الحلقة الثانية
التعبير الموسيقى عند سيد درويش
تتلخص مدرسة سيد درويش الفنية فى مبادئ أساسية هى
اختيار الموضوع والكلمات
التعبير عن الموضوع والكلمة باللحن
اختيار النغمات ذات الجذور الشعبية المصرية
صياغة الجمل اللحنية فى أبسط صورة
صياغة الألحان فى تراكيب حديثة متطورة وإيقاعات شابة مليئة بالحيوية
استطاع سيد درويش التعبير عن هموم وطنه وآماله فى أصدق صورة ، باللحن والكلمة
ومن أهم أسباب انتشار موسيقى وألحان سيد درويش أنها بسيطة وسهلة مع عمق نغماتها وتأثيرها القوى فى النفوس ، ولم تكن ألحانه تحتاج إلى أصوات محترفة لترددها ، وقد كانت الأغانى السائدة فى ذلك الوقت من أصول تركية غير معبرة عن البيئة والمزاج المصرى ومليئة بالتراكيب المعقدة والزخارف اللحنية وهو ما كان معروفا بـ "موسيقى الصالونات" يسمعها فقط خاصة العائلات والطبقة الأرستقراطية من الأتراك ، كما أن موضوعاتها اقتصرت على الحب والغرام والهجر والفراق ، لكن سيد درويش استطاع أن يجعل الغناء للجميع ، وأحس المصريون لأول مرة فى العصر الحديث بأن لهم موسيقاهم المعبرة عنهم وعن جذورهم ومشاعرهم

وعمل سيد درويش كثيرا على إيقاظ الروح الوطنية بين المصريين بألحانه وبما يختار لها من كلمات معبرة ، بعضها من نظمه هو ، والبعض الآخر من تأليف الشعراء الوطنيين ، وكان أحيانا يعجب بكلمات منشورة فى إحدى الصحف فيقوم بتلحينها على الفور دون معرفة مسبقة بمؤلفها ، ومنها لحن " قوم يا مصرى" لبديع خيرى فقد كان الشعور الوطنى يوحد بين الكتاب والفنانين فى وقت ساد فيه الاحتلال وفسدت السلطة ، ولم يتقاض أجرا عن تلحينه لأعطم ألحانه الوطنية

ويكفى النظر إلى بعض مقاطع أغانيه لكى نعرف عن ماذا يتحدث سيد درويش وما الذى يعبر عنه ، ولكى ندرك النقلة الكبيرة التى أحدثها



فى أنشودة أنا المصرى

نا المصرى كريم العنصرين .. بنيت المجد بين الإهرامين

جدودى أنشأوا العلم العجيب ، ومجرى النيل فى الوادى الخصيب

لهم فى الدنيا آلاف السنين

ويفنى الكون وهم موجودين

وفى لحن سالمة يا سلامة

صفر يا وابور واربط عندك نزلنى فى البلد دى

بلا أميركا بلا أوربا مافى شى أحسن من بلدى
وفى نشيد قوم يا مصرى

قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك ، خد بناصرى نصرى دين واجب عليك
شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار .. من جمودك كل عضمة بتستجار
صون آثارك ياللى ضيعت الآثار .. دول فاتوا لك مجد خوفو لك شعار
ليه يا مصرى كل أحوالك عجب .. تشكى فقرك وانت ماشى فوق دهب
مصر جنة طول ما فيها انت يا نيل .. عمر ابنك لم يعش أبدا ذليل"

وفى أغنية طلعت يا محلا نورها

طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة .. ياللا بنا نملا ونحلب لبن الجاموسة"

وفى لحن الصنايعية

الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية .. والديك بيدن كوكو كوكو فى الفجرية"
ياللا بنا على باب الله يا صنايعية .. يجعل صباحك صباح الخير يا اسطى عطية"

والنشيد الوطنى الذى وضع سيد درويش كلماته مستوحيا إياها من كلمات الزعيم الوطنى مصطفى كامل

بلادى بلادى .. لك حبى وفؤادى
وهو نشيد الشعب الذى غناه فى ثورة 1919 وهو النشيد الوطنى الحالى بعد أكثر من 80 عاما

والأغنية التى انتقدت تجنيد الشباب بالقوة لخدمة الجيش البريطانى

يا عزيز عينى وانا بدى اروح بلدى ..بلدى يا بلدى والسلطة خدت ولدى



آثــار مدرسة سيد درويش فى الموسيقى
يقول الموسيقيون فى مصر ، كبارهم وصغارهم
" كلنا خرجنا من عباءة سيد درويش"

