ب أحمد الليثي - منذ بداية العدوان الاسرائيلي على غزة وهناك جدل شديد في المجتمع المصري حول القضية الفلسطينية والمقاومة وحركة حماس وعلاقة مصر بإسرائيل.

كما لعب الاعلام الحكومة المصري دورا كبيرا في تغذية هذا الجدل عبر حملة اعلامية مضادة لحماس في مواجهة قنوات فضائية عربية تدافع عنها.

وخلال احتكاكي اليومي بكثير من المصريين من مختلف الطبقات، وكذلك من خلال تعليقات زوار مصراوي على الاخبار المتعلقة بالعدوان على غزة، لاحظت ان هناك عددا من الاراء المؤيدة والاراء المعاكسة تتكرر كلما فتح النقاش حول القضية الفلسطينية وما يتعلق بها.

وفي هذا المقال - وما يتبعه ان شاء الله - تجميع لهذه الاراء المؤيدة والمعارضة، قمت فقط بترتيبها وتصنيفها لك، وانت فقط من يملك الحكم على هذه الاراء، من منها صحيح ومن خطأ، من منها منطقي ومقنع ومن منها يتم ترديده دون تفكير عميق فيه.

فتح المعبر يعني احتلال الفلسطينين لسيناء

ومن اكثر النقاط التي يناقشها المصريون اثارة للجدل هو ما يقوله كثير من ان مصر لو فتحت معبر رفح اما اهل غزة فإنهم سيستقرون في سيناء ولن يخرجوا منها ثانية.

ويؤكد اصحاب هذا القول ان هناك مخططات اسرائيلية قديمة لتغيير الوضع في هذه المنطقة عبر دفع اهل غزة إلى الاستيطان في سيناء لتكريس فصل القطاع عن الضفة الغربية وتغيير المعالم الجغرافية على الارض لإنهاء حلم اقامة الدولة الفلسطينية إلى الابد.

ولا يخفي كثير من أصحاب هذه النظرية هواجسهم من ان الفلسطينيين انفسهم يرغبون في الاقامة الدائمة في سيناء وترك قطاع غزة المكتظ بالسكان.

لكن، وفي مقابل هذا الطرح، يرد كثيرون بأن هناك خلط واضح بين فتح المعبر مع وجود سيطرة مصرية على الداخل والخارج منه، وبين ما حدث في يناير 2008 من اجتياح للحدود بين مصر وقطاع غزة وحالة الفوضى التي شهدتها مدينتا رفح والعريش والمصرييتين، ويؤكدون ان اي مصري او فلسطيني او عربي لم يطالب بازالة الحدود وتكرار حالة الفوضى تلك.
"قال كثيرون ان دخول مئات الفلسطينين إلى غزة اثناء الحرب الاسرائيلية الحالية على القطاع يؤكد تمسكهم بأرضهم وعدم رغبتهم في الاستقرار في سيناء ، حيث كانت لديهم حجة مقنعة ويمكنهم التعلل بالخوف على حياتهم ".

وبالتالي فإن المقصود من المطالبة بفتح المعبر هو تسهيل الحركة الطبيعية للافراد والبضائع من وإلى قطاع غزة مع وجود رقابة مصرية من قوات حرس الحدود والشرطة على المعبر، في وضع مشابه لمنفذ السلوم البري بين مصر وليبيا او حتى اي ميناء بحري او مطار مصري، حيث تحكم مصر الرقابة على الداخل والخارج من هذه المنافذ لكنها لا تغلقها بالكلية.

في حين ابدي كثيرون عدم اقتناعهم بالاسباب التي ساقها كثير من المسئولين المصريين بأن هناك اتفاقية لتشغيل المعبر تمنع مصر من اعادة تشغيله بدون تواجد المراقبون الاوربيون وحرس الرئاسة الفلسطينية والاسرائيليون، وقالوا ان مصر - من الاساس - ليست طرفا في هذه الاتفاقية التي وقعت بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية والاتحاد الاوروبي وبالتالي فهي ليست ملزمة بتطبيقها.

