ثورة يوليو.. والجيل «المضحوك عليه»

بقلم د.سعيد اللاوندى المصري اليوم ٣٠/٧/٢٠٠٨
للمفكر السياسي المرموق الدكتور مصطفي الفقي مقولة يحفظها الجميع عن ظهر قلب يشبه فيها أبناء جيله ـ ممن بلغوا سن الستين أو يزيد قليلاً ـ بطابق «الميزانين» في العمارات والإنشاءات العالية والذي لا يتوقف فيه «الأسانسير» لا في الصعود ولا في الهبوط، ولقد حفظها الجميع لأنها مست شغاف قلوب الكثيرين وباتت مثلا ينطبق علي جميع الأجيال مع اتساع قاعدة المحرومين من أبسط حقوقهم السياسية أو الإنسانية،
ولعلي هنا أعني حقهم في أن يحلموا بالمشاركة في صنع بلدهم وعاشوا عمرهم كله يكتسبون الخبرات ويراكمونها «فوق بعضها البعض» انتظاراً للحظة يتمكنون فيها من توظيف كل هذه المهارات العلمية والأكاديمية وربما التطبيقية لخدمة الوطن، لكن حيل بينهم وبين هذه الأمنية المشروعة، وعندما حلموا بذلك صغاراً، كما يقول مفكرنا الرائع الدكتور مصطفي الفقي هجم عليهم «أولو الأمر» باللوم والتقريع قائلين: أنتم ما زلتم صغاراً والعمر أمامكم، وعندما حلموا ثانية بالمشاركة وتحمل المسؤولية في مواقع القرار والتنفيذ قيل لهم: لقد بلغ الشيب مفرقكم، ويحسن التخلي عن هذه الأحلام لحساب الأجيال التي تأتي بعدكم!!
ولأن «أولي الأمر» في بلادنا يعطون أنفهسم الحق في أن يحددوا فالدكتور مصطفي الفقي والمجايلون له، تم تهميشم عن عمد، ولم يتركوا للقلة القليلة منهم إلا الفتات من قبيل ذر الرماد في العيون! أما جيلنا ممن لا يفصله عن جيل الدكتور مصطفي إلا عقد من الزمان فلقد خرج بخفي حنين، واليوم ومع ذكري ثورة يوليو ١٩٥٢ اكتشف جيلي أنه تم اختطافه لحساب آخرين، وانتهي به الحال إلي أن يكتشف أنه جيل مضحوك عليه!
فلقد حرم من كل شيء، أما الكارثة الكبري أنه فتح عينيه بعد سن الرشد فالنضج، ليكتشف أن كل شعارات الثورة قد تم مسخها مع سبق الإصرار والترصد، فنادت الثورة بمبدأ تكافؤ الفرص، الذي أصبح بفعل فاعل أثراً بعد العين، وقالت «لا» للإقطاع الفكري والزراعي والرأسمالية المستغلة، فعادت من أوسع الأبواب لتسيطر علي المشهد المجتمعي بقضه وقضيضه ونادت بامتلاك الشعب والقوي العاملة وسائل الإنتاج، فتم طردهم من وظائفهم باسم الخصخصة، واكتظت طوابير البطالة بالعاطلين من كل الأعمال و«بالتبعية» طوابير العنف، والتسيب والفهلوة والإدمان وكل الموبقات المجتمعية.
نعم يا دكتور مصطفي، ضحكوا علينا، وقهرونا وامتطونا ووأدوا الأحلام في صدرونا وملأوا المواقع «بأهل الثقة» حتي لو كانوا أجهل من دابة وذبحوا أهل الكفاءة قرباناً ـ حسب ما يدعون ـ لأمن الأمة واستقرار الشعب.
لم ننل سوي الحنظل: نشربه مراً «علقماً» ونكتوي بشوكه وناره، وإذا ما تذمر أحد أبناء جيلي وذكر الثورة المصرية بمبادئها وشعاراتها ضحكوا منه «ملء الإشراق» وهم يترجرجون بكروشهم المنتفخة علي مقاعدهم الوثرة.
وشعر جيلي ـ والأجيال التالية ـ بالخيبة تهبط عليهم كهروات حديدة تسحق الجماجم، والمؤلم أن من قام بتجريف وتحريف ثورة يوليو، هم من أكثر من استفادوا منها، لكنهم شاءوا أن تقف الاستفادة عند حدودهم وحدود أبنائهم وأحفادهم أما أبناء الشعب، فلهم الحرمان «بامتياز» وإذا اعترض معترض تحق عليه اللعنة.. باختصار، جيلكم يا دكتور مصطفي وجد عمارة و«أسانسير» وقواعد «ظالمة» تحكم صعوده وهبوطه، أما جيلنا المضحوك عليه فلم يجد لا عمارة ولا «أسانسير» ولا قوانين.. لم يجد يا دكتور سوي «الخراب».



أمال جيلنا بقى يتقال عليه إيه ..
تقبلوا خالص مودتي