كلام ضد التيار و عجبني جدا ...
هزيمتنا الشاملة أمام الغرب لم تقتصر على الإحتلال العسكري والهزيمة الميدانية ..وإنما إلى ثقافتنا وخصوصية مجتمعاتنا ..وحتى بعض شرائع ديننا صرنا نخجل منها ونحاول تبريرها وغاية المنى هو نظرة رضا من الغرب فيما لم يحاول السيد المنتصر – مجرد محاولة - تبرير شرائعه . في هذا الإطار يمكننا النظر إلى مسألة تعدد الزوجات وكيف تحول إلى عار نتخبط في محاولة تبريره ..فتارة يخرج علينا من يقول أنه شرع لمواجهة زيادة تعداد النساء على الرجال في حال الحروب ..وآخر يؤكد أن الزوجة قد تمرض و تكبر وتصبح عقيمة ..ويقولون أن القرآن أشترط العدل الذي أكد في آية أخرى أنه غير ممكن ..وتارة يؤكدون أن التعدد مشروط بالقسط مع اليتامى فهو حالة خاصة جدا غير موجودة حاليا ..
يقولون كل هذا محاولين أن نلمح في عيون السيد الغرب نظرة رضا أو حتى تسامح لكنه يهز رأسه في إباء وعدم اقتناع فتخرج قوانين الأحوال الشخصية في بعض البلدان الإسلامية – في محاولة لإرضائه - تمنعه نهائيا ( كتونس ) أو تشترط موافقة الزوجة الأولى ( كالمغرب ) التي منحها القانون دور الولي على الزوج بدلا من العكس !!.
يحدث هذا في الوقت الذي لا يعبأ السيد الغرب بمحاولة تبرير شيوع العلاقات الجنسية في مجتمعه دون وازع أو قيد ..بمعنى آخر يحدث التعدد فعلا ولكن دون أي ألتزام تجاه المرأة ..وبعدها يتحدثون عن حقوقها المهضومة في المجتمعات الإسلامية !!.
...................
مسألة التعدد في حد ذاتها لا تعنيني بقدر ما تشير إلى التناقض الواضح في مجتمعنا إذ كيف يكون الفعل مجرما والفاعل بطلا ؟ ..ألم يمارسه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأطهار الذين لا نكف عن التغني ببطولاتهم ليل نهار في الطرقات والأزقة ..عبر أجهزة التسجيل في المحلات وفي القنوات الفضائية ..في مكبرات الصوت بالمساجد وفي الكتب المعروضة على الأرصفة ..
تناقض !!، أليس كذلك ؟
دعونا بالله لا ننهزم ..لا تجعلونا في موقف الدفاع عن أنفسنا بلا مبرر ودعكم من التبريرات المضحكة وواجهوا الأمر بشجاعة ..التعدد بشرط العدل من صميم الشريعة الإسلامية ..هذا ليس عارا نحاول إخفاءه أو تجاهله أو تبريره ..
أما الضوابط فهي موجودة ..العدل المادي وليس عدل المشاعر المستحيل عقلا ..والنظر للزواج كعلاقة مقدسة لبناء أسرة وليس مغامرة يتم إخفاءها والهروب بأقل الأضرار الممكنة . إنه الواسع الذي ضيقناه على أنفسنا بعناد بصل إلى حد الغباء ..
والتعدد أمر يغضب الزوجات جدا اللاتي لو سألن أنفسهن - في لحظة صدق مع النفس- عن مشاعرهن في حال تبادل الأدوار بينهن وبين العوانس لربما فهمن حكمته . فالرجل حينما يتزوج فإنه يتزوج امرأة لا رجلا..وتقييد التعدد سيؤدي إلى نسبة عنوسة لا مفر منها لأن كل النساء – تقريبا – صالحات للزواج بعكس الذكور الذي قد يعاني بعضهم من ضعف القدرة الجنسية أو المالية أو عدم الرغبة في الزواج أصلا حتى لو تساوى تعداد الذكور مع تعداد الإناث .
