التحليل الأمريكي لمبارك!ـ عبد العزيز محمود



عبد العزيز محمود | 20-07-2011 01:21

لو صح التقرير الذي نشرته أكثر من صحيفة منسوبا للمخابرات الامريكية بشان التحليل النفسي للرئيس السابق فمن السهل فهم اشياء كثيرة، التقرير يقول بالحرف الواحد ان مبارك كان عنيدا وبطيء الفهم وشكاكا ومنتفخ الشخصية ومتغطرسا وعاشقا للكذب والنميمة وشاعرا بالدونية وسهل الانقياد، ولم يكن يشعر بمعاناة وآلام شعبه!

بالطبع التقرير ليس حدثا فريدا من نوعه، فكل اجهزة المخابرات تحلل الرؤساء والشخصيات العامة نفسيا وسلوكيا، لكن الغريب هو تسريب التقرير لوسائل الاعلام، ويبدو ان الامريكان تعمدوا ذلك للتأكيد على انهم يدرسون كل شيء ويتعمقون في ذلك باستخدام احدث الوسائل التقنية، وانهم كانوا يوجهون مبارك ويتحكمون فيه ويتلاعبون به كما يريدون!

التقرير كشف جوانب غامضة في شخصية الرئيس السابق اعتمادا علي تحليل مئات التقارير العلاجية وصور الاشعة وافلام الفيديو والصور الفوتوغرافية والتقارير الميدانية والتحاليل الطبية الخاصة مع الاستعانة بخبراء في علم النفس والسلوك وعلم الحركات البشرية لفهم ردود افعال مبارك في المواقف المختلفة.

الغريب ان الامريكان اخضعوا مبارك، دون ان يدري هو أو المحيطين به، لاختبارات نفسية متطورة خلال زيارته المتكررة لأمريكا، ومن ذلك دعوته لمشاهدة افلام تسجيلية في البيت الابيض في حضور رؤساء امريكيين وتسجيل حركاته وسكناته وحركة حدقة عينيه وانفعالات وجهه بواسطة كاميرات موجهة نحوه تعمل بالاشعة تحت الحمراء!

الاخطر من ذلك قيام الامريكان بتثبيت اجهزة لتسجيل موجات الدماغ في اجهزة الترجمة الفورية التي استخدمها مبارك في زياراته لأمريكا بهدف تسجيل موجاته الدماغية في المواقف المختلفة، وايضا حصولهم بشكل دوري ومنتظم علي كافة التقارير الطبية للرئيس السابق وعينات من سوائل جسمه وحمضه النووي خلال رحللاته العلاجية لأوروبا.

التقرير الامريكي لخص شخصية مبارك في انه يعاني من التمحور حول الذات والقلق والعدوانية المفرطة والاستعداد لتحطيم او تصفية اي شخص يمكن ان يمثل تهديدا له، وكذلك الشعور بالدونية والكراهية لجنسه العربي والاسلامي وعشقه للمال والسلطة وعدم شعوره باي انتماء الا لأسرته الصغيرة المكونة من زوجته ونجليه!

ومالم يذكره التقرير هو ان الرئيس السابق لم يبذل اي محاولة لحماية نفسه من التحليل النفسي والسلوكي ، ويبدو انه كان يتصرف على سجيته في زياراته لأمريكا مما سهل مهمة المخابرات الامريكية، الاغرب من ذلك ان حرصه على اجراء كل الفحوص الطبية في الخارج مما مكن جهات كثيرة من الحصول على كل ما يتعلق بحالته الصحية وايضا خلايا وانسجة دقيقة من جسمه!

وحسب وصف التقرير فان مبارك لم يكن يتمتع باي مهارة في قواعد الامن القومي، وليس لديه الحد الادني من الثبات الانفعالي المفترض في اي رجل دولة، بل انه كان يفقد اعصابه في الازمات والمواقف الصعبة وينهال بالعبارات القاسية على من حوله، مما جعله كتابا مفتوحا يسهل قراءته، على عكس الرئيسين السابقين عبد الناصر والسادات.

ويمضي التقرير في الكشف عن جوانب لايمكن نشرها في شخصية مبارك، بل ويحدد بشكل صريح وواضح الاسباب التي دفعت امريكا لدعمه طوال ثلاثين عاما، وكيف انها ساندته في ازمات كثيرة داخليا واقليميا وعلى كل المستويات، مع ادراكها الكامل لكل الجوانب الخفية في شخصيته والتي أهلته فيما يبدو لأن يكون حليفا نموذجيا لها!

عموما لا يمكن التعامل مع ماورد في التقرير الامريكي باعتباره حقائق مسلما بها، ومن الجائز ان يكون محاولة متعمدة لتشويه مبارك، لكن بما ان احدا في مصر لم يكذب هذا التقرير، فعلينا ان نتعامل معه على انه يقدم معلومات سرية وفي غاية الاهمية، أخطرها ان الرئيس السابق كان بطيء الفهم ضعيفا امام المال وبلا مشاعر ومن السهل التلاعب به من الدائرة الضيقة المحيطة به.

الوحيد الذي لم يكن يعرف شيئا عن الجوانب الخفية في شخصية مبارك هو الشعب المصري، فقد كان كل ما يتعلق بالرجل وحالته النفسية والعقلية والسلوكية سرا من اسرار الدولة، وهذا طبيعي في دولة شمولية لم يكن للشعب فيها دور في اختيار الرئيس، فضلا عما كانت تقوم به الآلة الاعلامية الجبارة من عمليات غسيل مخ رفعت الرئيس السابق الي مصاف الالهة!

وأخيرا من حق الكثيرين ان يتساءلوا : كيف حكم مبارك مصر ثلاثين عاما كاملة وهو لا يمتلك الحد الادني من مؤهلات رجل الدولة !؟
التحليل الأمريكي لمبارك!ـ عبد العزيز محمود - جريده المصريون