وهم يعترفون بذلك لأنه كان المجدد الأول فى العصر الحديث ، ولأن التطور الذى أحدثه كيفا وكما كان كفيلا بمد من جاءوا بعده من الفنانين بمدد لم ينفد بعد وقد مضت أكثر من ثمانبن سنة على وفاته ، وتكفى هذه الشهادة لإثبات مدى أصالة عن هذا الفنان ، وكانت الموسيقى قيله من عزف وغناء وتأليف وتلحين لمئات السنين تهتم بالقوالب الشكلية والزخرفة بصرف النظر عن الجوهر والمضمون ، واتفق فى ذلك الفن التركى مع بقايا الفن الأندلسى من الموشحات وانفصال كلاهما بالتالى عن واقع الحياة والناس ، وقد توجه سيد درويش بالموسيقى نحو الأصول الشعبية والتحديث فى آن واد

سار على نهج سيد درويش كبار الملحنين فى القرن العشرين ، والذين لم تقتصر ألحانهم على مصر بل ذاعت فى جميع الأقطار العربية ، وهم محمد القصبجى ، زكريا أحمد ، محمد عبد الوهاب ورياض السنباطى ، وأحدثت تلك الألحان ثورة جديدة فى الذوق العربى الموسيقى ، وساهمت فى إثراء الحركة الثقافية القومية



والواقع أن المتتبع لآثار فن سيد درويش فى أعمال الآخرين لا يجدهم فقط قد ساروا على منهجه وإنما يجد أيضا مقاطع كاملة من أعماله فى أعمالهم ، وهم لم يستطيعوا حتى تحويرها أو تغييرها معالمها فظهرت كما هى!

وقد يقود هذا إلى الحديث عن سرقة ألحان سيد درويش من قبل الفنانين اللاحقين ، لكن فى رأينا أنه التأثير القوى الذى لا فكاك منه! فهؤلاء الفنانين أساتذة كبار وبوسعهم وضع ألحان غاية فى الثراء وليست السرقة من شيم الأثرياء ، ونحن إذ ننفى عنهم هذه التهمة فهم بعترفون بأنهم واقعون تحت تأثير سيد درويش وأنهم تربوا جميعا فى مدرسته الرحيبة ، ولهذا لا بأس من تتبع آثار سيد درويش فى موسيقاهم لنعلم مدى ذلك التأتير ولنضع سيد درويش فى مكانته الحقيقية بين الفنانين



كثيرا ما وصف سيد درويش بالعبقرية ، ومن مظاهر عبقريته :

أن عمره الفنى لم يتجاوز ست سنوات وتوفى عن 31 عاما لكنه أحدث ثورة هائلة فى الموسيقى الشرقية

مازالت أعماله تردد حتى اليوم

استطاع لأول مرة فى تاريخ الموسيقى العربية التعبير باللحن عن الكلمات والمواقف الدرامية

أول فنان يجعل من الموسيقى الشعبية فنا قوميا راقيـا

وضع أسس المسرح الغنائى التعبيرى وألف أعظم الألحان المسرحية حتى الآن

ألف عشرة أدوار غنائية من مقامات مختلفة هى كم صغير فى عالم الأدوار لكنها أفضل عشرة على الإطلاق

وضع مقاما موسيقيا جديدا أسماه زنجران
جعل الغناء للجميع بعد ما كان مقصورا على المطربين المحترفين

ظهرت آثاره الفنية فى كل ما جاء بعده من موسيقى

لم يستطع أحد حتى الآن تقديم أعمال موسيقية ترقى إلى مستوى أعماله


واستحق سيد درويش لقب "أبو الموسيقى المصرية" حيث كانت منزلته الفنية بالشرق كمنزلة "بيتهوفن" بالنسبة للموسيقى الأوربية
من ألقـــــاب سيد درويش

1- أبو الموسيقى المصرية

2- فنان الشعب

4- الفنان الخالد

5- الشيخ ســـيد

6- مؤسس الموسيقى المصرية الحديثة

7- الأســـتاذ الأكـبر

8- الموسيقار الأول

9- الموسيقار الخالد

10- نابغة الموسيقى

11- إمام الملحنيـــن

12- عبقرى الموسيقى