المساوّاه في الآيس كريّم .. !!
إقرأ الموضوع ده للأخر لما تكون فاضي الموضوع مش كبير اوي ولا ممل يستهل الوقت اللي هتقرأه فيه ..
,,
لصديقي عبده فادي
Abdo Fayed
سنة 2010 كانت أول احتكاك أو بالأدق صدام ثقافي بيني وبين الحياة الألمانية.قرأت خبر عن حادثة شغلت المجتمع الألماني عن بكرة أبيه.الحادثة تخص طفل اسمه توبي،ابن لعامل مخازن في شركة ايكيا،وكان عنده مأساته الخاصة اللي فضحت وهم العدالة الاجتماعية في ألمانيا زي ما الخبر قال وقتها.مشكلة توبي الفظيعة،ان أبوه مكنش بيشتري له أيس كريم لضيق ذات اليد..
الموضوع حز في نفسه،فراح اشتكي لمدرسة الفصل،وهي وصلت الخبر لأحد أقربائها،محامي اسمه مارتن رويشر،راح لأهل توبي،الحاج مارتن،ومدام كاترين.وقالهم مينفعش تسكتوا،كده غلط علي صحة الولد النفسية،احنا لازم نتصرف،نعمل ايه؟ نرفع قضية علي الحكومة أمام المحكمة الدستورية ،نطعن في دستورية نظام الأجور وأموال الأطفال،ونطالب بتغيير المنظومة..
وبدأت قضية توبي،والمحامي مقصرش في المرافعة،ووصف معاناة توبي مع الايس كريم بالتفصيل،والحكومة لقت نفسها موضع اتهام من المجتمع،وعملًا بمبدأ إن كنتوا اخوات اتحاسبوا،طلعت دفاترها وقالت انها بتخصص 200 مليار يورو سنويًا للمساعدات الاجتماعية للأسر،وان الحاج أبو توبي مرتبه مش وحش حوالي 1700 يورو،يعني أعلي من معدل الفقر بألف يورو بحالهم غير انه بياخد كل شهر علي قلبه حوالي 180 يورو لتوبي..
واستمرت القضية شهور في شد وجذب،المحامي مفوتش الفرصة عشان يشتم في الحكومة وانها بتنصب علي الناس،ودليله انها مش بتصرف 200 مليار ولا حاجة ده هما كلهم 180 مليار يورو،استخدم مصطلح Das Märchen der Sozialhilfe خرافة المساعدات الاجتماعية،والحكومة قرفته شوية بأكوام من الاحصاءات،وانتهت القضية برفض الطعن في دستورية نظام المساعدات الاجتماعية للأطفال،و هيكل الأجور،ورفض أي تغيير،وتوبي معرفش يشتري الايس كريم..
القضية كنت حافظ تفاصيلها عن ظهر قلب،وكل اللي جه في بالي وقتها،دول شوية ناس تافهة،الناس بتموت في مجاعات الصومال عشان مش لاقية نقطة مياه،ودول زعلانين علي طفل مش بياكل ايس كريم.فضلت محتفظ بأحقاد شاب من العالم الثالث علي حياة مجاذيب العالم الأول،واستنيت أول ألماني احتك به عن قرب عشان افرغ فيه شحنة الغيظ.وكانت من نصيب شابة ألمانية اسمها ايفيلن كوهين،كانت بتدربني علي المحادثات في حديقة جوته في الدقي،انا واثنين زمايلي،استعدادًا لامتحان الشفوي في مستوي B1..
بدأت معاها حوار جانبي بألمانية ضعيفة وقتها،كله شعارات عن غياب المساواة بين دول العالم،وجشع الألمان اللي بيخليهم مش شايفين مآسي العالم وبيتكلموا في توافه الأمور،وسمعتلها قصة توبي،ومن حسن الحظ كانت عرفاها،استنيتها ترد عليا وتقول مش عاجباك ألمانيا خليك في بلدك! زي ما المصريين بيقولوا لما تيجي تكلمهم عن سلبيات ما في ألمانيا،وكأنهم ألمان اكثر من الألمان..معملتش كده وكانت شيك في ردها..
قالت لي تعرف حاجة عن النظام الاجتماعي في ألمانيا؟رديت لأ..الاقتصادي؟،برضة لأ..السياسي؟ شوية !..مش انت درست سياسة؟ آه..طيب ازاي متعرفش لا النظام الاجتماعي ولا الاقتصادي وشوية سياسي؟ لأ أصل احنا درسنا النظام السياسي الأمريكي والبريطاني والفرنسي في مادة نظم سياسية غربية،سنة ثالثة،ومخدناش جنس شئ عن ألمانيا!..طيب دور علي الاسم ده وانت تعرف ليه الايس كريم بتاع توبي مهم..مين ده؟ فرانتس يوزف فيورملينج..
اعتبرته نوع من التعالي ومدورتش علي حاجة،وفضل الموضوع بالنسبة لي كما هو،شوية عالم تافهة،شاغلين بالهم بطفل متدلع.لغاية 2013 تقريبًا لما بدأت البجث بجدية عن فرص لاكمال الماجستير في جامعة ألمانية.وكان لزامًا عليا اشتغل أكثر علي تفاصيل الحياة السياسية الألمانية.وبدأت من نقطة شغفي قصة توبي،ودورت علي الاسم اللي ادتهولي..
