هدى منصور
30 نوفمبر 2012 08:08 م
«الهروب من الموت إلى موت آخر».. تلك هى حقيقة ما يحدث للسوريين على أرض مصر، تحديدا فى كفر عثمان بمدينة أكتوبر، أو «كفر الموت»، المنطقة يسيطر عليها مجموعة من البلطجية، وقطاع الطرق وتجار الحشيش والبشر أيضا، لك أن تتخيل كل شىء فى هذه المنطقة التى لا يستطيع أحد دخولها بعد السادسة مساء.

المنطقة أصبحت ملاذ اللاجئين السوريين، الذين دفعتهم الحرب الدائرة فى بلادهم إلى الهروب من شبيحة بشار فى سوريا، إلى أرض مصر «الكنانة»، ليفاجأوا بحياة أفظع من الموت برصاص بشار الأسد، ورغم أن الله جعل الزواج مودة ورحمة للتقارب بين العباد، وأنه حلم كل الفتيات، فإن «كفر عثمان» أصبح المكان الأول لراغبى الزواج الرخيص، من الشباب المصرى، فالزواج من سورية لن يتكلف أكثر من 5000 جنيه.


الموت هو الموت فى أى مكان، لكن الحياة أحيانا تكون أشد قسوة من الموت، الذى قد تفشل فى الوصول إليه، هذا هو حال السوريين هناك.


بعد معاناة فى الوصول إلى كفر عثمان، حيث رفضت أى مركبة تسير على أربع عجلات كانت أواثنتين أن تقلنا إلى الكفر، مبررين ذلك بخطورة المنطقة، وافق أحد أهالى المنطقة على إدخالنا للمنطقة للتعرف على معاناة السوريين.

«س. م»، سيدة خمسينية، استشهد زوجها وابنها، وفرت هاربة مع باقى أولادها من بطش «شبيحة» النظام السورى، لتستقر فى كفر عثمان، قالت: «فى البداية ظننت أن مصر البلاد الآمنة الوحيدة لنا كلاجئين، لم أكن أتوقع أبدا، أن أهرب من الموت فى بلدى، لأجده هنا»، مضيفة: «المواقف التى نتعرض لها أفظع من الموت نفسه، ويتم التعامل معنا باعتبارنا عبيدا وسبايا، حيث فوجئت بأحد الشيوخ أمام مسجد الحصرى، يسأل عن نساء للزواج، وحينها لم أستطع الرد عليه، لشدة ذهولى من السؤال، فهل أصبحنا سلعة تباع وتشترى بهذه الطريقة الرخيصة؟».


وأكدت أن الأمر تكرر معها عندما طلب خادم المسجد من أحد السوريين أن يختار له إحدى الفتيات السوريات ليتزوج بها، باعتبارها لا تكلفه أى أعباء مالية، ولا تطالبه بحقوق».
اللى مش عاجبه برة



«س. ح»، فتاة فى الرابعة عشرة من عمرها قالت: «نعامل كعبيد من قبل الجمعية الشرعية بمدينة 6 أكتوبر، فرغم المعاملة اللطيفة لنا فى المرة الأولى، إلا أن هذه المعاملة اختلفت تماما عقب الاستقرار فى كفر عثمان، فكلما حاولنا أن نشكو الممارسات غير السوية تجاهنا يكون الرد: «اللى مش عاجبه يتفضل يطلع برة».


وأكدت «ح. د» أنهن يتعرضن لمضايقات ومعاكسات كثيرة، ويتم التعامل معهم على أنهم عبيد، بلا مأوى، ويتم التعامل مع الفتيات باعتبارهن رخيصات أو فتيات للمتعة، يقبلن بأى شىء لإرضاء رغبات الشباب، الأمر الذى جعل الكثير من الشباب والشيوخ المصريين يترددون على أماكن إقامتهم للسؤال عن فتيات للزواج، بعدما أقبل بعض الأسر على تزويج بناتهم لمصريين مقابل مهر 5000 جنيه، وقد يقل عن ذلك كثيرًا.



