الركود المصرى.. هل من حل؟!
من يتأمل الواقع المصرى يلمس ركوداً غير مسبوق فى معظم مناحى الحياة، والغريب أنه مسحوب تارة بالبيروقراطية أو الفساد أو اللامبالاة أو الإقصاء أو غياب المبادرة والتجديد أو التأميم من الباطن، وهذه بعض مظاهره:
ركود دعوى: هناك حالة ركود دعوى غير مسبوقة، فقد أصبحت الخطب ميتة ودروس المساجد لا يحضرها أحد، وعادت المساجد لا يؤمها إلا أرباب المعاشات ولم تعد فيها أى نشاطات دعوية تذكر، فقد تم تأميم الدعوة الإسلامية من قبل الأوقاف، لا بأس من التأميم إذا كان للأفضل والأكثر حيوية واجتهاداً ونشاطاً، أما التأميم بمعنى قتل الدعوة ومواتها فهذا هو الخطر الحقيقى على الأجيال القادمة، فالتدين الصحيح دون تطرف يعد ركناً من الأمن القومى والحفاظ على الهوية.
ركود أدبى: شهدت فترة الأربعينيات والخمسينيات التى تمثل الحقبة الليبرالية المصرية بزوغ نجم أعظم الشعراء، أمثال شوقى وحافظ ورامى وبيرم، وأشهر الأدباء أمثال هيكل والزيات والمازنى والعقاد وطه حسين دون وزارة ثقافة.
أما اليوم فهناك حالة ركود ثقافى لا مثيل لها، فلا تجد اليوم شاعراً مرموقاً أو كاتباً بارزاً أو أديباً أو قصاصاً على مستوى إقليمى أو عالمى، حتى القصص اليوم تُكتب بالعامية وبلغة ركيكة لو قرأها العقاد أو الزيات أو طه حسين لأقام الدنيا وأقعدها.
ركود سياسى وحزبى: هناك حالة موات إكلينيكى للسياسة فى مصر، لا أحزاب قوية ولا وجود لها فى الشارع ولا يستطيع أى حزب حشد ألف شاب فى مقره، لا تغيير النخب السياسية، لا كوادر جديدة، لا بدائل سياسية ولا منافسات حقيقية، أحادية فى الملعب السياسى، وأد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية حية، ومصرع «النور» بيد الحكومة التى يؤيدها. السياسة المصرية هى مباراة من طرف واحد.
ركود اقتصادى: مصر بلا هوية اقتصادية، فلا هى اشتراكية تراعى الفقراء، ولا هى رأسمالية راقية متطورة تنافس اليابان وكوريا، تجد لدينا سوءات النظامين دون إدراك حسناتهما، نتمحك بزيادة السكان دون النظر لتجربة الصين التى أصبحت إمبراطورية اقتصادية ضخمة بعد أن ودعت أفكار «ماو» البائسة، لم ينخفض الجنيه المصرى طوال تاريخه مثلما انخفض الآن، لا مصانع جديدة، مع عدم فتح المغلق منها، وهناك حالة أشبه ما تكون بحالة التأميم الخفى ناسين أن عبدالناصر قال لسكرتيره فى نهاية حياته: «نحن أخذنا أموال الأغنياء ولم نفعل للفقراء شيئاً كثيراً»، فمها أخذت الدولة من أموال ستبتلعها دوامة البيروقراطية التى لا ترحم.
ركود إعلامى: فليست هناك قناة فضائية إخبارية عالمية تنافس العربية أو الجزيرة أو سكاى نيوز، رغم أن هذه الثلاث بدأت من دول صغيرة وبخبرات مصرية وبعد سنوات طويلة من نشأة الإعلام المصرى، وليست هناك قناة رياضية أو أطفال أو ناشيونال جيوغرافيك عالمية مصرية.
ركود رياضى: فليس لدينا فريق وصل إلى كأس العالم منذ فترة طويلة، وخرجنا من كأس أفريقيا بطريقة مهينة، لم نكسب ذهبية واحدة فى الأوليمبياد الأخير، هناك حالة فوضى رياضية غير مسبوقة.
ركود فنى: أفلام تافهة للاستهلاك المحلى وللمراهقين ولشفط عيديات العيد منهم، وليس هناك فيلم جيد أو فاز بجائزة إقليمية أو عالمية، فهل عقمت مصر عن إنتاج فيلم واحد كل عام ينافس أو يحصد جوائز فى المهرجانات العالمية؟!
ركود الصحافة المصرية: كل من يتأمل الصحافة المصرية يجد أنها تتأخر الآن، وتكاد تحتضر فنياً ومالياً وسياسياً وخبرياً، ولولا الدعم الحكومى للصحافة القومية لما استمرت.
ركود فى العلاقات الإنسانية: هناك حالة قطيعة للأرحام غير مسبوقة، وركود فى العلاقات الاجتماعية، ونسب الطلاق أعلى نسب فى العالم، هناك حالة تمزق فى العلاقات الإنسانية، فلا حوار ولا تزاور مع خفوت مشاعر الأخوة والصداقة، وغياب كبير لمعانى التراحم والتسامح والعفو.
ركود فى العلم والتعليم: لقد أصبح مستوى التعليم العام فى الحضيض، وأصبح التعليم يعنى الدروس الخصوصية، وميزانيات المدارس صفر، ومدير المدرسة أصبح لا يملك ثمن سيارة النقل التى ستنقل الكتب المدرسية، أما التعليم الجامعى فقد غزته الدروس الخصوصية، والدكتوراه أصبحت تُباع وتُشترى لطلبة الخليج، فهل لهذا الركود من حل؟! اللهم أيقظ هذه الأمة واهدها رشدها ويسر لها أمرها.
ناجح ابراهيم
الركود المصرى.. هل من حل؟! | المصري اليوم
