصور للسيارات بدعوى أن منظر السيارات المتراصه من أعلى يعجبه جدا ،وأنه يريد أن يضعه كخلفيه على الكمبيوتر والمحمول ، بينما جلست أنا بعد أن أنهيت الفرجه على السيارات ولأفسح المجال للتصوير ، جلست مع عم عابد اتجازب معه أطراف الحديث عن كرم الشراقوه الذين أنتمى إليهم وشهامة الصعايده الذين ينتمى هو إليهم ، وحتى أخبرنى زميلى بسعادة واضحه أنه قد إكتفى من التصوير .
وهنا إنتهى الجزء الأول من رحلتا – الخاص ببورسعيد – بعدما أضاعت المفاجآت والصور التى إلتقطها زميلى فى نهايتها عناء وإجهاد لم نشعر به إلا عندما استقبلت أسرّتنا أجسادنا فى بيوتنا .
منقول
ده الجزء الأول ولو عجبكم الموضوع أنزلكم الجزء الثانى