وتبقى غيرة الزوجة الأولى مشروعة وغضبها مفهوما ..المهم أن يعينها المجتمع على تجاوز هذه المشاعر السلبية وألا يزين لها خراب بيتها ..وربما دفعها من حولها للطلاق وهي غير راغبة فيه لمجرد الثأر الوهمي لكرامتها الجريحة..
التعدد بالطبع مباح وليس فرضا ولا حتى مستحبا ، وشخصيا أنا لا أشجعه ولا أعارضه وإنما أعتبره شأنا شخصيا لا يحق لي أبداء الرأي فيه لا مدحا ولا ذما فكل إنسان أدرى بما يلزمه ..والنصيحة الوحيدة اللازمة هنا هو تأكيد قيمة العدل الذي لو أردت تلخيص الإسلام في جملة لقلت أنه التوحيد لله والعدل مع الآخرين .
.................
أسئلة وأجوبة
1- ما الدليل على مشروعية التعدد ؟
الآية الكريمة " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " ، وفعل الرسول وآل البيت والصحابة يؤكد صحة فهمهم الآية فلو كان ترك التعدد أولى لفعلوه فقد كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام .
2- هل تعني الآية الكريمة " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " نسخ الآية الأولى ؟
لا ، لأن تكملة الآية هو " فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " فهي تأكيد على أهمية العدل وليس نسخا لمشروعية التعدد.
3- العدل غير ممكن ، لأن عدل المشاعر مستحيل ، أليس كذلك؟.
الله تعالى لم يطلب عدل المشاعر لأنه مستحيل والمقصود هو العدل المادي في النفقة والمبيت ، والرسول نفسه كان يقول وهو يقسم النفقة : اللهم هذا قسمي فيما أملك ولا تؤاخذني فيما تملك ولا املك ( وكان معروفا ميله للسيدة عائشة ) .
4- هل يجب أن يكون هناك سبب مثل مرض الزوجة أو عقمها ؟
لو كان هذا صحيحا لكان معناه أن كل الصحابيات من أصحاب الأعذار ، وهذا يمتنع عقلا .
5- لماذا يسمح للرجال بالتعدد ، ولا يسمح للنساء بنفس الشيء ؟
لأن الله تعالى شرع ذلك للرجال ولم يشرعه للنساء ، ولو فعل لكان واجبا على المؤمنين الإذعان فالواجب أن يكون الهوى تابعا للشرع وليس العكس.
6- هل يجب على الرجل التعدد ؟
لا يجب عليه ذلك فلا هو فرض ولا مستحب بل هو مباح إن قام بشروطه وحسرة يوم القيامة لمن لم يوفي بهذه الشروط .
7- ماذا عن مآسي التعدد ؟
لا يوجد وضع يخلو من المزايا والعيوب ولكن المشروعية ليست بسبب مزاياه المحتملة وإنما لأن الله شرعه لا يملك أحد تحريم ما أحل الله لأن تحريم الحلال كتحليل الحرام .
8- تتحدثون عن الرحمة بالعوانس والواقع يقول أن الرجل حينما يعدد يتزوج فتاة صغيرة ويترك العانس !!.
لا يوجد نص يرغم الرجل على الزواج بغير من يريد ..ولكن التعدد يحدث حراكا في المجتمع يترتب عليه حركة زواج واسعة ستستفيد منها كافة النساء .
9 – هل من حق الزوجة الأولى رفض التعدد ؟
بالتأكيد يمكنها الرفض ، وقد أباح الله الخلع لأهون من هذا .
10- هل يعتبر التعدد مهينا للمرأة ؟
الله تعالى كرم الإنسان رجلا وامرأة ، ويستحيل أن يضع تشريعا مهينا للمرأة .
11- لكنه يضايق المرأة المفطورة على الغيرة جدا !!
المشرع يراعي مصلحة المجتمع ككل حتى لو ضايقت بعض الأفراد لأن الإنسان مفطور على الانحياز لنفسه . يحدث هذا أيضا في القوانين الوضعية . ولا توجد شريعة تستطيع أن تزعم أنها تحقق السعادة الكاملة على الأرض وإلا لما كان هناك داعي للآخرة ، فالدنيا اختبار ، وهناك أسباب عديدة للتعاسة للمرأة غير التعدد ، فهناك الفقر والمرض والفقد .
