إذن فأنت (زومبى)!
المصدر: الأهرام اليومى بقلم: اشرف عبدالمنعم
يأتي العيد، فيكون ظاهره فرحة وباطنة تجسيد من نوع خاص لأحشاء المجتمع، فالكل في الشارع، والكل يقصد الأماكن العامة، فلما يختلط الحابل بالنابل يتجسد واقع المجتمع أمام المتأملين بما يصعب تحقيقه في الأيام العادية، حين يكون الكل منشغلا، تلهيه متطلبات الحياة ولقمة العيش عن الاختلاط (الحر) و(المكثف) مع الناس. إلا في أيام العيد!.
ولأنني من معتنقي مبدأ الاختلاط الحذر بالناس عموماً في الأيام العادية، فإن هذا المبدأ يتعاظم ويتعاظم في الأعياد والمواسم، فإذا ذهب الناس أجمعين إلى الإسكندرية، ذهبت أنا إلى أسوان والعكس صحيح!.
ولكنني أطللت برأسي المتعب في تجمعات الناس هذا العام مجبراً أخاك لا بطل، فاكتشفت أمراً غريباً هو أقرب إلى أفلام الرعب، ولست مبالغاً فيما أقول، فالناس تسير في جماعات شبه مغيبه عن الإدراك، الناس قد تحولت إلى أشباه كائنات (الزومبي)!.
جثامين حية وما هي بحية، وإنما هي الأقرب إلى القادم من عالم الأموات (الزومبي) Zombie، ذلك الكائن الخرافي الذي أفرزته ثقافة جزر هاييتي بالمحيط الهادي من رحم ديانتها (الفودو) Vodu. كائنات تسعى في الأرض بوعي مصطنع، هم أقرب إلي النائم مغناطيسياً ينتقل من مكان إلى مكان، ويتفاعل مع المؤثرات من حوله بشكل آلي، ولكنه أسير قوة أكبر منه تسيطر عليه، وهو على استعداد لأن يفعل أي شيء ما دامت الفكرة (الشريرة غالباً) مسيطرة عليه، فإما أن يحولك إلى زومبي مثله، أو أن يفتك بك!.
مجموعات شبابية من الزومبى تهيم في الشوارع بوعي منقوص، يسيطر الجنس عليها بشكل غريب، يتحرشون بأي شيء وكل شيء، على استعداد تام للإقدام على أي عمل جنسي مجنون، لا يخشون نظرات الناس إليهم ولا يعبأون بالتقاليد أو الأخلاق أو بحقوق الناس، فعيونهم تفترس النساء من منبت الشعر إلى أخمص القدمين، إلى الدرجة التي أذهلني صديق لي يعمل ضابطاً بالشرطة حين حكي لي عن بلاغ غريب تلقاه عن مجموعة من هؤلاء الزومبي الجنسي أحاطوا بفتاة في وضح النهار على هيئة دائرة ليخفوها عن أعين المارة ثم أنقض أحدهم عليها محاولاً ممارسة الجنس معها علانية في قارعة الطريق! والله إن الحيوان ليأبى أن يفعل ذلك، بل إن من الحيوان ما يستحي الجماع إذا ما رآه حيوان آخر. ظاهرة مجتمعية في منتهى الخطورة تأخذ بناصية هذا البلد إلى أسفل سافلين!.
ولن أحدثك هنا عن
حالة إحماء جنسي مستمر نستمرئه نحن على الشاشات ليل نهار معتقدين أن في ذلك قمة التحضر والحرية أسوة بالغرب (المشوه) الذي يتبدى لنا عبر الشاشات، وليس الغرب الحقيقي! لن أحدثك عن هذا، لأن لساننا قد تدلى من فرط التلميح والتصريح بأن الإحماء الجنسي في الغرب يقابله تفريغ لهذه الشحنات بعلم المجتمع ورضائه الكامل، أما نحن فقد سرنا على درب الإحماء باتباع أساليب التقليد الأعمى وبأكثر مما ينتهجه الغرب من نماذج إحمائية، ثم نسينا أن مجتمعنا يرفض تفريغ هذه الشحنات إلا بما ترتضيه تقاليد المجتمع المستقاة في الأصل من ديانتيه الإسلامية والمسيحية، ولكننا سرنا على الدرب، فلا الإحماء يتوقف، ولا المجتمع يسمح بتفريغه، فتحولت الأجيال تلقائياً إلى كائن (الزومبي) المخيف جنسياً الذي يحيط يومياً بمدارس البنات ويخرج عن بكرة أبيه في الأعياد وينذر برواج الفاحشة في وضح النهار!.
