هل الإسلاميون غارقون في الوهم؟!

محمد شعبان أيوب





حينما سُئل بنجامين فرانكلين أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية عن الديمقراطية قال: الديمقراطية هي أن يصوّت ذئبان وحمل على صنف الغداء.الإسلاميون احترفوا دور البطولة المتمثل في الحمل الوديع الذي يعيش في وهم المثاليات، منافحًا عن القيم والمثل والمعاملات ومنهج إدارة الحياة الذي يقدمه المشروع الإسلامي كحل ناجع وناجح لإزالة كل التراكمات والخلافات والموبقات التي أحدثتها الأنظمة الشمولية الفاسدة في الأعوام المائتين الأخيرة،

وكنا قد تحدثنا في مقال سابق عن ضرورة الاستفادة من تاريخ مصر بعد انقلاب 52 الذي أكد على أن من امتلك القوة امتلك كل شيء، غير أننا وجدنا عقب نجاح الثورة السرعة المبهرة التي أعلن فيها الإسلاميون بأنهم لن يرشحوا أحدًا للرئاسة ضمانًا وتطمينا للقوى السياسية الداخلية والخارجية بأنهم لا يسعون للسلطة، ومن حق الآخرين الذين جربت مصر كل أفكارهم في إدارة البلاد والعباد أن يعيدوا الكرة مرة أخرى!!!!!



ولسنا ندعو إلى امتلاك القوة المسلحة أو التصادم وإنما إبراز القوة الحقيقة السياسية والشعبية التي يتمتع بها الإسلاميون في تغيير ما يسعى إليه الذئاب، إنه غالبًا ما يكون قطيع الحملان مكونًا من المئات وربما الآلاف غير أن قطيع الذئاب يُعد على أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك ينهش الذئب في لحم الحملان والاستئثار بأي غنيمة وقعت في يده دونما ردة فعل تُذكر من باقي القطيع، بل إننا نجد الهرب ثم الهرب وإيثار السلامة!!



إذن كان تعريف فرانكلين للديمقراطية الحديثة هو الأصدق والأكثر واقعية، وحينما أشار العبقري عبد الوهاب المسيري إلى أصدقائه الأمريكان بأنهم موهمون بالديمقراطية الأمريكية سألوه عن السبب الذي دفعه لقوله هذا فأخبرهم أنه لا فرق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الحاكميْن؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما لن يقبل بأن تأتي الأحزاب الاشتراكية أو الشيوعية إلى سدة الحكم وهو ما صدّق عليه الجميع، وهو ما يجعل المجتمع الأمريكي موهومًا بقصة الديمقراطية الأمريكية التي علّمت العالم، والحال في مصر ربما يشبه الحال في أمريكا إذا برع الإسلاميون في السكوت والصمت وتكرار لعب دور الحمل.



إن الأحزاب والقوى العلمانية والليبرالية وإن بلغت العشرات فهي كلها وجوه متفاوتة لحقيقة واحدة متمثلة في الكراهية العميقة للتيار السياسي الإسلامي الذي – من المفترض – أنه تيقن أن أغلبية هذه القوى لا تريد أن تراه أو تسمع صوته أو حتى يعبر عن قدراته الكمية والكيفية، وهو ما تنجح فيه على ما يبدو!



لقد نجح العلمانيون والليبراليون وأصحاب الأصوات العالية ورؤوس الأموال والإعلام الموجه منذ قيام الثورة بانتزاع إقرار من المجلس بأنه سيشكل لجنة لإعداد وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور الجديد، أي المواد فوق الدستورية، وهذا الإقرار يقيد الأمة بمبادئ تصبح كالناموس المقدس الذي لا يجب أن تحيد عنه قيد أنملة، ثم أشيع أن الدكتور أسامة الغزالي حرب سيكون مكلفًا لإعداد هذه الوثيقة، ثم أقر هو نفسه بتراجع المجلس العسكري عن تكليفه بعدما رفضت القوى الإسلامية الرجل ولم تبد رفضًا للوثيقة ذاتها!



ثم بدأت القوى الإسلامية في إظهار امتعاضها وربما رفضها لهذه الوصاية على الشعب الذي أقر في الاستفتاء الماضي أن لجنة اختيار الدستور الجديد ستنشأ من انتخاب مجلس الشعب القادم لها، ولكن هيهات لقد أُعلن الخبر، وأصدر المجلس العسكري قراره ولن يعود عنه بحكم طبائع قانون العسكر الأخلاقي والنظامي، ومن قبل سمعنا عن تأجيل الانتخابات لشهر أو شهرين لأمور قيلت إنها فنية، والله أعلم بحقيقة التأجيل..



كل هذا والإسلاميون مؤثرون للسلامة، مجددون لحسن النية يوما بعد يوم، حذرون من أي موقف يحسب عليهم، لا يملكون الجرأة التي يتمتع بها العلمانيون في ردة الفعل والسعي الدؤوب لإثبات الذات وتحقيق المطالب، وحينما سألتُ أحدهم ما هي أدوات الضغط الذي يمكن لحزبكم الإسلامي أن يقوم بها لإبراز القوة الإسلامية (السياسية) الحقيقية في مواجهة ما انتزعه العلمانيون في غفلة منكم من المجلس العسكري سكت الرجل ولم يرد.. والتساؤل الذي أختم به مقالي هو ما بدأته به: هل الإسلاميون غارقون في الوهم، هل سيكررون ما فعلونه من قبل دونما أي عظة وعبرة؟

تعليقي مش الاسلاميون بس (هو يقصد القيادات) اللي غارقين في الوهم

الشعب كمان