فرانتس كان اول وزير للأسرة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.كان عنده هدف أساسي، تأمين الأطفال بمبلغ مالي كل شهر عشان يعيشوا حياة أفضل.قدم مقترح المساعدات الاجتماعية سنة 1951 و الدنيا قامت عليه،مش بس لأن ألمانيا لسه خارجة من دمار الحرب،ومش لاقية فلوس تدفع 10 مارك لكل طفل ألماني شهريًا وهو مبلغ زهيد،لأن كمان المساعدات الاجتماعية كانت مرتبطة في أذهان الألمان بهتلر.فلوس الأطفال Kindergeld اللي فرانتس عايز يدفعها،هتلر كان بيدفعها برضه بس اسم Kinderbeihilfe ،يبقي الحكومة عايزة تعمل زي هتلر وتستغل المعونات الاجتماعية عشان تغسل دماغ الناس..وهكذا..
الراجل صمم علي مشروعه في مقابل رفض الاشتراكيين،ونجح بعد عذاب 4 سنين في تمرير قانون،يخصص أموال للأطفال،ويعمل اعانات بطالة،ويضع منظومة اجور.مخلصش برضه من انتقادات تانية من نوعية يعني 10 مارك هيعملوا ايه للطفل؟المشروع هيفشل واحنا هنضيع الفلوس علي الفاضي!وهو علي عكس التوقعات قال أن ال 10 مارك هيبقوا 50 كمان كام سنة وهيوسع باقي الاجراءات الاجتماعية عشان ميبقاش فيه حقد طبقي بين طفل غني وآخر فقير.الراجل كان عنده حق،ألمانيا صنعت معجزتها الاقتصادية وال 10 مارك اللي بدأ بيهم بقوا بعد 70 سنة 184 يورو شهريًا علي الطفل الواحد..
دي المرة الاولي اللي فهمت فيها ليه المجتمع الألماني كله اعتبر قضية أيس كريم لطفل قضية أمن قومي،تُستنفر فيا الحكومة والمحكمة الدستورية.الموضوع مش موضوع ايس كريم ده موضوع عدالة اجتماعية،وخوف من حقد اجتماعي ينمو لو ابن الفقراء.نسميهم فقراء والسلام- شاف ابن الأغنياء ماسك ايس كريم وهو مش معاه ثمنه..
أكيد المقارنة بين المساواة في الايس كريم بين أطفال المانيا لمنع ظهور الأحقاد..وبين أطفال مصر اللي الفروق بينهم وصلت لدرجة بشعة،بين طفل أهله بيدفعوا له 50 الف ج في سنة دراسية واحدة،وواحد تاني بيمشي 10 كيلو رايح جاي كل يوم عشان يوصل لمدرسته اللي مفيهاش لافصول ولا حمامات ولا مدرسين،هتكون عبثية،للبون الاقتصادي والتكنولوجي المهول بينا وبينهم..لكن بالتأكيد المقارنة واجبة في السؤال التالي..ايه اللي وصل الألمان لاعتبار احتياج طفل لايس كريم موضوع حيوي؟..وايه اللي وصلنا للوضع المزري ده؟ ..
لأنهم امتلكوا شخص بخيال سياسي وحلم مشروع اجتماعي زي وزير الأسرة فرانتس يوزف فيورملنج،فهم أن العدالة الاجتماعية فرض عين،وان التخطيط لها واجب حتي لو كانت دولته خارجة متدمرة بعد حرب أبيد فيها ملايين من سكانها،ونُسفت فيها ملايين من مبانيها،وقسمت فيها لدولتين.بدأ 10 مارك،ف20 مارك،فتعليم شبه مجاني،مجاني.صحة بفلوس،شبه مجانية..وهكذا لغاية ما وصلوا للأيس كريم بتاع توبي..
وده اللي محتاجينه لو عايزين خناقتنا علي الفيسبوك يومًا ما تبقي عن اكتئاب مدحت ابن أبلة عفاف لعدم تمكن أبوه الاسطي رشدي السواق من حجز مصيف لمدة شهرين،واكتفائه بشهر ونصف بس.ونقعد نشتم في الحكومة وهي تخرج تبرر واحنا نرفض ونفكر نقلب نظام الحكم عشان مدحت يعرف يصيف وهكذا..
سياسي يحلم ويفكر،يشوف ويقارن ويتعلم ويطبق،يطلع السلم خطوة خطوة..والأهم يؤمن اننا بشر،ولازم نعيش كبشر،أو نموت علي الأقل واحنا بنحاول..مش ارقام في دفاتر وأعباء اجتماعية واجيب لكوا منين ده انتوا 90 مليون..
اللي لسه قلقان علي توبي..كمان شهر ونصف،مرتب أبوه هيتضاعف،لأن الحد الأدني للأجور هيبقي 8,5 يورو في الساعة..آه في الساعة..والحكومة هتضخ 12 مليار يورو في أموال الأطفال زيادة..وتوبي هيروح عند العبد بتاع المانيا ويعوم أيس كريم وحلويات..عقبال ولادنا
#الايس_كريم_أمن_قومي
#كلنا_توبي