حكايات من18 ساعة سجن علي ذمة قانون المرور
كنا شاهد عيان
حكايات من18 ساعة سجن علي ذمة قانون المرور
نجحنا في تنفيذ القانون. وفشلنا في الإنسانية!
بناء علي تعليمات من النائب العام بدأ تنفيذ قانون المرور الجديد علي أمل ان ينضبط الشارع المصري وبالفعل تم خلال يومين فقط تحرير اكثر من15 ألف مخالفة علي مستوي محافظات الجمهورية ما بين سير عكس الاتجاه وتجاوز السرعة, وعدم ربط الحزام والتحدث في المحمول. تطبيق القانون لايستطيع احد ان يعترض عليه فنحن معه قلبا وقالبا ولكن أن يتجاهل التطبيق الجانب الانساني ويتم عرقلة الاجراءات لاكثر من اسبوع وتمتهن كرامة الناس بكلبش وبمعاملة غير آدمية يتساوي فيها المخالف لقانون المرور مع أصحاب السوابق ذلك ما يرفضه الناس وشاءت المصادفة ان تكون تحقيقات الجمعة شاهد عيان علي ذلك, وفي قلب الوقائع نفسها لاكثر من18 ساعة متصلة, وكان هذا التحقيق.
بدأت القصة باتصال تليفوني من احد الأقارب أ.ر, في الساعة الثالثة صباحا من فجر يوم الاحد الماضي بعد ان تم ايقافه بتهمة السير عكس الاتجاه بشارع الطيران في حين ان الامر لم يكن سوي عودته للخلف بالسيارة لأن محطة البنزين التي كان ينوي الدخول اليها كانت مغلقة ليفاجأ بمطاردة موتوسيكل الشرطة له بناء علي تعليمات قائد الكمين وليتم اصطحابه إلي قسم ثاني مدينة نصر. بعد سحب الرخصة, حتي يقوم بدفع الغرامة المقررة والتي تتراوح بين الف وثلاثة آلاف جنيه ولكنه فوجيء بعد اتجاهه للقسم بإيداعه بالزنزانة مع الرفض بتسلمه بضمان شخصي حتي يعرض علي النيابة صباحا
كنا مع الشخص المذكور من الساعة التاسعة صباح الأحد لتستمر الاجراءات حتي فجر يوم الاثنين برغم تقديمه شهادة من احد المستشفيات العسكرية ان والده يرقد في حالة خطيرة ليكون الوضع كالتالي: تم عرضه علي النيابة صباح الاحد في تمام العاشرة لينتظر مع باقي المضبوطين أو المتهمين كما أطلقوا عليهم وكان عددهم في ذلك اليوم نحو20 فردا إلي الساعة الخامسة حتي يتسني لوكلاء النيابة أخذ أقوالهم مرة أخري من خلال تحقيق رسمي وللتوقيع علي الأقوال: القائم بذلك كان ثلاثة من وكلاء النيابة انشغلوا طيلة النهار بالمخالفات الاخري القادمة من أقسام مدينة نصر اول وثاني وكذلك من القاهرة الجديدة كما أوضحت السيدة هدي والدة أحد المتهمين.
ليبدأ بعد ذلك الاستماع إلي أقوال الـ20 شابا من الساعة الخامسة إلي الساعة التاسعة مساء ولينتظروا لمدة ساعة ونصف ساعة اخري لحين صدور قرار السادة الوكلاء. كل هذا بالطبع مع وجود اكثر من40 فردا من أهالي المضبوطين يملؤهم الخوف والقلق خوفا علي أبنائهم الذين بهتوا لرؤيتهم وهم يتم اصطحابهم مع صول او مجند بشكل معين وفي ايديهم كلبشات مثل اعتي الجرائم.