رفض سوريون داخل مساكن كفر عثمان الحديث عن معاناتهم، مؤكدين أن الحديث يعنى قطع المعونة التى يحصلون عليها من الجمعية الشرعية، إضافة إلى الطرد من «الكفر»، لافتين إلى تلقيهم تهديدات تطالبهم بعدم الحديث للإعلام، وإلا كان مصيرهم الطرد، لذا فهم مطالبون بالصمت حتى لا يكون مصيرهم النوم فى الجنائن- حسب قولهم.


وأكد سوريون أن المعونة التى تصلهم ليست كما يثبت بالدفاتر بحيث يتم إثبات أرقام أعلى من المسلمة للسوريين، فإذا صرف 2سرير وسجادة يدرج فى السجلات 4 وسجادة، إضافة إلى أن عددا من الأسر السورية لم يتسلم أى معونات من الجمعية الشرعية المسئولة عن توزيع الإعانات.



أشد ما تعانى منه السوريات فى المنطقة، عمليات التحرش من الشباب، بالألفاظ الخارجة، ويصل الأمر إلى التعرض للسيدات، أيضًا، الأمر الذى حرم الفتيات من رؤية الشارع لأسابيع وشهور طويلة.


الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، حيث تعانى المنطقة من انتشار ظاهرة بيع الحشيش للوافدين الجدد عليها، وأكد «محمد. س»، طفل سورى، أنه أثناء استقلاله «توك توك» عرض عليه السائق سجائر وبعض قطع الحشيش بمقابل مادى، غير أنه رفض، وهو ما تعرض له الكثير من السوريين، باعتبارهم العنصر الأكثر تواجدا فى المنطقة فى الوقت الحالى.


بعد أن تخطت أعدادهم 300 ألف لاجئ، وفى ظل الظروف الحالية انتشرت ظاهرة الزواج بالسوريين، بعضه قد يكون بنية صادقة، غير أن غالبيته يكون استغلالا لظروف السوريات، ويصل الأمر إلى الزواج بالإكراه.


«أ. م» سورى، تجاوز الخمسين من العمر، متزوج من مصرية، أكد أنه فوجئ بزوجته تتفق على زواج ابنته دون علمه بالتنسيق مع شقيقتها لأحد الشباب المصرى، مقابل توفير مسكن للأسرة، وبعض المبالغ المالية، فرفض فكرة الزواج نهائيا،ً خاصة أن نجلته لم تتم عامها السابع عشر، ومتميزة فى دراستها- حسب قوله.



ووصف الزواج بهذه الطريقة بأنه «استغلال للظروف، ويشبه الزواج بالإكراه»، مشككا فى عمليات الزواج التى تمت فى المنطقة ومخالفتها للشرع والدين لأنها تمت باستغلال الظروف، مضيفا: «لا نريد أن نبيع عرضنا بهذه الطريقة، التى لم نتوقعها يوما من الأيام من الشعب المصرى، ولا أدرى كيف يعاملوننا على أننا سبايا، ولن أزوج ابنتى بهذه الطريقة وكل ما يشغلنى الآن هو تدبير ثمن تذكرة الطيران حتى تعود ابنتى لسوريا لتعيش مع أختها ولكن الأمر يحتاج إلى ثمن التذكرة وأنا لا أملكه فأتمنى من الله أن أدبر لها ثمنها».

قالت الفتاة «الضحية»، «ن . أ» إنها جاءت إلى مصر منذ فترة لم تتجاوز الشهرين، بعدما كانت تعيش مع أختها بسوريا، لم تكن تتوقع يوما أن هذا ما ينتظرها بعد وصولها بفترة بسيطة، مضيفة: «أرفض فكرة الزواج نهائيا فى هذه السن، والوقت ذاته أنا لم أبلغ عامى السابع عشر كما أننى أريد أن أكمل دراستى، ولا يمكن أن أبيع نفسى مثل الآخريات مهما وصل بى الحال، كما أن الأسلوب الذى يتم به الزواج هذه الفترة لا يعد زواجا فأنا لم أر هذا الشاب من الأساس، وأتوقع أنه لم يرنى فكيف يحدث زواج».


