شيرين مجدي – ولاد البلد – عشرينات - 6/9/2007
"البلد دي بلد حرامية".. "ده شعب متخلف، عمره ما هيتقدم".. "مفيش حاجة بتمشي إلا بالرشاوي" هذه العبارات وغيرها أسمعها يوميا على ألسنة أولاد بلدنا.. ولأن المتحدث ـ من ولاد بلدنا ـ منزه عن كل عيب، أو يمكن لأنه "مش مصري" ، فهو يرى نفسه دائما خارج الصورة.. التخلف لا يخصه، والإصلاح ليس دوره.
لكل هؤلاء عندي لكم مفاجأة غير سارة.. أنا وأنتم للأسف ننتمي لهذا الشعب المتخلف، نحن الراشون والمرتشون، نحن من نسطو على حقوق غيرنا، نحن من ننتقد المستبدين ونتحول إلى فراعنة بمجرد أن نمتلك أي سلطة.. يعني ببساطة بلدنا وشعبنا لن يتخلص من تخلفه، إلا إذا تخلصنا من آفات شخصيتنا...
ولأن هذه الآفات لا تعد ولا تحصى، فسوف أترك لكل واحد منكم أن يحدثنا على شيء منها، أما أنا فسأكتفي بالكلام عن ذمتنا "الأستك" التي تجعلنا لا نحصل على سلعة أو خدمة بتكلفتها الحقيقية.. كل شيء مضاف إليه بقشيش، أو رشوة، أو سعر مبالغ فيه تحسبا لأي "فصال" متوقع...
لن تمروا..
"ده واحد بيطلعله على الأقل 200 جنيه رشوة في اليوم، يبقى أكيد آخر الشهر لما بييجوا يدوله مرتبه بيقول لهم مفيش داعي خلوه علشانكم.. الناس دي أكيد بتتعين هنا بوسايط كبيرة لأنهم بيطلعوا ثروة من الرشاوي".. كان هذا ما خرج به والدي بعد يوم طويل قضيناه بين مكاتب المرور لترخيص سيارتنا الجديدة، هذا اليوم الطويل قابلنا فيه كل أشكال الجشع المصري...
حتى لا أطيل عليكم بأسماء كل من حصل على رشاوى إجبارية في هذا اليوم العظيم.. سوف أدخل مباشرة فيما أراه حلا لهذه الظاهرة المؤسفة...
أولا نمتنع أنا وأمثالي عن الدفع صاغرين حتى ننهي مصالحنا، ولا مانع من فتح "الجاعورة" على كل مرتشي، مع العلم بأنه لن يستطيع حينها تعطيل مصالحنا لأنه سيخاف أن يجمع الضجيج كل المظاليم أمثالنا ليفتكوا به.
ثانيا لابد أن يعلق كل موظف حكومي يتعامل مع الجمهور كارت عليه اسمه ومنصبه، مثل الجرسونات في الفنادق والمطاعم، حتى يصبح من السهل التقدم بشكوى ضده إذا طالب برشوة، أو عطل مصالحنا عن عمد.. وفي نفس الوقت يمكن فضحه بنشر اسمه في وسائل الإعلام الشعبية مثل المدونات، والمواقع الإلكترونية، وفي نفس الوقت نشر أسماء الموظفين الشرفاء والاحتفاء بهم !!
ثالثا عمل قاعدة بيانات لمراقبة الفساد في مصر، يسجل فيها المواطنون ومنظمات المجتمع المدني مشاهداتهم حول وقائع الرشوة في المصالح الحكومية وغير الحكومية.
لا تفاصل!
وإذا كانت الرشوة وعد ومكتوب علينا، فالفصال هو الخيار الاستراتيجي لكل مصري، سواء كان بائعا أم مشتريا، يمارسه بحب واحتراف، فالبائع يرفض أن يبيع سلعته بأقل من ثمنها فيبالغ في تسعيرها، والمشتري يرفض أن يضحك عليه أحد، فتكون النتيجة أن ننفق في السوق ساعات طويلة، ونعود منهكي القوة من كثرة "المناهدة"...
"لا تفاصل" هو الشعار الذي يجب أن نرفعه بائعين ومشترين.. يعني البائع الجشع الذي يعطيك سعرا مبالغا فيه "بص له من فوق لتحت" واتركه دون نقاش، والزبونة "المناكفة" التي تأتي لكي تفاصل لا لكي تشتري، ارفض الكلام معها من الأساس.. وعلى كل منا أن ينشر هذا المبدأ في بيته وبين أصدقائه.
ولكي يتأتى لهذا الشعار النجاح، لابد أن تكون هناك طريقة معتمدة لتسعير السلع موضوع الفصال، بحيث تكون هناك قائمة أسعار تقريبية في مدخل كل سوق أو تجمع محلات، وخاصة في الأسواق الشعبية. هذه الخطوة لا يجب أن نعتمد على الحكومة وحدها في القيام بها، ولكن سيكون الدور الأكبر لمنظمات حقوق المستهلك.
أركب الحنطور
أما الفصال في بنديرة التاكسي فأمره أسهل كثيرا، وكلنا تقريبا نعرف كيف نتغلب عليه.. ليس الحل طبعا أن "نتحنطر" بدلا من ركوب التاكسيات، ولكن أن نكون مثل بقية خلق الله في أي بلد في الدنيا، وتكون سيارات الأجرة بها عدادات إلكترونية ذات تعريفة واقعية تتغير كل عام أو عامين بنسبة بسيطة.
وبالتوازي مع تطبيق مشروع العدادات لابد أن تكون هناك رقابة حقيقية على غير الملتزمين من سائقي التاكسي، سواء ممن يرفض الالتزام بالتسعيرة، أو من يمتنع عن توصيل زبون.. رقابة يعني عقاب حقيقي، وليست عشرين جنيه رشوة لأمين الشرطة من أجل تمزيق محضر الشكوى...
كل سنة وانت طيب
"كل سنة وانت طيبة يا أستاذة".. جملة "بتخنقني" إلى أبعد حد، لأن صاحبها طبعا يريد استغلالي ليحصل منى على "فلوس" مقابل خدمة وهمية قام بها من أجلي.. يعني مثلا أمسك ببطاريته السحرية وأوصلني إلى مقعدي في السينما، أو وقف في الشارع ليشير إلى المكان الذي أراه أنا أيضا لكي "أركن" سيارتي، أو أحضر لي غذائي الذي أدفع فوق ثمنه قيمة الخدمة ولكنها لا تكفيه !!
البقشيش هو الآخر من العادات المصرية غير المنطقية، التي لن نتقدم قيد أنملة دون أن نقضي عليها، لأننا حينها سنتخلص من التنبلة والفهلوة المتأصلة فينا، ليحصل كل شخص على أجر عمله دون زيادة ولا نقصان...
والمطلوب منك هنا شيء بسيط جدا : إذا قال لك أحدهم "كل سنة وانت طيب" قل له "وانت بالصحة والسلامة"...
-------------------------------------------------
منقول