تقول الحكمة " ماضاع حق وراه مـُطالب " وهذه الحكمة أو المثل يضرب في جذور ثقافتنا، كما يتم ترديده لكل شخص يبحث عن " حق "، ولو دققنا في هذه الكلمات لوجدنا أنها تحث على تعزيز ثقافة المطالبة بالحقوق، تلك التي نفقدها وهي من أبسط المسلـّمات في آلية " أسترداد الحق " .
نواجه في حياتنا العامة الكثير من الإنتهاكات " الحقوقية " على الصعيد المهني والإجتماعي والتجاري وأيضاً الشخصي، وعند وصولنا لنقطة الخلاف مع الآخر نحاول أن نكون بمنأى عن إختلاق مشكلة فنستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ونتحاشى الوقوع في مصادمات – وغالباً ماتكون هذه النقطة بداية ضياع بعض الحقوق - .. ولكن .. ماذا عن الحق " الضائع " ليس لنا في هذه الحالة؛ وإنما للآخرين الذين ربما يواجهون نفس هذه المشكلة مستقبلاً ..!!!
في إحصائية عن القضايا الشخصية المرفوعة على الشركات والأشخاص في دولة مثل " أمريكا " نجد أن محصلتها بمئات الملايين سنوياً، ولا أحد ينسى قضية (ستيلا ليبيك) في العام 1992 حيث ذهبت في ذلك العام إلى أحد فروع مطعم مشهور في ولاية نيومكسيكو و تناولت وجبة ثم طلبت فنجاناً من القهوة، وأثناء تناوله أسقطته على فخذيها فأصيبت بحروق متوسطة، وبالرغم من أن السيدة (ستيلا) هي التي تسببت في سقوط القهوة الساخنة على جسمها، فإنها سارعت إلى رفع دعوى قضائية ضد المطعم مطالبة بتعويضها عن (الأضرار الجسدية والمعنوية) التي لحقت بها، والغريب والعجيب في الأمر أن المحكمة التي نظرت تلك الدعوى قررت أحقية العجوز ستيلا في الحصول على تعويض مادي مقداره 2.9 مليون دولار أمريكي عداً ونقداً.
نحن لانـُطالب أن يكون الجميع مثل " السيدة ستيلا " ولكن على الأقل يجب أن يكون هناك ثقافة للمطالبة بالحقوق في حالة وقوع خطأ علينا، إن كان هذا الخطأ قد تسبـّب في أضرار مادية أو معنوية أو كلاهما، لأننا في واقع الحال نحن ندافع عن حق الجميع وليس حقنا الشخصي في ضمان عدم تكرار الخطأ على أشخاص آخرين .
كم هم أولئك الذين واجهو الكثير من " سلب الحقوق " ولزموا الصمت وتكرر ذلك في مواقع مـُختلفة ، وكم هم أولئك الذين واجهوا رعونة في التعامل مع شركات تقديم الخدمات مما أدى إلى سلب حقوقهم، ولم يـُحرّك ذلك ساكناً لديهم ، بل ويتكرر ذلك من تلك المواقع الخدمية " ببرود " لأن لا أحد سيردعهم في تصرفاتهم هذه ولم يسبق لأحد أن فعلها في مجتمعنا الذي " يسيح " حياءً في هذه النقطة تحديداً، ويراها منقصة في بعض الأحيان، إذ كيف يـُطالب والأمر لايعدو أن يكون شيئاً تافهاً – بنظره هو طبعاً – مع إنها تحولت إلى ثقافة مجتمعية للأسف نمررها لأجيال قادمة .
أحدهم يقول .. أنه ذهب إلى أحد المطاعم المعروفة وطلب وجبة خارجية وعندما وصل المنزل وجد داخل هذه الوجبة " حشرة " أو بعضٌ منها غير صحي ، فما كان منه إلا أن رمى بها وإكتفى بالاتصال على المطعم وتوبيخهم وزاد عليهم أن قال أنه لن يشتري منهم مرّة أخرى ..!! فقلت له .. والله يا أخي أنك ماقصـّرت فيهم .. بلهجة إستنكارية .. فأجاب ماذا تريدني أن أفعل يا أخي .. قلت له .. الأمر بسيط .. تحتاج أن تكون " ستيلا " أو تقرأ عنها .. قال : ومن هي هذه " الستيلا " قلت له إقرأ مقالي هذا الأسبوع وستعرف من هي .. ولعله يقرأ هذا المقال ويعرف كيف يكون " ستيلا " في وقت تفوقت فيه هذه المرأة على الكثير منا في " كيفية المطالبة بالحق "

مقال بقلم الاستاذ عبدالله العييدي