وأضافت: «لكن والدتى تحاول إقناعى بهذا فى سبيل توفير مكان لى وخوفا من المصير المجهول فى سوريا، لكنى أفضل الموت فى سوريا ولا أتزوج بهذه الطريقة، خاصة أنى علمت أن هناك مجموعة من الشباب من الجمعية الشرعية يمارسون بعض الضغوط على والدتى مستغلين الظروف التى نعيشها لتقديم بعض الإغراءات، والتى أرفضها تماما، وكلما رفضت عاودت أمى الإلحاح على، ولكنى لا أريد الزواج بهذه الطريقة المهينة، وأود أن أعود إلى سوريا حتى لو كانت نهايتى الموت، فهو أفضل لى من هذا الأمر الذى وصل إلى مرحلة المتاجرة بالأعراض».




بعد انتشار ظاهرة الزواج من السوريات قررت مجموعة من الناشطات فى سوريا شن حملة إعلامية تحت عنوان «لاجئات لا سبايا»، وأكدت الناشطة «مزنة دريد» منسقة الحملة، بعد تردد أنباء عبر وسائل الإعلام، خاصة فى الأردن، حول زواج السوريات بعد انتشار دعوات فى الخليج تدعو الرجال لطلاق نسائهم والزواج بالسوريات، قررنا عمل حملة للتصدى لمثل هذه الأفكار.



وأعلنت الحملة انطلاقها فى 28 أغسطس الماضى، وتم إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وتم التواصل مع عدد كبير من الحالات داخل مصر إلى جانب عدد آخر بالأردن.


وأكد «دريد» أنه تم رصد خمس حالات منها حالة تم توثيق عقد الزواج الخاص بها وهى لفتاة من حمص زوجها والدها لرجل كويتى ثم لأردنى يسىء معاملتها، وتم الدفع بالقضية لمؤسسة «إنسان» الحقوقية فى الأردن لإكمال الإجراءات القانونية.


ونفت توصل الحملة لأسماء سماسرة زواج من سوريات، قائلة: «لم نتوصل لهؤلاء الأشخاص ولكن مؤخراً سمعنا عن شخص اسمه ابراهيم الديرى وشقيقته سوزان فى مصر، ولكن لم نستطع أن نثبت أى شىء قبلهما»، لافتة إلى أن الأعراف السورية تمنع زواج السوريات من خارج سوريا، لكن الظروف التى يعيشها السوريون من اضطهاد وإهمال فى المخيمات وفى بلدان اللجوء للهروب من الوضع المزرى غيرت تلك المعتقدات، باعتبار أن الزواج هو الحل الوحيد للخروج من هذا الوضع المهين.


وأكدت أن التخلص من عمليات المتاجرة بالفتيات يتطلب التخلص الجذرى من الأسباب وإقرار قانون لمنع وردع مثل تلك الممارسات، بحيث لا يستطيع أحد الالتفاف عليه، مشيرة إلى أنه عادة ما يكون المتورط فى هذه العمليات شخصيات دينية.



ورفضت اللجوء للانفصال عن الزوج إلا فى حالة تعرض الزوجة لانتهاكات، مؤكدة أنه عقب انتهاء الثورة السورية ستطالب الفتيات السوريات بحقوقهن كاملة من أزواجهن، ولن يتعاملن باعتبارهن لاجئات، الأمر الذى يتطلب التعامل مع السوريات فى الدول العربية بتعاليم الاسلام.
عندك «مزز» سوريات



أكد الناشط الحقوقى «مازن البلكى» أنه حضر إلى مصر منذ ما يقرب من عام ونصف ويعتبر نفسه أقدم سورى حضر لمصر منذ اندلاع ثورة سوريا وتزوج من مصرية وزواجه موثق بكل الحقوق، مضيفا: منذ فترة قليلة ترددت شائعات عن زواج السوريات، وطلبت منى سوريات للزواج من بعض الشباب، الذين سألونى، عندك «مزز» سوريات، الأمر الذى تسبب فى مشاجرات عديدة لغيرتى على أهل بلدى.



