احد اقدم المشاهد التى اذكرها فى حياتى هو انا وانا فى الرابعة من عمرى اطل من باب فصل (روضة ب) فى مدرسة مدينة نصر الخاصة، وفى نفس اللحظة يطل صديقى الأسمر صغير الحجم "ايهاب" ، والذى كان يرتدى النظارة منذ هذة السن المبكرة ، من باب (روضة أ) المجاور لكى اراه ونضحك سويا

صديقى العزيز ابن السويس والذى كان يسكن فى البناية المجاورة للبناية التى كنت اسكن فيها ، فى نفس الدور مما جعل بلكونات مكسنهم تطل على بلكونات مسكننا، مما خلق مساحات واسعة للتواصل الطفولى عبر اثير البلكونات وكان فى نفس سنى وفى نفس مدرستى

عرفه الشارع كله ب(ابو نضارات) لأنه كان الطفل الوحيد الذى يرتدى النظارة من سن الرابعة، وكان عاشقا لكرة القدم ويشجع النادى الأهلى بشراسة، وكنت دائما احب متابعة المناظرات الكلامية التى تقوم بينه وبين جيرانى الزمالكاوية

ضمتنا سويا المدرسة الأبتدائية ، واجتمعنا على حب السيارات اللعبة الصغيرة والتى كانت تصنعها شركة (ماتش بوكس) الأنجليزية، ثم بعد ذلك شركة (ماجوريت )الفرنسية والتى كانت رائجة فى مصر كلها انذاك، وكان لدى كل منا مجموعتة الخاصة به منها وكنا تبادلها سويا

اما فى المدرسة الاعدادية فقد كان والده، ضابط الجيش، يقوم بتوصلينا الى المدرسة البعيدة بسياراته اللادا ذات اللون البيج، والتى تعرفت من خلال الكاسيت الخاص بها على محمد فؤاد وعائلة بندلى لأول مرة، واحيانا كان والدى يقوم بنفس الدور بسيارتنا، كما كنا نشترك فى حصص الدروس الخصوصية سواء فى بيتى او بيته

وامتد الامر الى المدرسة الثانوية بعد ان رآى ابائنا اننا اصبحنا رجالا لا يصح توصيلهم بالسيارة ولكن قام كل منهم باستخراج اشتراك فى مترو مصر الجديدة لكل منا وتركونا لقدرنا مع المترو

ذكريات كثيرة عادت الى عن تلك الفترة، منها الوقت الذى اشترى فيه كل منا جهاز كومبيوتر منزلى، وكيف كنا نتشاجر بسبب اقتناع كل منا ان جهازة هو الأفضل، فبينما كنت ارى انا ان جهاز صخر 150 الذى املكه هو الأفضل، يرى هو ان جهاز صخر 170 خاصته هو الأفضل، وفى الواقع فان الجهازين لم يكونا سوى نسخة من نفس الجهاز بكل تفاصيله ولكن فى شكلين خارجيين مختلفين، كما كنا نتبادل شرائط العاب الكومبيوتر والتى كانت انذاك على شرائط كاسيت
كنت منهمكا فى تعلم كرة السلة آنذاك وكان هو منهمكا فى تعلم الكاراتيه، الأمرالذى لم يفلح فيه كلانا لاحقا ، لكنه كان لمرة ثانية مجالا للشجار بييننا على من الأفضل وما هى الرياضة الأفضل

اختار هو علمى العلوم واخترت انا علمى الرياضة، وانتهى بى الأمر فى كلية الهندسة ، وبه فى كلية التجارة، وبدأت ماكينة الحياه العملاقة تطحننا بين اضراسها ، قلت فرص اللقاء ولم نعد نرى بعض كثيرا،ربما كان اكثر مرة شعرت بوجوده بجانبى انذاك حين كان بجوارى طوال الوقت فى جنازة والدتى وانا فى سن العشرين ومرت الأيام وتخرج كل منا وحصل على عمل ، اشتريت انا سيارتى الأولى وبدأ هو قيادة سيارة والده اللادا،
قمت بتغيير سيارتى عدة مرات حتى اشتريت اول 128 ، واشترى هو فى نفس الوقت 128 ايضا

اذكر مرة تقابلنا بالصدفة بالسيارتين فى اول شارع بيتنا، كل منا بال128 الخاصة به، وفجاة وبدون كلمة واحدة ولا اتفاق بدأنا سباقا محموما هدفة من يصل الى البيت أولا ليفوز بمكان الأنتظار الذى قد يكون الأخير الموجود وقد لا يكون موجودا اصلا
وصلت انا قبله وحصلت على مكان الأنتظار لكن فى الواقع كان هنا اكثر من مكان وفى الأرض متسع للجميع

ايضا كان بجانبى فى نفس العام فى جنازة والدى ووجدته حولى طوال الوقت

ومرت الأيام وعرفت انه سافر الى المملكة العربية السعودية للعمل، وتزوجت انا وتركت البيت وسحقتنا الأيام بين انيابها وتباعدت اواصر العلاقات ولم يعد كل منا يسمع عن الآخر سوى لماما

حتى كان الأمس حين اتصل بي صديق ثالث مشترك لنا ليخبرنى ان صديقنا العزيز الأسمر ابو النظارات ابن السويس المعتز دائما بنفسه وبمدينتة الأم "ايهاب صابر" قد رحل عن دنيانا بعد عدة أشهر من الصراع مع مرض خبيث

تركنى الخبر فى حالة من انعدام الوزن، فبرغم انه مرت سنوات دون ان يسمع اى منا عن الآخر إلا ان دائما كان هناك يحتل جزءا من ذاكرتى كواحد من اجمل عناصر ذكريات طفولتى وشبابى، والآن ها هى صفحة من ذكرياتى قد انطوت للأبد ولن تعود ابدا.

رحم الله صديقى العزيز، وارجو منكم المعذرة اذ اشركتكم فى هذة اللحظة الحزينة ، لكن ارجو منكم الدعاء لصديقى بالرحمة والمغفرة