خمسة أيام من العذاب
واستمرت هذه الاحداث علي مدي اكثر من15 ساعة كان يتخللها محاولات مضنية من جميع الاهالي للاستعانة بواسطة أو بمحام للافراج عن ابنائهم المعرضين للحبس أربعة ايام اخري علي ذمة التحقيق ولكن بدون جدوي, في تلك الاثناء كانت العين والاذن الصحفية هي الاكثر نشاطا لكي نتعرف علي الحالات الموجودة واسباب وجودها, فأوضح الدكتور محمد أنه قد تم اصطحابه للقسم بعدا حتدام النقاش بينه و بين امين الشرطة بشارع عباس العقاد لترك سيارته صف ثاني لتسجل مع احتدام الموقف كسير عكس الاتجاها عقابا له علي الحوار معه بتلك الطريقة, وليتم تغليظ العقوبة
وبالطبع الشرطة دائما علي حق. ومن الدكتور محمد للشيخ عبداللطيف الذي اكد انه قد تم اتهامه بالسير عكس الاتجاه ايضا في شارع حسن مأمون خلف النادي الاهلي في حين انه كان يقوم بمجرد الدوران من فتحة جانبية ليكون في اتجاهه الصحيح اما من وجهة نظر المرور فإنه كان عليه الدوران من الميدان, كل هذا بدون أي علامات ارشادية. ومن الشيخ عبداللطيف إلي أحد الطلبة الذي لم يشفع له ان لديه امتحانا في اليوم التالي ليحبس ويفقد فرصته في اداء الامتحان بأكاديمية القاهرة.
ومن هذا الطالب المسكين إلي الدكتورة....التي كان لديها مؤتمر بقاعة المؤتمرات والتي أضافت: غلطة سائق سيارتي انه سأل أحد امناء الشرطة بطريق صلاح سالم عن الطريق لقاعة المؤتمرات ليسجل له مخالفة سير عكس الاتجاه, ويجرجرنا علي القسم فهل يعقل هذا؟ واخيرا في تمام الحادية عشرة مساء صدر قرار وكلاء النيابة بالتوجه لقسم ثاني مدينة نصر وذلك لسداد الف جنيه وللعرض علي المباحث للكشف عن صحيفة السوابق ولعمل فيش وتشبيه وليتم ايداعه في الزنزانة مرة أخري بدون مبرر برغم ان هناك قرار افراج صريحا وليتم الافراج عنه في الواحدة والنصف صباحا علي ان يحضر في اليوم التالي لسحب المبلغ وايداعه بنيابة الدراسة
توجه الشخص المعني إلي نيابة الدراسة في اليوم الثالث ليتم التحقيق معه مرة اخري وليسدد ألف جنيه الغرامة بالاضافة إلي ألف جنيه اخري ككفالة مع الافراج عنه بضمان محل إقامته وليقضي يومين آخرين ما بين نيابة الدراسة وقسم ثاني مدينة نصر ليتمكن من تسلم سيارته التي تم تفريغ جميع اطاراتها من الهواء تماما وتم كسر كالون الشنطة وسرقة محتويات السيارة كاملة, وبالتالي تم قضاء خمسة أيام من العذاب تاركا عمله وحياته ووالده المريض.
الحلاوة يابيه
ويري محمد ولاء المحامي بالنقض, ان بعض القائمين علي تطبيق القانون يسيئون تطبيقه, ولم يكتفوا باستدانة البعض لسداد كفالة أبنائهم ولم تكفهم المهانة داخل الأقسام ليقع هؤلاء الشباب ضحية لصول أو مجند او حتي أمين شرطة مدركين جيدا لما يدور حولهم وقادرين علي استغلال الموقف لمصلحتهم فدخول الحمام بفلوس واحضار طعام بفلوس مع زيادة10 جنيهات علي كل ورقة مطلوبة بحجة الدمغات وفي نهاية اليوم يكون إجمالي ما تم تحصيله من المتهم الواحد ما يزيد عن150 جنيها يضاف إلي هذا الجملة المعتادة في حالة الافراج وبعد رحلة العذاب تلك الحلاوة يابيه.
وأضاف محمد ولاء اننا مع تطبيق القانون ومع النظام ولكن مع مراعاة عدم تعطيل حياة الأخرين ومع الغرامة ولكن بدون امتهان للكرامة فيكفي الناس اساسا السلسلة المتراكمة من قوانين الضرائب علي العقارات والاراضي الزراعية. وزيادة رسوم الماء والكهرباء.
