جزء من الكتاب:

عنوان الكتاب:
حكم تارك الصلاة
تأليف:
محمد بن صالح العثيمين
الناشر:
دار الوطن للنشر
طبعة عام 1423 هـ
ص -3- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كثيراً من المسلمين اليوم تعاونوا بالصلاة وأضاعوها حتى تركها بعضهم تركاً مطلقاً تهاوناً.
ولما كانت هذه المسألة من المسائل العظيمة الكبرى التي ابتلي بها الناس اليوم, واختلف فيها علماء الأمة وأئمتها قديماً وحديثاً, أحببت أن أكتب فيها ما تيسر.
ويتلخص الكلام في فصلين:
* الفصل الأول: في حكم تارك الصلاة.
* الفصل الثاني: فيما يترتب على الردة بترك الصلاة أو غيرها.
نسأل الله تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب.

ص -4- الفصل الأول: حكم تارك الصلاة
إن هذه المسألة من مسائل العلم الكبرى، وقد تنازع فيها أهل العلم سلفاً وخلفاً، فقال الإمام أحمد بن حنبل: "تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، يقتل إذا لم يتب ويصل".
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: "فاسق ولا يكفر".
ثم اختلفوا فقال مالك والشافعي: "يقتل حداً" وقال أبو حنيفة: "يعزر ولا يقتل".
وإذا كانت هذه المسألة من مسائل النزاع، فالواجب ردها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه} [الشورى:من الآية 10]. وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: من الآية 59].
ولأن كل واحد من المختلفين لا يكون قوله حجة على الآخر؛ لأن كل واحد يرى أن الصواب معه, وليس أحدهما أولى بالقبول من الآخر، فوجب الرجوع في ذلك إلى حكم بينهما وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا رددنا هذا النزاع إلى الكتاب

ص -5- والسنة, وجدنا أن الكتاب والسنة كلاهما يدل على كفر تارك الصلاة, الكفر الأكبر المخرج عن الملة.
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى في سورة التوبة: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين} [التوبة: من الآية 11].
وقال في سورة مريم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم: 59-60].
فوجه الدلالة من الآية الثانية – آية سورة مريم – أن الله قال في المضيعين للصلاة, المتبعين للشهوات: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات غير مؤمنين.
ووجه الدلالة من الآية الأولى – آية سورة التوبة – أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين ثلاثة شروط :
* أن يتوبوا من الشرك.
* أن يقيموا الصلاة.
* أن يؤتوا الزكاة.

ص -6- فإن تابوا من الشرك, ولم يقيموا الصلاة, ولم يؤتوا الزكاة, فليسوا بإخوة لنا. وإن أقاموا الصلاة, ولم يؤتوا الزكاة, فليسوا بإخوة لنا.
والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية, فلا تنتفي بالفسوق والكفر دون الكفر.
ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القتل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية 178]. فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول, مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر، لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93].
ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلوا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}, إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: 9-10]. فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة والطائفتين المقتتلتين, مع أن قتال المؤمن من الكفر، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سباب

ص -7- المسلم فسوق, وقتاله كفر"1. لكنه كفر لا يخرج من الملة, إذ لو كان مخرجاً من الملة ما بقيت الأخوة الإيمانية معه. والآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع الاقتتال.
وبهذا علم أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة, إذ لو كان فسقاً أو كفراً دون كفر، ما انتفت الأخوة الدينية به, كما لم تنتف بقتل المؤمن وقتاله.
فإن قال قائل: هل ترون كفر تارك إيتاء الزكاة كما دل عليه مفهوم آية التوبة؟
قلنا: كفر تارك إيتاء الزكاة قال به بعض أهل العلم, وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
ولكن الراجح عندنا أنه لا يكفر، لكنه يعاقب بعقوبة عظيمة, ذكرها الله تعالى في كتابه, وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته, ومنها ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عقوبة مانع الزكاة, وفي آخره: "ثم يرى سبيله, إما إلى الجنة وإما إلى النار"
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب الإيمان باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر رقم 48 ومسلم كتاب الإيمان باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق" رقم 64.

ص -8- وقد رواه مسلم بطوله في: باب "إثم مانع الزكاة"1, وهو دليل على أنه لا يكفر، إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى الجنة.
فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة ؛ لأن المنطوق مقدم على المفهوم كما هو معلوم في أصول الفقه.
ثانياً: من السنة:
1- قال صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ".
رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم2.
2- وعن بريده بن الحصيب رضي الله عنه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم, يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه3.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1 رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب إثم مانع الزكاة ، رقم 987 .
2 رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ، رقم 82 .
3 رواه أحمد 5/346 والترمذي ، كتاب الأيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم 2621 وقال: حديث حسن صحيح غريب. والنسائي ، كتاب الصلاة ، باب الحكم في تارك الصلاة رقم 463 وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة رقم 1079 .

ص -9- والمراد بالكفر هنا: الكفر المخرج عن الملة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلاً بين المؤمنين والكافرين, ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام, فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين.

مــــــنـــــقول