ويقولون اخرون ان قواعد القانون الدولي تلزم مصر بفتح معبر رفح حتى لو كانت هناك اتفاقيات سياسية تقضي بغير ذلك، حيث اصبح إغلاقه حاليا يمثل مشاركة في حصار فرض على مدنيين في صورة واضحة من صور العقاب والقتل الجماعي للمدنيين التي لا يقرها القانون الدولي واتفاقيات جنيف، وان مصر تنتهك بهذا الغلق اتفاقية جنيف ثلاث مرات، الأولى بامتناعها عن فك الحصار عن الفلسطينيين لتكون قد ساعدت طرفا دوليا هو إسرائيل على تهديد حياة مدنيين أبرياء، بما يتناقض مع بنود الاتفاقية التي تلزمها بالتصدي لأي طرف دولي ينتهكها، والثانية تتمثل فى مباشرة (مصر) لفعل الانتهاك، متمثلا في تقاعسها عن نجدة طرف دولي وقع عليه الانتهاك، وأخيرا بالتنصل من مسؤولياتها إزاء "إقليم حبيس" لا يملك منفذا على العالم الخارجي إلا عبر الأراضي المصرية.

كما يحاجج فريق اخر بأن فتح المعبر لا يعني بالتبعية اجتياح الفلسطينين للحدود مع مصر، ويقولون ان الاجتياح حدث عندما اغلق المعبر في وجه الفلسطينيين وابقاهم فريسة للحصار الخانق، لكن اذا فتح بصورة طبيعية سيخفف هذا من الاحتقان في غزة كما انه سيعطي مصر قدرة اكبر على التحكم في حدودها بدلا من الانفاق ومحاولات التسلل، وتساءلوا: "لو كانت ظروف الفلسطينيين طبيعية في غزة فما الذي سيدفعهم إلى ترك ارضهم والهجرة منها؟"

والتقط عدد من زوار مصراوي ملاحظة حين قرأوا اخبار دخول مئات الفلسطينين إلى غزة اثناء الحرب الاسرائيلية الحالية على القطاع وقالوا ان هذا الموقف يؤكد تمسكهم بأرضهم وعدم رغبتهم في الاستقرار في مصر، حيث كانت لديهم حجة مقنعة ويمكنهم التعلل بالخوف على حياتهم بسبب ظروف الحرب، وتساءلوا: "فهل يعقل ان يتركوا سيناء ويدخلوا غزة وقت الحرب ثم يتركوا غزة ويستوطنوا في سيناء بعد انتهاء القتال؟".

وقال عدد اخر من المعارضين، ان غزة ظلت تحت الاحتلال الاسرائيلي لعشرات السنوات منها ست سنوات كانت سيناء ايضا تحتلها اسرائيل فلماذا لم يستوطن الفلسطينيون في سيناء خلال كل تلك السنوات بالرغم من سهولة ذلك في وقتها حيث كانت الانتقالات سهلة، وبين حدود دولة واحدة هي دولة الاحتلال، وتساءلوا بدورهم" "هل يعقل ان يستوطنوا سيناء الان بعد ان تحررت غزة وبعد ان استردت مصر سيادتها الكاملة على سيناء؟

وأضافوا انه حتى اثناء الاجتياح الفلسطيني للحدود مع مصر في يناير 2008 لم تسجل اي محاولة للاستيطان والاقامة بشكل دائم في سيناء من قبل الفلسطينيين بل حصلوا على احتياجاتهم الاساسية وغادر أكثر من 700 ألف فلسطيني مصر بإرادتهم إلى غزة مرة اخرى دون محاولة الاستقرار في سيناء، ولا يمكن لبعض الحوادث الفردية من تمسك عدد منهم بالبقاء في مصر ان تكون سببا في اتهام المجموع.