وأوضح: «منذ اندلاع الثورة السورية حتى الآن وصل عدد السوريين اللاجئين فى مصر إلى ما يقرب من 300 ألف سورى الكثير منهم وصل ليفترش الشوارع والمساجد، ولكن كان هناك فضل للجمعيات الأهلية لمساندتهم، لكن كان أشهر الأماكن التى وجد بها السوريون فى مصر مناطق الرحاب والعبور و 6 أكتوبر ومساكن عثمان.. لكن الأصعب فى تلك الأماكن هو مساكن عثمان، بمدينة 6 أكتوبر فكانت الوكر الرئيسى لظاهرة زواج السوريات السرى دون توثيق لاهدار حقوق الفتاة السورية».


وأضاف: من الطبيعى أن تقبل الفتاة السورية عرض الزواج الذى ينتشلها من حالة الفقر وعدم وجود مسكن أو طعام، حتى وصل الأمر إلى تكدس أكثر من 50 فردا فى شقة واحدة السيدات فى غرفة واحدة والرجال فى غرفة، وهو ما يجعل الفتاة توافق على الزواج من أى شخص قادر على انتشالها من معيشتها غير الآدمية، متغاضية عن جميع حقوقها من «توثيق للزواج فى السفارة، ووزارة العدل المصرية، حيث لا يمكن زواج الفتاة الأجنبية من مصرى أو العكس عن طريق المأذون الشرعى».


أكد «مازن» أنه توصل لعصابة مكونة من 5 سوريات يتزعمن عمليات زواج السوريات من المصريين، ويتخذن من مدينة 6 أكتوبر مكانا لممارسة نشاطهن، من خلال المتاجرة باللاجئات السوريات تحت عنوان «السترة» مقابل 5 آلاف جنيه تقريبا من الشباب المصرى، موضحًا أن هناك من المصريين من يبحث عن الزواج الأبدى من سورية لتكوين أسرة وأبناء وزوجة مستقرة تحمل اسمه، فذهب هذا النوع إلى أكتوبر وبحث عن الزوجة وتزوج واستقر ووثق زواجه، كما يوجد نوع آخر من الشباب يعتقد أن السوريات للمتعة، وأنهن يقبلن بالزواج للحصول على الجنسية المصرية، وهو ما يسىء للمصريين والشباب العربى.


قال «مازن» إن هناك عملية تعتيم إعلامى على معاناة اللاجئات السوريات فى البلدان العربية، مؤكدا أن ما كتب فى بعض الصحف قليل، ولم يتطرق أى من القنوات للحديث عن المعاناة، وخطورتها.



ووصف زواج السوريات بالمصريين بـ«الباطل» لأن المأذون الشرعى الذى يعقد القران ليس من تخصصه عقد قران الأجنبية على المصرى، وهو ما يؤكد جهل الطرفين، وعلى الحكومة المصرية توعية المصريين واللاجئين بهذه الأمور لضمان حقوق الفتاة اللاجئة.


وأضاف: «نحن لا نمنع زواج السوريات من المصريين لكن ما يؤرقنا هو عدم ضمان حقوقهن فى المستقبل فنحن إلى الآن نجد من مصر والمصريين أنهم مازالوا الإقليم الجنوبى للدولة المتحدة التى أقامها عبدالناصر، ومنا من لايعترف بالحدود وأنا شخصيا متزوج من مصرية وتجربتى ناجحة لأنها فى النور وموثقة».


أعلن «مازن» عن تدشين حملة لتثقيف الفتيات السوريات ضمن نشاطات مؤسسة «الزيتون للتنمية البشرية»، لتعريف الفتيات السوريات بحقوقهن، وعدم التفريط فيها، بالإضافة إلى زرع شجرة الزيتون فى ميدان التحرير ملفوفة بشجر الياسمين، وهى عبارة شكر للشعب المصرى على احتواء ومساندة السوريين الذين رفضتهم دول الخليج خوفا من وصول إعصار الثورة إليها.



قال الناشط السورى إن عددا من الناشطين والحقوقيين السوريين فى مصر قرروا التصدى لظاهرة زواج السوريات غير الموثق، عن طريق توعية السوريات بخطورة الأمر وضرورة توثيق الزواج بشكل رسمى، والذهاب لأقرب مستشفى حال التعرض لأى انتهاكات من قبل الزوج، ورفع دعوى قضائية.



وأضاف أنه تم إرسال رسائل تهديدية للسماسرة المدونة أسماؤهم لدى النشطاء السوريين بأن «حسابهم قريب على ما فعلوه».