الصوم شروطه و فوائده ( مقالة رائعة بقلم البابا شنوده)
قضايا و اراء
44113 السنة 132-العدد 2007 سبتمبر 16 4 من رمضان 1428 هـ الأحد
الصوم.. شروطه وفوائده
بقلم: البابا شنودة الثالث
من أعماق قلبي أهنيء أخوتي المسلمين في مصر والعالم الإسلامي كله, بحلول شهر رمضان, شهر الصوم الذي تقترب فيه القلوب معا, وتقترب إلي الله, وليكن صوما مباركا مقبولا عند الله.. وبهذه المناسبة أحب أن أحدثكم عن الصوم بمعناه الحقيقي أو بمفهومه الروحي, وعن شروطه وما يجب أن يلتصق به من الفضائل, وكيف يكون بهذا مفيدا للأفراد وللجماعة..
ويخطئ من يظن أن الصوم هو مجرد فضيلة للجسد, أو أنه مجرد علاقة الانسان بالطعام وموعده, فالصوم في حقيقته هو عمل للروح في تساميها عن المادة والطعام, ويعبر الجسد عن رغبة الروح بالصوم, الصوم إذن هو حالة روح زاهدة تشرك الجسد معها في الزهد. وهكذا لايكون الصوم هو الجسد الجائع, بل بالحري هو الجسد الزاهد. فليس الصوم هو جوع الجسد, بل هو تسامي الجسد, ومعه طهارة الجسد. ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل. بل الجسد الذي يسمو ــ ولو الي حين ــ عن شهوة الأكل!
* الصوم هو فترة ترتفع فيها الروح, وتجذب الجسد معها, لكي تخلصه من أحماله وأثقاله, ومن شهواته المادية, وتجذبه معها إلي فوق. فيعمل معها العمل الروحي بلا عائق. إذن الصوم هو فترة روحية يقضيها الجسد والروح معا في عمل واحد هو عمل الروح: حيث يصلي الانسان ليس فقط بجسد صائم, إنما بالأكثر بنفس صائمة: بفكر صائم عن الرغبات الخاطئة, وبقلب صائم عن الشهوات الرديئة, وبروح صائمة عن محبة الماديات. إذن هي فترة صالحة للاقتراب إلي الله أكثر من باقي الأيام.
* الصوم إذن فترة مقدسة, تشعر فيها بمتعة روحية, وتري أن صلتك بالله قد زادت وتعمقت. إنها ليست أياما عادية, بل هي أيام لها طابع مثالي غير عادي يتميز بالتدرب علي النمو الروحي.
* لهذا كله, ينبغي أن تتأكد أن الصوم قد غير الكثير في حياتك إلي ماهو أفضل. فهل أنت يا أخي العزيز تدرك أن الصوم قد غير فيك شيئا؟ أم تمر عليك أصوام خلال سنوات وسنوات, وأنت كما أنت, بنفس الصفات والضعفات؟!
* إن أردت التغيير في حياتك فضع أمامك الفضائل التي ينبغي أن ترتبط بالصوم, حتي تستفيد روحيا من صومك!
الصوم لابد أن تصحبه التوبة, بحيث يبعد الصائم عن الخطية, ويحرص علي أن يكون فكره مقدسا, وقلبه مقدسا, وجسده أيضا يكون طاهرا, بحيث أنه كما يصوم الجسد عن الطعام, يصوم أيضا عن كل شهوة خاطئة, وكل الملاذ المحرمة.
* واعلم أنه بدون التوبة, يرفض الله صومك ولا يقبله. وبهذا تكون لا ربحت سماء ولا أرضا. وتكون قد منعت جسدك عن الطعام بلا فائدة وبلا أجر سماوي. فإن أردت أن يقبل الله صومك, راجع نفسك, واعرف ما هي خطاياك وارجع عنها وتب. وبهذا تصلح ذاتك وتصطلح مع الله في صومك. وإن أبطلت الخطية خلال أيام الصوم, فاستمر في إبطالها بعده. فالتوبة ليست مقصورة علي فترة الصوم فقط. إنما بالتدريب عليها أثناء الصوم, تتعود عليها فيتنقي قلبك, وتحتفظ بهذا النقاء كمنهج حياة.