ثم لن أحدثك عن نعرة ثورية خاطئة تملكت هؤلاء عن سوء فهم تصوروا معها أنهم أحرار في كل شيء وأي شيء، من بعد أن سقط النظام السابق، وتحولت الشوارع تدريجياً إلى أشباه أحراش أو أدغال تجوبها قطعان اللصوص والخارجون على القانون والمعترضون على طول الخط، والفوضويون (والذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا أنما نحن المصلحون)!.
لن احدثك عن هذا، ولكنني سأحدثك اليوم عن نموذج آخر يخشاه الناس على ما يبدو بأكثر مما يخشون (الزومبي)، فالناس تتخافت بينها وتتهامس بمخاوف تجاه المتشددين الدينيين، فكلما رأوا شخصا ملتحياً أو إمرأه منقبة اتهموه صمتاً بالارتداد عن العصرية، والمدنية، والحرية، وكل ما يخطر على بالك من المعاني والشعارات التقدمية غير الرجعية!.
الناس تتهامس بمخاوف أن يكشر الإخوان المسلمون فجأة عن اتجاه ديني متشدد يفتح الأبواب على مصارعيها لجماعات تجوب الشوارع ممسكة بالعصى أو ربما الكرابيج، يجبرون الناس على الصلاة و(ينهون) عن الفحشاء و(المنكر) ويأمرون (بالمعروف)!.
وبعيداً عن أن أحداً منا - وأنا أول الناس - لا يعرف يقيناً ما هو مكنون الفكر الذي يبني عليه الإخوان اخوانيتهم، بمعنى أننا نسمع طوال الوقت عنهم، ولكننا لم نتمكن من الإبحار في الفلسفة الأيديولوجية التي يعتنقوها، ربما بحكم كونها جماعة عانت منذ أن أنشئت في أجواء سرية، وواجهت حروباً منتظمة شنها عليها نظام تلو نظام تلو نظام، فارتبطت في العقل الجمعي المصري بالانغلاق على نفسها تحسباً من الفناء، وبعيداً عن أنه قد أصبح لزاماً على هذه الجماعة أن تنفتح على المجتمع وتؤرخ لنفسها وتشرح للعوام مكنونات أيديولوجياتها حتى يرتاح الناس، وألا تترك الناس متخبطين في دهاليز الشائعات والكتب والمقالات المدسوسة التي ادعى كاتبوها علمهم ببواطن الأمور بغير دليل، بعيداً عن كل ذلك دعني أسألك سؤالاً قد يبدو للوهلة الأولى شديد التصادم مع مخاوفك: أي جماعات أفضل في رأيك تأمل في أن تسيطر علي الشارع من اندفاعات ورعونة هذا الجيل المخيف من كائنات (الزومبي): هل تراها جماعات (الزومبي) ذاتها التي ستحول حياتنا إلى مجلدات في الدعارة، والمخدرات، والخمور، والادمان ثم الجرائم، أم تراها الجماعات التي ستدعو للقيم والأخلاق (حتى وإن تشددت في البداية)؟ ترى هل الجماعات الحرة المتحررة المنفلتة هي الأفضل من وجهة نظرنا في الاستحواذ على الشارع؟ أم تراها الجماعات التي تحمل عكس اتجاه (الزومبي) تماماً؟
أعتقد أن الإجابة معروفة مسبقاً لو أن لك أختاً، أو زوجة، أو أنك تعول ابنة، أما وأن تكون مجرد (ذكر) يهيم على وجهه في البلاد بدون احساس بالمسئولية أو بخطورة ما وصلنا إليه، إذن فأنت (زومبي)!.
المفضلات