بــــل نــنـــعــــاهــــم جــــمــــيــــعـــــــاً
نعم ننعاهم جميعاً..
لا يزال فينا بعض من إنسانية كنا نظنها غادرتنا، ولا يزال بداخلنا ألم وفى قلوبنا غصة بعد أن علّمنا الزمن وعلم علينا، ولذلك نحزن لهم ولقتلهم وننعاهم.
كل الذين قُتلوا وهم يؤدون واجبهم ويقومون بعملهم ننعاهم.
كل الذين قُتلوا خطأ أو ظلماً أو غباء من قاتليهم أثناء فض الاعتصام ننعاهم.
كل الذين قابلوا الموت مبتسمين وكان قاسياً فاحتضنهم واختطفهم فى لحظة تاريخية صعبة على كل المصريين ننعاهم.
كل الذين ذهبوا وهم واثقون فى العودة لأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحق معه أن يموتوا لكنهم لم يعودوا ننعاهم.
كل أصحاب المبادئ الذين ماتوا أو قُتلوا بعد أن مشوا وراء ضمائرهم وليس وراء مصالحهم ننعاهم.
ننعى فرحة يأبى الجميع ألا تكتمل، ليفسدوها بحرق كنائس واقتحام مستشفيات ومصالح عامة وإضرام الحريق فى
مصر بمبدأ «علىّ وعلى أعدائى»، أو ينسحبون من المشهد فى لحظة لا تحتمل سوى المواجهة هروباً من مسئولية كنا
نظنهم يستحقونها فإذا بهم أول الهاربين.
ننعى ضباط قسم كرداسة الذين قُتلوا ومثل قاتلوهم بجثثهم.
ننعى حبيبة عبدالعزيز وأسماء البلتاجى وغيرهما من العشرات الذين قُتلوا أثناء فض الاعتصام
ولم يكونوا ممسكين بسلاح، وإنما راحوا ضحية إطلاق نار عشوائى يجب التحقيق فيه، وننعى ضمائر هؤلاء الذين شمتوا فى
قتل كثيرين لمجرد أنهم إخوان، وننعى قلوباً ماتت وبصائر عميت للأبد وأصحابها يتناقلون شائعة سخيفة بأن بنت «البلتاجى» لم تمت
وظهرت فى فيديو على «الجزيرة» لتنفى مقتلها، رغم أن ذلك لم يحدث، ورغم أن أياً منهم لم يتأكد من صحة الخبر أو يشاهد الفيديو المزعوم بنفسه،
كما ننعى إنسانية كل من يهدد هذا البلد بأنه لن يهنأ بيوم هادئ، وننعىرجولة وضمير هؤلاء الذين يستترون خلف النساء والأطفال
فيتاجرون بدمائهم ويخاطبون الغرب ليستعدوهم على بلادهم،
لا لشىء إلا ليعودوا لحكم سيلعنهم للأبد.
ننعى شهداء الواجب من ضباط الشرطة.
ننعى مصطفى إبراهيم ومحمد جبر وعامر عبدالمقصود ومحمد فاروق نصر الدين
وضابط الشرطة حسام البهى الذى كان يحاول أن يدافع عن مكتبة الإسكندرية فقتلوه، وننعى أفراد الشرطة البسطاء
الذين لم يدافعوا حتى عن أنفسهم فى أقسامهم فقتلهم الفجرة وفشل قادتهم فى تجهيزهم وإعدادهم وحمايتهم.
ننعى زملاءنا من المصورين والصحفيين.. هؤلاء كانوا يقومون بواجبهم، ولم يحملوا سلاحاً،
بل كاميرات وأقلاماً، بل منهم مصور لقناة أجنبية هى «سكاى نيوز»، فهل كان يستحق القتل؟ وهل يستحق زميلنا الصحفى
أحمد عبدالجواد وغيره القتل؟
ننعى هؤلاء الذين ستُمحى صورهم من الجرافيتى، وهؤلاء الذين ماتوا وقُتلواواستُشهدوا دون أن يتذكرهم أحد بجرافيتى،
وهؤلاء الذين لم يعد حقهم حتى اليوموها هم يموتون كل يوم مرات ومرات حتى بعد موتهم وقتلهم على أيدى من لم يحاسَبوا بعد،
ولن يحاسَبوا على الأرجح.
ننعى المصريين الذين انقسموا بين شاشات التليفزيون وعلى «تويتر» ليتابع كل منهم جنازة من يخصه رغم أن الكل مصريون،
ونبكى ألماً على هؤلاء الذين راحوا يبحثون عن جثث ذويهم وأبنائهم وأقاربهم فى مسجد الإيمان الذى امتلأ بالجثامين، وعلى هؤلاء
الذين مشوا خلف نعوش أحبائهم وإخوتهم وزملائهم عند مجلس الشرطة وفى قلوبالجميع غل وألم ورغبة لا تنتهى، ولن تنتهى على ما يبدو،
فى الانتقام من قاتليهم.
ننعى من مات ومن سيموت ومن ربما كان يموت الآن وأنت تقرأ هذا المقال.
ننعاهم جميعاً ولا نترحم أو يصعب علينا كل من أوصلنا لما نحن فيه ولا كل من قتل بعد تحريض ضد الآخر
ولا كل من حمل سلاحاً ليقتل ويحرق..
ننعاهم جميعاً..
وننعى أنفسنا معهم..
الوطن | بل ننعاهم جميعاً | محمد فتحى