* وإذ تتوب في الصوم, أعدد نفسك للجهاد ضد الشيطان. ذلك أن الشيطان إذ يري صومك وتوبتك, يحسد عملك الروحي ليفقدك ثمرة برك.
* والصوم كما تصحبه التوبة, تصحبه أيضا الصلاة والعبادة. فليس الصوم هو الاكتفاء بمنع الجسد عن الطعام, فهذه ناحية سلبية. أما الناحية الايجابية فهي إعطاء الروح غذاءها. فالجسد يصوم, والروح تتغذي بالصلاة والتسابيح, وبالقراءات الروحية والتأمل الروحي. واعلم أن صلاة روحية تصليها وأنت صائم وضعيف في جسدك, هي أعمق من عشرات الصلوات التي تصدر منك وجسدك مملوء بالطعام وصوتك يهز الجبل!
* ولتكن صلواتك في الصوم هي من أعماق قلبك وبكل مشاعرك. ولا تحاول أن تريح ضميرك بمجموعة من التلاوات لا عمق فيها, ولا هي خارجة من قلبك. واعلم أن الصلاة ــ من واقع اسمها ــ هي صلة.. صلة قلب بإلهه.
* فهل فترة صومك متصلة بالله؟ أم أن فكرك منشغل بأمور كثيرة, ووقتك لاينال منه الله شيئا, تشغله باللهو أحيانا وبألوان من المتع العالمية؟! وهل صلواتك وقراءاتك الروحية أثناء الصوم هي أكثر مما في باقي الأيام؟ وهل تجد في الصلاة متعة روحية؟
* الصوم أيضا لابد أن يصحبه ضبط النفس. لذلك احرص علي أن تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة, سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشيطان. امسك إذن زمام ارادتك في يدك.
* في الصوم قد يشتهي جسدك أن يأكل فتمنعه, وتنجح في منعه. استخدم هذه الارادة في منع كل رغبة بطالة, وكل عادة رديئة. وكل تصرف خاطئ, وكل شهوة للجسد. أما الذي يملك ارادته في الامتناع عن الطعام, وينغلب مع باقي شهواته, فماذا تراه قد استفاد من صومه؟!
* الصوم أيضا تصحبه الصدقة والإحسان علي الفقراء والمحتاجين.. فالذي يشعر في الصوم بالجوع, يشفق علي الجياع ويطعمهم. ولا يستطيع أن يأكل, إن شعر أن غيره لايجد ما يأكله.
* الصوم عن الطعام, يحسن أن يصحبه أيضا صوم اللسان, وصوم القلب والحواس. وقد قال أحد الآباء صون اللسان خير من صوم الفم. وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الاثنين أي خير من صوم اللسان والفم كليهما.
* والذي يريد أن يستفيد من صومه, تنفعه جدا التداريب الروحية لتكون مصاحبة لصومه. فيدرب نفسه علي ترك كل نقاط ضعفاته. كما يدربها علي اقتناء ما ينقصه من الفضائل. فإن نجح في هذا التدريب, يكون قد خرج من الصوم بفوائد لا تحصي.
الأخوة الأعزاء
المقالة الملحقة نشرت اليوم بجريدة الأهرام وهي بقلم البابا شنوده
في الحقيقة أرى أنها مقالة رائعة
وهي وإن دلت فإنما تدل على أن مساحة الإتفاق أكبر بكثير من مساحة الإختلاف بيننا وبين المسيحيين
إن المستفيد الوحيد من دب الفرقة بيننا وبينهم إنما هم أعدئنا فقط
كم نحن بحاجة إلى التواؤم والعيش بسلام ووفاق؟
أليس هذا أفضل؟
كل عام وأنتم بخير