وقال عدد اقل ان الجميع يعرف أن هناك ثقافة متأصلة في الشعب الفلسطيني، فهو في الداخل لا يترك أرضه مطلقا، وفى الخارج يرفض التنازل عن حق العودة ويحتفظ بمفتاح بيته مهما طال الزمن وتتوارثه الاجيال.

حماس هي السبب

كما نال ذلك الطرح - ان حركة حماس هي السبب في تلك الحرب - قسطا كبيرا من الجدال الدائر في المجتمع المصري.

وقال كثيرون - ومن بينهم كتاب ومقدمي برامج تليفزيونية - ان حماس هي التي جرت هذا الخراب على شعبها.

واتهمهااخرون بإنها تعمدت انهاء التهدئة مع اسرائيل.
" رد اخرون بالتساؤل: وهل توقفت اسرائيل يوما عن العدوان على الشعوب العربية قبل حماس وبعدها، قبل الصواريخ وبعدها؟ ألم ترتكب عشرات المجازر البشعة دون أن تستفزّها صواريخ ولا حتى حجارة؟".

وقال اخرون: طالما ان حماس لا تملك قوة مكافئة لإسرائيل فلماذا تستفذها وتطلق الصواريخ عليها.

وفي مقابل ذلك رد اخرون بالتساؤل: وهل توقفت اسرائيل يوما عن العدوان على الشعوب العربية قبل حماس وبعدها، قبل الصواريخ وبعدها؟ ألم ترتكب عشرات المجازر البشعة دون أن تستفزها صواريخ ولا حتى حجارة فلسطينية، مثل مجازر دير ياسين وكفر قاسم وأبو زعبل وبحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا وغيرها؟

وقالوا ان حماس لم تخفي يوما عداءها لإسرائيل واختيارها نهج المقاومة المسلحة لتحرير الارض، ومع ذلك اختارها الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة نزيهة، وقامت بتشكيل الحكومة الفلسطينية عام 2006، كما خرج مئات الالاف من الشعب الفلسطيني قبل الحرب بأيام قليلة مؤيداً لخيار المقاومة في الذكرى الحادية والعشرين لتأسيس حماس، وهو ما يؤكد التأييد الشعبي الكبير للحركة.

واضاف اخرون: السؤال المعاكس سيوضح الامر، ماذا كانت ستفعل إسرائيل بالفلسطينيين لو لم تكن هناك مقاومة فلسطينية مسلحة؟!!

وتساءل غيرهم: ألا نفتخر في مصر بتاريخ الشعب المصري في مقاومة المحتلين على مر العصور، وكذلك تفعل كل دول العالم، فلماذا نعيب على الفلسطينيين ما سبقناهم نحن اليه من افعال؟

اما عن اتهام حماس بانها انهت التهدئة مع اسرائيل فقال اخرون ان حماس لم تنهِ التهدئة، التهدئة كانت تنتهي تلقائيا بعد ستة أشهر وما أعلنته حماس أنها لن تجدد الهدنة بسبب عدم التزام اسرائيل بها طول الاشهر الستة حيث واصلت الحصار واستهداف المدنيين، وهناك فرق بين عدم تجديد التهدئة وخرقها.

وقالوا ان قرار عدم تجديد التهدئة قرار حماس وحدها بل كان قراراً جماعياً من جميع الفصائل الفسطينية في غزة.

وتساءلوا: هل من العقل أن توافق حماس على تمديد التهدئة بينما تنتهك إسرائيل جميع شروطها، فتمنع الغذاء والوقود والكهرباء وتترك غزة تغرق في الظلام والحصار؟

صواريخ المقاومة عبثية وغير مؤثرة

اما الاشكالية الجدلية الثالثة فتدور حول مدى جدوى الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية - وفي مقدمتها حركة حماس - على المدن الاسرائيلية.