ومن ناحية اخري اشار سيد اشرف ابراهيم المحامي بالنقض إلي أنه لايعقل ان تطالب مواطنا بشنطة اسعاف بينما لاتوجد نقاط اسعاف علي الطرق السريعة ولا يعقل ان نطالب المواطن بارتداء الحزام بينما يقف في الاشارة طوال الوقت دون مساحة للحركة.
وحذر سيد أشرف ابراهيم من ان القانون يمهد لاستمرار مخالفات المرور وخضوعها لمزاج عسكري المرور, فالمشكلة ليست في الضوابط وإنما في عدم التمهيد بل تطبيق القانون دون تدريب الكوادر المرورية علي ذلك.
ردود أفعال غاضبة
وأوضح محمد هشام بسيوني, المحامي بالنقض أنه في أوروبا والدول المتقدمة يتم معاملة الآخرين بصورة محترمة ولائقة حتي لو كان سائرا عكس الاتجاه ما لم يتسبب في حادث بإبلاغ سائق السيارة ان لديك غرامة كذا وعليك التوجه للمحكمة يوم كذا ويكون ذلك بعد اسبوع من تاريخ تحرير المخالفة ليكون في استطاعة الشخص تدبير مبلغ الغرامة أو الاستعانة بمحام.
وعلي صعيد اخر قال عبدالعاطي حمودة, المهندس بإحدي الجهات الحكومية, نحن لانعلم لمصلحة من يتم التضييق علي المواطنين بهذه الصورة يجب إعطاؤهم الفرصة وأن نحببهم في الالتزام بالقانون.
واذا تركنا قصة المخالفات والغرامات والحبس وأتينا إلي قصة شنطة الاسعاف فلقد كان رأي المواطنين غاضبا ايضا. سلوي ربة منزل أوضحت, لا أعلم ما الجدوي من إلزام المواطنين بهذه الشنطة, خاصة ان ما تحتوي عليه من أدوات طبية لايجيد استخدامها إلا شخص مدرب, كما أن الدول المتقدمة التي توجد بها قوانين مرور صارمة لاتلزم مواطنيها بهذه الشنطة, بل تجعل وجودها اختياريا.
ومن السيدة سلوي إلي الحاج عبدالحميد الفار ـ مدرس سابق وعلي المعاش حاليا ـ الذي اكد ان الجدير بالبحث هو كيف فتحنا الابواب امام الجميع لشراء سيارات ليصل عدد المركبات في مصر من3,9 مليون في عام2006 إلي4,4 مليون في عام2007 وأكثر من ذلك في العام الحالي دون أن تتسع الطرق الحالية لهذه الزيادات الضخمة. وأضاف ان في طوكيو, عاصمة اليابان علي سبيل المثال, لاتستطيع شراء سيارة إلا اذا حصلت أولا علي رخصة جراج أو مكان محدد توقف فيه سيارتك في حدود خمسمائة متر مربع في محل اقامتك
وحتي اذا وفقت في الحصول علي هذا المكان فإنك غالبا لن تستخدم السيارة في التوجه إلي مكان عملك يوميا. غالبية الناس يستخدمون المترو أو الاتوبيس, ويقصرون استخدام سياراتهم علي عطلة نهاية الاسبوع, وفي أمريكا يشترك اكثر من شخص في ركوب سيارة واحدة للوصول إلي مقر العمل في نظام معمول به. وأخيرا نقول: إذا كان من حق من اصدر هذه القوانين ان تنفذ فمن حقنا ايضا ان يكون لدينا جراجات لنستطيع قضاء مصالحنا دون ان نكون عرضة للمخالفة نتيجة الوقوف صفا ثانيا و من حقنا ان يكون لدينا شوارع نظيفة مضيئة مليئة بالعلامات الارشادية
ومن حقنا أن تكون هناك طرق ممهدة بدون مطبات ورصيف قادر علي استيعاب المشاة ومن حقنا ان اخطأنا وطبق علينا القانون ان نلقي المعاملة الحسنة من اشخاص محترمين بلا تعنت وبلا حرج يبقي في الذاكرة, محفزا لنا ضد من اخذوا علي عاتقهم حمل تنفيذ القانون الانساني قبل القانون المكتوب, فالقانون يتغير وتبقي معاملتنا لتكون هي الاساس. فهل هذا بكثير؟