12 - أنا لا يمكن أن أعترض على شرع الله – حاشا لله - ولكن ..!!
هذا ما يحدث دائما ..تبدأ المرأة بتلك الديباجة وبعدها تعلن الرفض وتظهر التقبيح ..
13- وهل أخذتم بكل السنن حتى تطلبوا التعدد بزعم أنه فعل النبي والصحابة ؟ أم أنه مجرد هوى بصرف النظر عن مشاعر الزوجة ؟.
التعدد ليس مكافأة للمتقين لأنه كان يمارسه البر والفاجر في عهد الرسول..إنه من الأحوال الشخصية للمسلمين التي لا يملك أحد تقبيحها وتحويلها لخيانة .
14- من حق الحاكم منعه في حال وجود مصلحة رغم كونه حلالا كما يحق له منع تجارة بعض الأشياء وهي حلال في حد ذاتها .
قد يكون هذا صحيحا ولكن لفترة مؤقتة أما المنع المؤبد فهو في منزلة التحريم وهو ما لا ينبغي إلا لله تعالى .
15- ما الهدف من هذه الأسئلة ؟ هل مطلوب من المرأة أن تفرح بزواج زوجها؟
طبيعي أن يحزنها ، ومن حقها تحاول إثناءه ، وتناقش معه الأمر ، وإذا أصر فمن حقها أن تفعل ما يناسبها أيا كان ، ولكن هذا كله شيء وتقبيح التعدد وتحويله لخيانة شيء آخر ..الهدف أن يعيد المجتمع الاعتبار للتعدد تأدبا مع شرع الله .
...............
أعلم والله ضيق الحال في مجتمعاتنا التي لا يقوى فيها الرجل على الزواج ولو لمرة واحدة ..وأعلم أيضا أن تبعات الزواج صعبة خصوصا في تربية الأبناء ..وأعرف أن هذا المقال ربما يستخدمه البعض لممارسة التعدد بمنطق المغامرة لا الرغبة الأصيلة في تكوين أسرة والرجل العاقل يحسب حساب المكاسب والخسائر قبل أي خطوة مهمة في حياته فما بالك بالزواج ؟ .
كل هذا مفهوم عندي ولكن هذا شيء وتحول التعدد إلى عار شيء آخر ..هذا هو الهدف من المقال ..فليتزوج من يريد أن يتزوج ولا شأن لنا به ..هو أدرى بما يحتاج ولا يجب أن ندفعه للتبرير والإساءة لميثاقه الغليظ ..وتبقى كلمة مهمة عن الفلسفة الكامنة وراء الشرائع ..الإسلام لا ينظر إلى العالم كمادة وإلى الإنسان كصاحب حياة واحدة عليه أن يستمتع بها بل على وجود حياة أخرى وثواب وعقاب ..وحياتنا على ظهر الكوكب الأرضي مجرد رحلة في سبيل هدف محدد أعلى من كل الأشخاص ..لم يكن الصديق أبو بكر ينقصه الفقه أو تنقصه الرحمة حينما أمر أبنه بطلاق زوجته التي أنشغل بها عن عمله وصلاته بالمسجد ..بالمنطق الحالي سنقول هذه قسوة وتفريق بين الأحبة ..ما ذنبه وما ذنبها؟ ..أما الصديق فنظر للحياة الإنسانية على أنها طريق للآخرة ونظر للزواج على أنه صحبة إلى الجنة أو إلى النار ..إلى الزوجات اللاتي ينظرن لأزواجهن أنه من ممتلكاتهن الشخصية ولا تبالي هل هو بحاجة للزواج أم لا أقول : بل كلاكما ملك لله تعالى وما حياتكما معا إلا صحبة ..مجرد صحبة .
منقول جريدة المصريين
إعادة الإعتبار للتعدد ـ د.أيمن محمد الجندي
المفضلات