وردد كثيرون مايقوله بعض الساسة العرب ومن بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس من ان هذه الصواريخ عبثية ولا فائدة منها سوى اعطاء اسرائيل الذريعة للعدوان على الشعب الفلسطيني الاعزل.
"قالوا ان الصواريخ احدثت توازنا للرعب بين اسرائيل والفلسطينيين، بعد ان اجبرت مئات الالاف من الاسرائيلين على اللجوء للمخابيء، وهددت نظرية الامن التي يقوم عليها المجتمع الاسرائيلي بشكل مباشر"

وقال اخرون ان الصواريخ الفلسطينية غير مؤثرة ولم توقع غير عدد محدود جدا من الاصابات في صفوف الاسرائيليين خسائر مادية ضئيلة للغاية في مقابل ما تجلبه للشعب الفلسطيني من دمار وقتل.

وفي المقابل، قال المعارضون ان امتلاك واستخدام الصواريخ هو حق قانوني وشرعي للمقاومة الفلسطينية في سعيها لتحرير ارضها وحماية شعبها، وانها كل ما استطاع المقاومون امتلاكه من سلاح، ويجب الا يلامو هم على استعماله، بل يجب ان تلام الجيوش العربية التي تمتلك كميات ضخمة من العتاد العسكري تترك ليأكلها الصدأ في المخازن.

وأكدوا انه لو كانت تلك الصواريخ الفلسطينية غير مؤثرة لما شنت اسرائيل هذه الحرب الشرسة لإيقاف اطلاقها من غزة.

وقال اخرون ان هناك اجماعا من الخبراء العسكريين ان هذه الصواريخ احدثت ما يسمى يتوازن الرعب بين اسرائيل والفلسطينيين، بعد ان اجبرت مئات الالاف من الاسرائيلين على اللجوء للمخابيء وجعلت حياتهم لا تطاق واوقفت الانشطة اليومية في مدارس وجامعات ومصانع واسواق المدن الاسرائيلية الجنوبية، وبذلك فقد احدثت تهديدا مباشرا لنظرية الامن التي يقوم عليها المجتمع الاسرائيلي.

ونقلوا عن عدد من الخبراء قولهم ان الاجيال الاولى من الاسرائيليين كانت الدوافع الدينية والعقائدية هي ما تجذبهم للهجرة إلى فلسطين واحتلالها والبقاء بها وتحمل الحروب والصعاب، بالزعم انها الارض المقدسة التي بها هيكل سليمان، اما الاجيال المتأخرة التي تعيش حاليا في اسرائيل فمعظمها من العلمانيين، لذلك لجأ قادة الاحتلال إلى جذبهم إلى اسرائيل ودفعهم للبقاء في اسرائيل عبر الدعاية بأن اسرائيل بلد ثري وأمن، وهو ما تهدد الصواريخ بنسفه عبر التهديدات المباشرة لحياة الاسرائيليين، واذا اخذنا في الاعتبار ان معظم الاسرائليين هم مزدوجي الجنسية - فتجد الواحد منهم يحمل الجنسية الروسية او الامريكية او البولندية بجانب الجنسية الاسرائيلية - فسنعرف ان الكثر منهم يفكر في العودة إلى بلده الاصلية الي هجر منها إلى فلسطين وقت الخطر.

واختتموا كلامهم بأن إسرائيل لم تعرف معني الفزع طوال حروبها مع العرب حيث كانت مدنهم بعيدا عن الحرب وكانت دائما تحارب في اراضي الغير اما اليوم فإن التهديد يأتيهم في عقر دارهم، وهانحن نرى في حرب غزة مليون إسرائيلي في دائرة الخوف، يدخلون إلى الملاجئ، ويعطلون دراستهم واعمالهم، ورأينا وزيراً إسرائيليا يختبئ تحت سيارة خوفا من الصواريخ، في انهيار واضح لفكرة ان إسرائيل دولة آمنة مستقرة.