السلام علي من اتبع الهدي

اما بعد

ان مصر بلد عريق بحضارته ثري بتنوعه واختلافه يتبوء مقعده المحفوظ في صداره العالم الاسلامي فكرا وثقافه

ولهذا تموج بين ابناءه تيارت فكريه متعدده ومتشابكه تتفق او تختلف في المسمي ولكنها تتمايز فيما بينها تمايزا ظاهرا اما ميدانيا او اديولوجيا

والتيار الاكبر في مصر هو المدعو التيار الاسلامي وهو عند التدقيق عده تيارات تلتقي في نقاط وتفترق في اخري بل وتتناقض في المثير من الامور

اني اخاول خلال هذه المداخله ان القي الضوءعلي خريطه التيارات السياسيه الاسلاميه في مصر واوجه الاتفاق في بناءها الفكري والتاريخي وليس في الاختلاف في اراءها واتجاهاتها فهو اكبر من ان تحصره مداخله واحده
ولكننا ان فهمنا اسس البناء الفكري فسنتمكن من معرفه دوافعه ونواتجه وسبل التعامل معه

اولا الصوفيه

للاسف لا تحظي الدراسات الميدانيه باهتمام كاف لدي المجتمعات العربيه بشكل عام فما بالك اذا ارتبطت بالمعتنق الديني ومحاوله تحديد عدد الاتجاهات الفكريه في مجتمع عربي ما يكون غالبا ضربا من التنجيم والتخمين وعليه فمن الصعب ان نعرف العدد الفعلي لاتباع التيارات او المذاهب الدينيه في مصر بشكل عام
ولكن اجمالا يمكن ان نقول ان في مصر التيارات الاتيه
1- الصوفيه
لقد وجدت المدارس والطرق الصوفيه في مصر قبولا واسعا بين اطياف المجتمع المصري منذ قديم الازل وهي بذلك اقدم التيارات الدينيه المصريه وظلت حتي اليوم تتمتع باستقلال واضح عن بقيه التيارات الدينيه الاخري وبغض النظر عن احتلاف الطرق الصوفيه وتنازعها فيما بينها الا انهم يمثلون رقما لا يجب اغفاله في الحسابات السياسيه المقبله

بالتاكيد نحن لا نملك رقما لاعداد المنتسبين الي الطرق الصوفيه في مصر ولكن الرقم يتباين تباينا رهيبا يصل الي الضعف بين المصادر العلميه المختلفه
فمنهم من يعتبرهم سته ملايين عضو ناشط
ومنهممن يقفز بالرقم الي10 مليون ناشط
وبغض النظر عن الرقمين والبون بينهما الا ان الصوفيه عرفت بانها سلبيه سياسيا وليس لها اندماج باي نوع من انواع الاعمال السياسيه المنظمه الا انها بعد الثوره تسعي بشكل او باخر لتكون جزءا من الفسيفساء السياسيه الناتجه عن الحريه الوليده

الاستاذ عمار علي حسن في بحثه القيم عن الصوفيه والسياسه في مصر(مركز المحروسه للطباعه والنشر لسنه 1997) يري ان الصوفيه كان لها اثر كبير علي استسلام المجتمع المصري للاستبداد بزرع فكره المرشد والمريدين في الوجدان الديني والفكري المصري

ولكن الوضع بعد الثوره المصريه تغير جذريا وتواردت الانباء بان الصوفيون يعتزمون انشاء حزب سياسي وياللعجب
وعليه فان الكتله التصويتيه الهائله للصوفيه تبقي وجبه دسمه لاي اتجاه سياسي يسعي الي السلطه ويجب ان تاخذ مطالبها ومشاكلها في الحسبان

ولكن هل الصوفيه كته تصويتيه فعلا؟ بمعني هل يصوت الصوفيين بالتوجيه المباشر لصالح اتجاه معين

الحقيقه الامر محير فالتنظيمات الصوفيه في مصر تجمع بين التنظيم الرأسي والافقي
فهناك المجلس الاعلي للصوفيه المتنازع علي رئاسته
وهناك طوائف متعدده لكل منها مرشده الخاص ومريدينه

وعليه فاننا لا نعلم اي من النظامين الافقي او الراسي سيفرض كلمته

ولكن في كلتا الحالتين فاننا نجزم ان الصوفيين سيصوتون بمبدا الاستبعاد
بمعني انهم محدثون علي التجارب السياسيه وليس لديهم اتجاه واحد او هدف بعيد يسعون للوصول اليه (الي الان) وعليه فانهم سيصوتون ليس لمصلجه كذا بل ضد كذا

وهذا الضد هو الضد الفكري او العقدي متمثلا بالسلفيين في المقام الاول

اني لا اعتقد ابدا ان يساند الصوفيون اي مرشح او قائمه للتيار السلفي في مصر سواء كانت في الانتخابات البرلمانيه او الرئاسيه او المحليات بل ستتجه اغلب اصواتهم للاخوان (نظرا للقرابه الروحيه فلقد كان الامام حسن البنا متصوفا ) او لمرشحين (ليبرالين) ليبتعدوا عن شبح السلفيين الذي يعادوهم فكرا وجوهرا

ان العداوه بين التيار الصوفي والسلفي في مصر هي عداوه فكر اولا واخيرا وهي عداوه قديمه عرفت حتي في الغرب (المتصوف وعالم الدين) وكتبت في ذلك كتب عده

فالمتصوف يميل الي رؤيه الاشياء بما وراء الظاهر ولا يعتمد بناءه الفكري علي دليل دامغ او حجه عقليه ناصعه
بل الاصل عنده التواصل القلبي والنزوح الي ما وراء طبيعه الاكوان

هو يبحث عن عين الحق لا ظاهر الحق يبحث عن جمال الوجود لا عله وجوده

فهي كالعداوه بين الفنان والقانوني

وعلي ذلك فان محاوله تقيده بترسانه من القوانين الدينيه او الفهم الديني المتمسك بخرفيه النص تعتبر كانها سجن كامل يفقد فيه حريه ابداعه (او ابتداعه) ويعاني منه اشد المعانه

وهو يقف بذلك علي طرفي نقيض مع التيار السلفي في مصر الذي لا اعتقد انه سيسعي ولو سعي فلن ينجح بالفوز بهذه الكتله

وعن التيار السلفي ستتحدث المداخله التاليه

بقلمي