أخي العزيز / محمد
هذه النماذج كثيرة ومنتشرة أكثر مما تتصور .. وباعثها الاساسي هو شعور الأم بأن من أبناءها من يحتاج إلى الحنان والرعاية أكثر من الآخرين ، وشعورها كذلك بأن من بين أبناءها من يمكن الاعتماد عليه بل والضغط القهري عليه في سبيل راحتها وراحة أبناءها الآخرين .
وأحياناً تفتقد الأم البصيرة السليمة فيصير المؤكد في مقابل المحتمل .. فتنتصر للمحتمل لتجعله مؤكداً .. يعني ببساطة هي متأكدة من شعور وتصرفات ابنها الكبير لكنها غير متأكدة من ابنها الصغير وابناءها الآخرين لذا فهي تقف مع من هي غير متأكدة من مشاعره وتصرفاته ، تارة بالتفضيل ، وتارة بالحنان الزائد ، وتارة بظلم الأخ الكبير .. وهكذا ..
وحساب هذه الأم عند الله تعالى :
وحل هذه المشكلة يكمن في أمر واحد ألا وهو كيفية الموازنة بين شرع الله تعالى الآمر ببر الوالدين ، ومعيار الكرامة الشخصية لهذا الرجل ..
ومدار الأمر من الوجهة الشرعية ينحصر في ثلاث أمور :
الأول : قول الله العلي القدير : "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً "
والثاني : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "
والثالث : قوله تعالى في سورة لقمان : " ولا تصعر خدك للناس "
فبر الوالدة ينتفي معه اعتبار الكرامة الشخصية بينها وبين أبناءها ، فلو قست الأم على ابنها بالقول أو العمل فعليه أن يصبر وأن يحتسب ، فمهما فعل فإنه لا يمكنه أن يؤدي لها ولو جزءاً بسيطاً من أفضالها عليه ..
لكن هذا المعيار المطلق ينبغي أن يكون بين الابن وأمه فقط .. فلا يجبر زوجته ولا أبناءه بتحمل هذه المشقة ، ولا يضع نفسه أمامهم في موضع ينتقص من كبرياءه .. فهو بهذا ينقض مسألة كونه راع وأن زوجته وأبناءه من رعيته كما هي أمه .. فلا ينبغي أن يقسو ولا أن يجبر أهله على الخضوع للأم وتحمل قسوتها المفرطة ..
كذلك لا يحق له أن يصعر خده لأخيه متذللا راجياً عفواً لا يستحقه هذا الأخ .. بل يجب أن يظل على موقفه في إحقاق الحق وإبطال الباطل .. فليست المذلة والمهانة من شيم الكرام ولا هي من متطلبات بر الوالدين .
الخلاصة :
أقترح أن يعفي هذا الرجل الكريم زوجته وبناته من زيارة أمه .. وفي هذه الحالة إما أن يرتاح الطرفان فيعفي نفسه من حرج أمام أهله وبناته .. وإما أن تراجع أمه نفسها بعد فترة لتطلب منه رؤية بناته فيفعل ويشاهد تغير سلوكها تجاههم .. والأهم أن يتجنب لقاء بناته وزوجته بأمه حال وجود إخوته وزوجاتهم وبناتهم .
وليس في هذا تعارض بين بره المستمر بها وزيارته لها ..
كما ينبغي أن يصر على عدم التذلل لأخيه مهما حصل .. وليستمر في زيارة أمه وبره لها .. ويستمر في تحمله لها دون خضوع لهذا الأمر .. ويدع الزمن يداوي هذا الجرح حافظاً بذلك كرامته وكبرياءه .. وعسى الله أن يحيي ضمير أخيه فيرجع عما يفعل ..
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
المفضلات